العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

ماذا لو أنك تطل من السماء إلى الأرض!

{‭ ‬اعتدنا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬الممالك‭ ‬الصغيرة‭ ‬تحت‭ ‬أقدامنا‭ ‬ومنها‭ ‬‮«‬مملكة‭ ‬النمل‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬أثبت‭ ‬العالم‭ ‬روعة‭ ‬الانضباط‭ ‬الذي‭ ‬يحكمها‭! ‬وروح‭ ‬التفاني‭ ‬التي‭ ‬تضبط‭ ‬علاقاتها‭! ‬وحجم‭ ‬التنسيق‭ ‬الذي‭ ‬يدوزن‭ ‬آليات‭ ‬عمل‭ ‬عناصرها‭! ‬ولكأنك‭ ‬أمام‭ ‬عالم‭ ‬مليء‭ ‬بكل‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬نعرفها‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬البشري،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مهندسين‭ ‬وبناءين‭ ‬ومسؤولي‭ ‬تغذية‭ ‬وغيرهم‭ ‬حتى‭ ‬غدت‭ ‬بيوت‭ ‬النمل،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تصويرها‭ ‬وثائقيًّا‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬تزخر‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مدهش‭ ‬ومموسق‭! ‬فتدرك‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وعيًا‭ ‬غريزيًا‮»‬‭ ‬حباها‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يحكمها‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬نوعها‭!‬

{‭ ‬إذا‭ ‬دخلنا‭ ‬مملكة‭ ‬أخرى‭ ‬وقد‭ ‬رفعنا‭ ‬رؤوسنا‭ ‬إلى‭ ‬الأشجار‭ ‬والجبال‭ ‬ومزارع‭ ‬تربية‭ ‬النحل،‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬مملكة‭ ‬النحل‮»‬‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاتها‭ ‬مدرسة‭ ‬كبيرة‭ ‬للهندسة‭ ‬والمعمار‭ ‬والتخزين،‭ ‬والتفاني‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬‮«‬المملكة‮»‬‭ ‬ملكة‭ ‬النحل،‭ ‬وحيث‭ ‬النظام‭ ‬ودقة‭ ‬العمل‭ ‬يحكمان‭ ‬المملكة،‭ ‬ووظائف‭ ‬العناصر‭ ‬في‭ ‬الخلية‭! ‬فلكل‭ ‬مجموعة‭ ‬عملها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تحيد‭ ‬عنه،‭ ‬ولا‭ ‬تتنافس‭ ‬أو‭ ‬تتصارع‭ ‬مع‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬العناصر،‭ ‬بما‭ ‬يُفسر‭ ‬نظام‭ ‬المملكة‭! ‬فهي‭ ‬بدورها‭ ‬يحكمها‭ ‬‮«‬وعي‭ ‬غريزي‮»‬‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬دقة‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬النحل‭ ‬لإنتاج‭ ‬العسل‭ ‬الذي‭ ‬يتغذى‭ ‬عليه‭ ‬الإنسان‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬ممالك‭ ‬الحيوانات‭ ‬والطيور‭ ‬والحشرات،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬عوالم‭ ‬النباتات،‭ ‬يحكمها‭ ‬نظام‭ ‬دقيق‭ ‬لا‭ ‬تحيد‭ ‬عنه‭ ‬لكي‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬بقائها‭ ‬والحكمة‭ ‬من‭ ‬وجودها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭!‬

هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الزاخرة‭ ‬بالضوابط‭ ‬والقوانين‭ ‬و«الوعي‭ ‬الكوني‮»‬‭ ‬والزاخرة‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬بالأمم‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مثلنا‭ ‬فيما‭ ‬يحكمها‭ ‬من‭ ‬قوانين‭ ‬الطبيعة‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬الله‭ ‬لكل‭ ‬مخلوقاته‭!‬

ولأن‭ ‬الإنسان‭ ‬أسمى‭ ‬المخلوقات‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وسيدها‭ ‬وحباه‭ ‬الله‭ ‬بالإرادة‭ ‬الحرة‭ ‬فيما‭ ‬يفعل‭!‬

فإن‭ ‬الضوابط‭ ‬والقوانين‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬وجوده‭ ‬وغريزة‭ ‬البقاء‭ ‬لديه،‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬وأكثر‭ ‬تجريدًا‭! ‬فهو‭ ‬وحده‭ ‬الذي‭ ‬يعي‭ ‬معنى‭ ‬وجوده‭ ‬وحريته‭ ‬ووعيه،‭ ‬ويعلم‭ ‬أنه‭ ‬كائن‭ ‬يعيش‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬بين‭ ‬ضفتي‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‭! ‬وأنه‭ ‬يتمتع‭ ‬بروح‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬نفخ‭ ‬الخالق‭ ‬في‭ ‬جسده‭! ‬وأن‭ ‬صراعه‭ ‬الدائم‭ ‬مستمر‭ ‬بين‭ ‬عالم‭ ‬الروح‭ ‬وعالم‭ ‬الجسد،‭ ‬وبين‭ ‬الخيرّ‭ ‬والشرّ،‭ ‬وبين‭ ‬الغرائز‭ ‬الحسية‭ ‬ومعايشة‭ ‬الماديات‭ ‬والمحسوسات،‭ ‬فيما‭ ‬أفق‭ ‬عقله‭ ‬وروحه‭ ‬ووعيه،‭ ‬تطال‭ ‬آفاق‭ ‬السماء‭! ‬فوحده‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬‮«‬حديث‭ ‬قدسي‮»‬‭ ‬إن‭ ‬الكون‭ ‬يضيق‭ ‬به‭ ‬ويتسع‭ ‬له‭ ‬قلب‭ ‬عبده،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭! ‬هل‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬أعلى‭ ‬وأسمى؟‭!‬

{‭ ‬بإطلاله‭ ‬تخترق‭ ‬الأبعاد‭ ‬المألوفة،‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬أطلّ‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ (‬رحلة‭ ‬تأملية‭) ‬من‭ ‬آخر‭ ‬بُعد‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬الدنيا‭ ‬إلى‭ ‬الأرض؟‭!‬

ماذا‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬لبصره‭ ‬وبصيرته‭ ‬امتدادات‭ ‬فلكية،‭ ‬يرى‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬مخلوقات‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الأرض؟‭! ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬دخل‭ ‬في‭ (‬مقارنة‭ ‬بحثية‭) ‬بين‭ ‬النظم‭ ‬والقوانين‭ ‬والفِطرة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬كل‭ ‬المخلوقات‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬عالم‭ ‬البشر‭ ‬والإنسان؟‭! ‬لو‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬فسيجد‭ ‬أن‭ (‬الالتزام‭ ‬الفِطري‭ ‬أو‭ ‬الغريزي‭) ‬يحكم‭ ‬كل‭ ‬عوالم‭ ‬المخلوقات‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬والحشرات‭ ‬والطيور‭ ‬والنباتات،‭ ‬إلا‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬حباه‭ ‬الله‭ ‬بالوعي‭ ‬والإدراك‭ ‬والإرادة‭ ‬هو‭ ‬المخلوق‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يُخلّ‭ ‬بفطرته‭ ‬وقوانين‭ ‬الطبيعة‭ ‬وتعاليم‭ ‬الله‭ ‬له‭! ‬ولذلك‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬عالم‭ (‬النظام‭ ‬والالتزام‭) ‬إلى‭ ‬عالم‭ (‬الفوضى‭ ‬والانفلات‭)‬،‭ ‬فيفسد‭ ‬نفسه،‭ ‬ونظام‭ ‬الطبيعة‭ ‬الذي‭ ‬يحكمه،‭ ‬مثلما‭ (‬يفسد‭ ‬غريزة‭ ‬البقاء‭) ‬الذي‭ ‬أوجده‭ ‬الله‭ ‬فيه،‭ ‬وجعله‭ ‬سيد‭ ‬المخلوقات‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬لكي‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬‮«‬نوعه‮»‬‭ ‬وعلى‭ ‬الطبيعة‭ ‬التي‭ ‬تحتويه‭! ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُعمر‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬وينشر‭ ‬قوانين‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الإعمار‭ ‬للأرض‭ ‬بالوعي‭ ‬الإنساني‭ ‬الذي‭ ‬يبني‭ ‬الحضارات‭ ‬ليزداد‭ ‬رفعة‭ ‬وسموًا،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬يحمل‭ ‬معول‭ ‬الهدم،‭ ‬ويتسلط‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬الأضعف،‭ ‬وذلك‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأفراد‭! ‬فينشر‭ (‬قوانين‭ ‬النشاز‭) ‬والإفساد‭ ‬والقتل‭ ‬واستباحة‭ ‬الحرمات،‭ ‬بروح‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يحكمه‭ ‬ليبقى‭ ‬الأقوى‭ ‬والمسلط‭ ‬والمهيمن‭!‬

فيقتل‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬من‭ ‬‮«‬نوعه‭ ‬الإنساني‭ ‬أو‭ ‬البشري‮»‬‭ ‬بل‭ ‬ويهدد‭ ‬الوجود‭ ‬البشري‭ ‬بما‭ ‬يرتكبه‭ ‬من‭ ‬فظائع‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬والتاريخ‭!‬

{‭ ‬بهذه‭ ‬الإطلالة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬إلى‭ ‬الأرض،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬المخلوقات‭ ‬ملتزمة‭ ‬بقوانين‭ ‬بقائها‭ ‬ووجودها،‭ ‬إلا‭ ‬الإنسان‭ ‬العاقل‭ ‬وقد‭ ‬فقد‭ ‬عقله‭! ‬فأقام‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬والصراعات‭ ‬الدموية‭! ‬ودخل‭ ‬من‭ ‬فوهة‭ ‬الفوضى‭ ‬ليخل‭ (‬بنظام‭ ‬الوعي‭ ‬والعقل‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أنه‭ ‬يحكمه‭ ‬ويحكم‭ ‬النوع‭ ‬الإنساني،‭ ‬فملأ‭ ‬الأرض‭ ‬والبحر‭ ‬والسماء‭ ‬بالفساد،‭ ‬كنتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬للشراهة‭ ‬والجشع‭ ‬وحب‭ ‬السيطرة‭ ‬وإبراز‭ ‬القوة‭ ‬على‭ ‬الأضعف‭!‬،‭ ‬ليختل‭ ‬ميزان‭ ‬العدالة‭ ‬والإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭! ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬الأمم‭ ‬الأقوى،‭ ‬وما‭ ‬يفعله‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬القوة‭ ‬والسطوة‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬أمة‭ ‬من‭ ‬المخلوقات‭ ‬الأخرى‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬نوعها،‭ ‬إلا‭ ‬الإنسان‭ (‬يدمرّ‭ ‬نوعه‭) ‬ويدمر‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬حوله،‭ ‬برؤية‭ ‬ضيقة‭ ‬أضاعت‭ ‬الطريق‭ ‬لمعرفة‭ ‬قيمة‭ ‬الإرادة‭ ‬الحرّة‭ ‬منذ‭ ‬برز‭ ‬الصراع‭ ‬الأزلي‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬فاختار‭ ‬القوى‭ (‬المستعبد‭ ‬بتعاليم‭ ‬الشيطان‭) ‬طرقات‭ ‬الشرور،‭ ‬لتبرز‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬وجوده‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬كل‭ ‬شروره‭ ‬المدمجة‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بالعلم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬لكي‭ ‬يتفنن‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬النوع‭ ‬البشري‭! ‬فأي‭ ‬غباء‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬استبدل‭ ‬العبودية‭ ‬لمن‭ ‬خلقه‭ ‬بالعبودية‭ ‬للشيطان؟‭! ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ (‬النوع‭ ‬البشري‭ ‬بفطرته‭ ‬السليمة‭ ‬فماذا‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬الحياة؟‭! ‬إنه‭ ‬يقضي‭ ‬على‭ ‬نوعه‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا