عالم يتغير
فوزية رشيد
هذا العالم الأضحوكة!
{ لا شيء بإمكانه أن يصف حالة الهزال والخواء الذي وصلت إليه كل حكومات العالم والنظام الدولي والمؤسسات والمنظمات إلا أنها معا أضحوكة! فلا منطق ولا معنى يحكم هذا العالم الخاوي من إرادته وإنسانيته وأخلاقياته وقيمه إلا التفاهة! فهل يعقل أن تتواصل المذابح اليومية في غزة على مرأى ومسمع من كل الدول والحكومات والمؤسسات والأمم المتحدة وحتى محكمة العدل الدولية لما يقارب الخمسة أشهر وليس بقدرة أحد في العالم أن يفرض وقف إطلاق النار على كيان يقوم بالإبادة الجماعية وبالمجازر اليومية وبالتطهير العرقي وبقتل الأطفال والنساء والمدنيين؟! ما قيمة هذا العالم العاجز أمام كيان واحد مجرم يتمادى كل يوم في إجرامه؟! ما قيمة القوانين الدولية؟! ما قيمة المنظمات الحقوقية؟! ما قيمة المؤسسات الدولية؟! ما قيمة الأمم المتحدة؟! ما قيمة كل ما يحكم العالم من مبادئ وقيم مدعاة؟! اتضح أن مع جرائم الحرب اليومية في غزة وقتل المئات بمعدل يومي في ظل عجز العالم كله فإنه لم تسقط الأقنعة فقط عن كل ذلك وإنما تحول العالم كله إلى أضحوكة وفراغ وتفاهة منقطعة النظير!
{ لم يعد بعد اليوم شيء يحتفظ بهيبة أو احترام أو ثقة! كل ذلك تلطخ بسيل الدماء في فلسطين – غزة، وكل ذلك جعل أحرار العالم داخلين في دهشة الفراغ الدولي والعالمي الذي يحيط بهم! فراغ في كل المستويات! لكأن فجأة اتضح أن دول العالم وهي تصارع عجزها المضني أمام كيان استيطاني وقوة احتلال غاشمة لم ير العالم لها مثيلا، قد تحول وقادة العالم الكبرى والصغرى إلى جمود الدمى التي لا حول لها ولا قوة! هي المسرحية الفاعل الوحيد فيها هو الكيان الغاصب الذي يصر على ارتكاب جرائمه بدعم مطلق إلا التصريحات الخاوية من الغرب والشرق ليواصل حفل جنونه ومجازره! ولا أحد يوقفه!
{ الكاتب الصحفي الأمريكي المعروف كريس هيدجز يصف شيئا من هذا الجنون الصهيوني الذي حول حكومات العالم إلى متفرجين أشرار ونازيين على ما يفعله الكيان! وما يصف به الحكومة الأمريكية لا تنجو من وصفه أية قوى أخرى في مسرحية (العالم الأضحوكة) يقول هاذئا ومحتدما إن خطة المجال الحيوي الإسرائيلية الرئيسية لغزة المقتبسة عن عملية إخلاء النازيين للأحياء اليهودية جلية، تدمير البنية التحتية والمرافق الطبية والصرف الصحي والمياه غير النظيفة ومنع شحنات الطعام والوقود وفرض انقطاعات الاتصالات وإطلاق العنان للعنف الصناعي العشوائي لقتل وجرح المئات والسماح بالمجاعة والأوبئة والأمراض المعدية إلى جانب المجازر اليومية وتشريد الفلسطينيين من منازلهم مما حول غزة إلى مشرحة! قتلت إسرائيل أو أصابت ما يقرب من 100,000 (مائة ألف) فلسطيني بجراح خطيرة في غزة، أي بمعدل واحد من كل 20 ساكنا تقريبا، ودمرت وألحقت أضرارا بـ60% من المساكن، المناطق الآمنة التي صدرت التعليمات لنحو 2 مليون من سكان غزة بالفرار إليها في الجنوب تعرضت لقصف بلا هوادة خلَّف آلاف الضحايا.. الفلسطينيون في غزة يشكلون الآن 80% من إجمالي الأشخاص الذين يواجهون المجاعة أو الجوع الكارثي عالميا وفقا للأمم المتحدة، كل شخص في غزة يعاني من الجوع وربع السكان يتضورون جوعا، ويكافحون من أجل الحصول على الغذاء والمياه الصالحة للشرب. المجاعة وشيكة 335,000 (ثلاثمائة وخمس وثلاثون ألف) طفل دون الخامسة يواجهون خطرا كبيرا للإصابة بسوء التغذية وتفتقر نحو 50.000 امرأة حامل إلى الرعاية الصحية والتغذية الكافية. الرضع يموتون بأعداد كبيرة.
المسؤولون السياسيون والعسكريون الإسرائيليون الذين وثقهم الحقوقيون الجنوب أفارقة في محكمة العدل الدولية لا يخفون نواياهم للإبادة الجماعية ولا رؤيتهم لما سيأتي بعد ذلك. في سبتمبر قبل توغل حماس وغيرها من مقاتلي المقاومة في إسرائيل عرض نتنياهو خريطة لما أسماه الشرق الأوسط الجديد في اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة دمجت كلا من غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية في إسرائيل الكبرى! ولم تعد فلسطين موجودة! الفلسطينيون مجبرون على الاختيار وللتعرض للموت والتعرض للمرض والمجاعة أو الطرد من وطنهم! سوف نصل قريبا إلى نقطة يكون فيها الموت منتشرا في كل مكان وحيث يصبح ترحيل من يريدون العيش هو الخيار الوحيد. تضغط إسرائيل على دور أمريكا اللاتينية وإفريقيا لقبول اللاجئين الفلسطينيين. يطلق القادة الإسرائيليون على هذا الترحيل اسم الهجرة الطوعية والهجرة الطوعية ليست مفهوما جديدا في سجلات الإبادة الجماعية! سيشحن الإسرائيليون ضحاياهم إلى مخيمات اللاجئين القذرة في بلدان خارج إسرائيل. هذه هي الخطة ولا أحد وخاصة إدارة بايدن ينوي إيقافها. ويمضي الكاتب الأمريكي قائلا: يمكننا جميعا أن نصبح نازيين لا يتطلب الأمر كثيرا. وإذا لم نقف في يقظة دائمة للشر.. سوف نصبح جميعا مثل من ينفذون القتل الجماعي في غزة وحوشا.. ولعل المفارقة الأكثر حزنا هي أن شعبا كان سابقا في حاجة إلى الحماية من الإبادة الجماعية هو نفسه من يرتكبها الآن!
هذه هي شهادة مهمة تضاف إلى شهادات أخرى كثيرة أدلى بها شهود من أحرار العالم توضح في النهاية حجم العبودية التي يخضع لها عالم اليوم وكيفية تحويل الجميع إلى نازيين وأشرار بسبب صمتهم على ما يحدث! إلى متى هذا الصمت الشرير؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك