العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

وفي انتظار أن يمرَّ الصعب مرَّ العمر!

{‭ ‬من‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬السعادة؟‭! ‬من‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬راحة‭ ‬البال؟‭! ‬ولكن‭ ‬بين‭ ‬السعادة‭ ‬وراحة‭ ‬البال‭ ‬فرقا‭ ‬جوهريا،‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬يختصرها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الثروة‭ ‬أو‭ ‬الوجاهة‭ ‬أو‭ ‬اللذة‭ ‬الحسية‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬القائمة‭ ‬التي‭ ‬تبرز‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬كمعيار‭ ‬معاصر‭ ‬لتحقيق‭ ‬السعادة‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬المعايير‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭! ‬ولكنها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬جميعا‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬المضني‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬الذات‭ ‬بمواصفات‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬للحياة‭! ‬وهو‭ ‬النظام‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬عصر‭ ‬الإسفنجة‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬قطرة‭ ‬فيها‭ ‬لتحقيق‭ ‬الرفاهية‭ ‬المطلوبة‭ ‬وعلى‭ ‬الحسيات‭ ‬والغرائز‭ ‬الفالتة‭! ‬وهذا‭ ‬النظام‭ ‬المادي‭ ‬المتوغل‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬العقل‭ ‬لأغلب‭ ‬البشرية‭ ‬يبيح‭ ‬النظرية‭ ‬الميكافيلية‭ (‬الغاية‭ ‬تبرر‭ ‬الوسيلة‭)! ‬فلا‭ ‬بأس‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بكل‭ ‬مفسدة‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬المفاسد‭ ‬لتحقيق‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بطموحاتك‭ ‬الخاصة‭! ‬هذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬وينطبق‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الكبرى‭! ‬وفي‭ ‬الطريق‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الدوس‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬وعلى‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬صلة‭ ‬بتعاليم‭ ‬الله‭! ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬السعادة‭ ‬وهم‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬الجميع‭ ‬ولكنه‭ ‬يتحقق‭ ‬عبر‭ ‬معيار‭ ‬اللذة‭ ‬الآنية‭ ‬وليس‭ ‬الطمأنينة‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬تسرقها‭ ‬الوسائل‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬تحقيق‭ ‬الغايات‭!‬

{‭ ‬راحة‭ ‬البال‭ ‬تختلف‭ ‬أساليبها‭ ‬عن‭ ‬أساليب‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬عبر‭ ‬الماديات‭! ‬يكفي‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬الإنسان‭ ‬دخلا‭ ‬يعيش‭ ‬به‭ ‬ومسكنا‭ ‬يأويه‭ ‬ودفئا‭ ‬عائليا‭ ‬يلوذ‭ ‬به‭ ‬وصلة‭ ‬روحية‭ ‬بخالق‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬ليحصل‭ ‬على‭ ‬راحة‭ ‬البال‭ ‬التي‭ ‬ينشدها‭ ‬وفي‭ ‬داخلها‭ ‬طمأنينة‭ ‬النفس‭ ‬وسمو‭ ‬الروح‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬خطوات‭ ‬الشيطان‭ ‬التي‭ ‬تستدرج‭ ‬الإنسان‭ ‬خطوة‭ ‬خطوة‭ ‬ليجد‭ ‬أنه‭ ‬كسب‭ ‬الكثير‭ ‬ولكنه‭ ‬فقد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬اتباع‭ ‬تلك‭ ‬الخطوات‭!‬

{‭ ‬الحياة‭ ‬ذاتها‭ ‬خضم‭ ‬بحر‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭ ‬لأنها‭ ‬محطة‭ ‬الروح‭ ‬الإنسانية‭ ‬ومختبرها‭.. ‬‮«‬ديستوفسكي‮»‬‭ ‬الكاتب‭ ‬الروسي‭ ‬الشهير‭ ‬اختصر‭ ‬الأمر‭ ‬بطريقته‭ ‬حين‭ ‬قال‭ (‬وفي‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬الصعب‭ ‬مر‭ ‬العمر‭)! ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬صعوباتها‭ ‬وتحدياتها‭ ‬واختباراتها‭ ‬طالما‭ ‬نعيش‭! ‬وهذه‭ ‬الصعوبات‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬رغم‭ ‬اختلال‭ ‬الموقع‭ ‬والقوة‭ ‬والثروة‭ ‬لأنها‭ ‬المحك‭ ‬الحقيقي‭ ‬لتبيان‭ ‬ذلك‭ ‬الجوهر‭ ‬الإنساني‭ ‬المتواري‭ ‬خلف‭ ‬الجسد‭ ‬وخلف‭ ‬الماديات‭ ‬والحسيات‭ ‬والغرائز‭ ‬المنفلتة‭!‬

في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬زوربا‮»‬‭ ‬الشهيرة‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬زوربا‮»‬‭ (‬الحياة‭ ‬مشاكل‭ ‬فقط‭ ‬الموت‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭)! ‬ها‭ ‬نحن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬الروائي‭ (‬كازانتزاكيس‭) ‬على‭ ‬لسان‭ ‬بطله‭ ‬الموسوم‭ ‬بحب‭ ‬الحياة‭ ‬والذي‭ ‬يعترك‭ ‬مشاكلها‭ ‬بحب‭ ‬أيضا‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬اللهاث‭ ‬خلف‭ ‬الأشياء‭ ‬بهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬السعادة‭ ‬المرجوة‭ ‬لا‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬السلام‭ ‬الداخلي‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬أمات‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬ربما‭ ‬كل‭ ‬إحساس‭ ‬وشعور‭ ‬إنساني‭ ‬نبيل‭! ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬وهذا‭ ‬الإنسان‭ ‬يلهث‭ ‬هكذا‭ ‬خلف‭ ‬الأشياء‭ ‬وبعضهم‭ ‬خلف‭ ‬أعداد‭ ‬تتصاعد‭ ‬في‭ ‬حسابه‭ ‬المصرفي‭ ‬ولا‭ ‬يقنع‭ ‬بأي‭ ‬رقم‭ ‬يصله؟‭! ‬أو‭ ‬هو‭ ‬يلهث‭ ‬خلف‭ ‬الماديات‭ ‬ويواجه‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬كل‭ ‬الانحدارات‭ ‬فإذا‭ ‬تحقق‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬وقتا‭ ‬أو‭ ‬عمرا‭ ‬ليدرك‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬ركام‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬زبد‭ ‬بحر‭ ‬تتلاعب‭ ‬به‭ ‬الأمواج‭! ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬لماذا‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬دوره‭ ‬وأي‭ ‬الأشياء‭ ‬لها‭ ‬قيمة‭ ‬حقيقية‭ ‬أو‭ ‬زائفة‭! ‬وماذا‭ ‬خسر‭ ‬من‭ ‬روحه‭ ‬ومن‭ ‬جوهره‭ ‬الإنساني‭ ‬وهو‭ ‬يلهث‭ ‬خلف‭ ‬غزيرة‭ ‬التملك‭ ‬أو‭ ‬السطوة‭ ‬أو‭ ‬الهيمنة‭ ‬أو‭ ‬إظهار‭ ‬القوة؟‭!‬

{‭ ‬الإنسان‭ ‬المعاصر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬التفاهة‭ ‬ونظام‭ ‬الغباء‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬محشورا‭ ‬بينهما‭! ‬لأن‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬القائم‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬سلب‭ ‬القيمة‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬وسلب‭ ‬القيمة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أخلاقي‭ ‬وروحي‭! ‬ليعلو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬السلب‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مادي‭ ‬أو‭ ‬تافه‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬جوهري‭! ‬وجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬يجري‭ ‬خلف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مكرس‭ ‬جري‭ ‬الوحوش‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬وهو‭ ‬يجري‭ ‬ويلهث‭ ‬يفقد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬جوهره‭ ‬الروحي‭ ‬أو‭ ‬الأخلاقي‭ ‬أو‭ ‬راحة‭ ‬البال،‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬طمأنينة‭ ‬الروح‭ ‬وليس‭ ‬بذخ‭ ‬الماديات‭ ‬حتى‭ ‬يتحول‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬مسخ‭ ‬وصولي‭ ‬أو‭ ‬انتهازي‭ ‬أو‭ ‬منافق‭ ‬أو‭ ‬يتحول‭ ‬كالغرب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يداري‭ ‬سوءاته‭!‬

{‭ ‬ليست‭ ‬المشاكل‭ ‬أو‭ ‬الصعوبات‭ ‬تشبه‭ ‬بعضها‭ ‬لكل‭ ‬البشر‭! ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الطمأنينة‭ ‬الروحية‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يملكه‭ ‬من‭ ‬ملايين‭ ‬أو‭ ‬مليارات‭! ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬لقمة‭ ‬عيشه‭ ‬أو‭ ‬يعيش‭ ‬ظروفا‭ ‬استثنائية‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬يحمد‭ ‬الله‭ ‬ويشكره،‭ ‬ويستمد‭ ‬من‭ ‬قناعته‭ ‬غنى‭ ‬نفس‭ ‬لا‭ ‬تضاهى‭!‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يسرق‭ ‬ومن‭ ‬يرتشي‭ ‬ومن‭ ‬يكذب‭ ‬ومن‭ ‬يقتل‭ ‬ليحقق‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مبتغاه‭! ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يصارع‭ ‬تحديات‭ ‬البقاء‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬أن‭ ‬يخسر‭ ‬نفسه‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭! ‬ليست‭ ‬صعوبات‭ ‬النموذج‭ ‬الأول‭ ‬كصعوبات‭ ‬النموذج‭ ‬الثاني،‭ ‬ولكنها‭ ‬الحياة‭ ‬بكل‭ ‬تناقضاتها‭ ‬ترسم‭ ‬دروبا‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭! ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يفهم‭ ‬الدرس‭ ‬وغيره‭ ‬لا‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬الروح‭ ‬لأنه‭ ‬غارق‭ ‬في‭ ‬الجسد‭ ‬والماديات‭ ‬والغرائز‭ ‬المنفلتة‭ ‬وطموحات‭ ‬البذخ‭ ‬والرفاهية‭! ‬ليست‭ ‬الصعوبات‭ ‬كبعضها‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا