العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن ابتذال مهنة الصحافة

على‭ ‬علاتها‭ ‬الكثيرة‭ ‬فإن‭ ‬الصحافة‭ ‬العربية‭ ‬مبرّأة‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بالمبتذل‭ ‬من‭ ‬الأخبار‭ ‬والصور‭ (‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مجلات‭ ‬عربية‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الابتذال،‭ ‬ولكنها‭ ‬اختفت‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬بحلول‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وشيوع‭ ‬استخدام‭ ‬الانترنت،‭ ‬بحيث‭ ‬صار‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الابتذال‭ ‬يجده‭ ‬في‭ ‬مظانه‭ ‬الأصلية‭).‬

كان‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬الرجل‭ ‬‮«‬ألَهُ‭ ‬حرفة؟‮»‬‭ ‬فإن‭ ‬قالوا‭ ‬لا‭ ‬‮«‬سقط‭ ‬من‭ ‬عيني‮»‬،‭ ‬وكنت‭ ‬خلال‭ ‬إقامتي‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬الصحيفة‭ ‬التي‭ ‬يمسك‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬يجلس‭ ‬جواري‭ ‬في‭ ‬الحافلة‭ ‬أو‭ ‬القطار،‭ ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬ذا‭ ‬صن‮»‬،‭ ‬سقط‭ ‬أو‭ ‬سقطت‭ ‬من‭ ‬عيني،‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬ولا‭ ‬أزال‭ ‬أعتبر‭ ‬تلك‭ ‬الجريدة‭ ‬‮«‬ساقطة‮»‬‭ ‬لدأبها‭ ‬عل‭ ‬نشر‭ ‬صور‭ ‬لفتيات‭ ‬شبه‭ ‬عاريات‭ ‬في‭ ‬صفحتها‭ ‬الثالثة‭ ‬يوميا،‭ ‬ولكونها‭ ‬معنية‭ ‬بنهش‭ ‬لحوم‭ ‬المشاهير،‭ ‬ولا‭ ‬تخلو‭ ‬بقية‭ ‬صفحاتها‭ ‬من‭ ‬صورة‭ ‬أو‭ ‬خبر‭ ‬يخدش‭ ‬الحياء،‭ ‬فحتى‭ ‬العائلات‭ ‬البريطانية‭ ‬المحافظة‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬بدخول‭ ‬تلك‭ ‬الصحيفة‭ ‬بيوتها‭ (‬يملكها‭ ‬اليهودي‭ ‬روبرت‭ ‬ميردوك‭ ‬الذي‭ ‬اتضح‭ ‬ان‭ ‬صحيفة‭ ‬نيوز‭ ‬أوف‭ ‬ذا‭ ‬ويرلد‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬الصحف‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬قد‭ ‬حوكمت‭ ‬بالتنصت‭ ‬على‭ ‬هواتف‭ ‬سياسيين‭ ‬وضحايا‭ ‬الجرائم،‭ ‬وحوكم‭ ‬القائمون‭ ‬عليها‭ ‬بالسجن‭ ‬واضطر‭ ‬ميردوك‭ ‬الى‭ ‬إغلاقها‭).‬

ولهذا‭ ‬لم‭ ‬يدهشني‭ ‬أن‭ ‬تنشر‭ ‬تلك‭ ‬الصحيفة‭ ‬صوراً‭ ‬لصدام‭ ‬حسين‭ ‬وهو‭ ‬بسرواله‭ ‬الداخلي،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬أغضب‭ ‬من‭ ‬الصحيفة‭ ‬قدر‭ ‬غضبي‭ ‬من‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬خان‭ ‬أمانة‭ ‬حراسة‭ ‬رجل،‭ ‬بأن‭ ‬كمن‭ ‬له‭ ‬والتقط‭ ‬له‭ ‬صورا‭ ‬في‭ ‬أوضاع‭ ‬مختلفة،‭ ‬بغرض‭ ‬تسريبها‭ ‬وبيعها‭. ‬نعم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬إن‭ ‬صن‭ ‬دفعت‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مليون‭ ‬استرليني‭ ‬نظير‭ ‬تلك‭ ‬الصور،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬الصحيفة‭ ‬كبير‭ ‬حرج،‭ ‬فمن‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإعلامي‭ ‬ضعيفاً‭ ‬أمام‭ ‬غواية‭ ‬‮«‬الفرقعات‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬أنها‭ ‬جوفاء،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بصحيفة‭ ‬ديدنها‭ ‬نشر‭ ‬العورات‭ ‬على‭ ‬بلكوناتها‭ ‬المطلّة‭ ‬على‭ ‬الشوارع‭!‬

ونشر‭ ‬صورة‭ ‬شخصية‭ ‬عامة‭ ‬بملابسه‭ ‬الداخلية‭ ‬أو‭ ‬بدونها‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬عن‭ ‬التجسس‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬وهو‭ ‬يلبي‭ ‬نداء‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬مياه‭! ‬ورغم‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أهلل‭ ‬ولم‭ ‬أصفق‭ ‬لصدام‭ ‬حسين‭ ‬قط‭ ‬طوال‭ ‬حياتي،‭ ‬فأنني‭ ‬شعرت‭ ‬باشمئزاز‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬غفلته‭ ‬وهو‭ ‬سجين،‭ ‬لغايات‭ ‬تجارية،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهات‭ ‬أعطت‭ ‬نفسها‭ ‬حق‭ ‬الوصاية‭ ‬على‭ ‬صدام‭ ‬والشعب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحكمه،‭ ‬مع‭ ‬وعد‭ ‬بنشر‭ ‬التنوير‭ ‬والتحرر‭ ‬والانعتاق‭ ‬والشفافية،‭ ‬فإذا‭ ‬بالتنوير‭ ‬يعني‭ ‬وضع‭ ‬الأسرى‭ ‬تحت‭ ‬‮«‬الأنوار‮»‬‭ ‬الكاشفة‭ ‬لحرمانهم‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬أو‭ ‬التلصص‭ ‬على‭ ‬عوراتهم،‭ ‬وإذا‭ ‬بالتحرر‭ ‬انفكاك‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬قيد‭ ‬أخلاقي،‭ ‬وإذا‭ ‬بالانعتاق‭ ‬عتق‭ ‬مؤقت‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬باطشة،‭ ‬توطئة‭ ‬للوضع‭ ‬تحت‭ ‬قبضة‭ ‬طائشة‭ ‬لشخص‭ ‬متجرد‭ ‬من‭ ‬الأخلاق،‭ ‬وإذا‭ ‬بالشفافية‭ ‬هي‭ ‬جعل‭ ‬الجسد‭ ‬مكشوفاً‭ ‬بالملابس‭ ‬الشفافة‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تتوافر‭ ‬فبتجريده‭ ‬من‭ ‬الملابس‭. ‬

ما‭ ‬فعلته‭ ‬صحيفة‭ ‬ذا‭ ‬صن‭ ‬البريطانية‭ ‬ينسجم‭ ‬وأخلاق‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بتسليع‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬أي‭ ‬جعل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬قابلا‭ ‬للبيع‭ ‬كسلعة،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬كثيرون‭ ‬ان‭ ‬قطار‭ ‬العولمة‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬بلداننا‭ ‬رغم‭ ‬بعد‭ ‬المسافة‭ ‬بينها‭ ‬والقرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬ففي‭ ‬معظم‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬هناك‭ ‬مسابقات‭ ‬لملكات‭ ‬الجمال،‭ ‬وعلى‭ ‬الراغبة‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬سلعتها‭ ‬لتقنع‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬بأن‭ ‬مؤهلاتها‭ ‬من‭ ‬أرداف‭ ‬ونهود‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬مؤهلات‭ ‬منافساتها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬لبنان‭ ‬ينظم‭ ‬‮«‬ملك‭ ‬جمال‭ ‬الرجال‮»‬،‭ ‬وهناك‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬دول‭ -‬ظلت‭ ‬توصف‭ ‬بالمحافظة‭- ‬تتبارى‭ ‬لاستضافة‭ ‬فعالياتها‭.‬

يعني‭ ‬نصيبنا‭ ‬من‭ ‬العولمة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬اقتصر‭ ‬على‭ ‬كشف‭ ‬اللحوم‭ ‬وتضاريس‭ ‬الجسوم،‭ ‬أما‭ ‬عندما‭ ‬تتحول‭ ‬العولمة‭ ‬إلى‭ ‬عواصف‭ ‬رعدية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬المقبلة‭ ‬فلا‭ ‬أظن‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بمكانتها‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الأطلس‭. ‬كلها‭ ‬كم‭ ‬سنة‭ ‬وتروح‭ ‬خصوصياتنا‭ ‬وثوابتنا‭ (‬التي‭ ‬ما‭ ‬ثبتنا‭ ‬عليها‭ ‬يوما‭) ‬أدراج‭ ‬رياح‭ ‬‮«‬تجارية‭ ‬غربية‮»‬‭ ‬بزوال‭ ‬الدولة‭ ‬ذات‭ ‬السيادة‭. ‬أما‭ ‬رأيتم‭ ‬كيف‭ ‬طالبت‭ ‬أوروبا‭ ‬تركيا‭ ‬بعدم‭ ‬إصدار‭ ‬قوانين‭ ‬تحريم‭ ‬وتجريم‭ ‬الدعارة‭ ‬والشذوذ‭ ‬الجنسي؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا