العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لسنا مثل الغربيين والحمد لله

عجنت‭ ‬وخَبَزْت‭ ‬الخواجات،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬نسميهم‭ ‬بالجنس‭ ‬الأبيض،‭ ‬بالمعايشة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زمالة‭ ‬العمل،‭ ‬وبالاطلاع‭ ‬على‭ ‬منتوجهم‭ ‬الثقافي،‭ ‬وصرت‭ ‬مقتنعا‭ ‬بأنهم‭ ‬يفتقرون‭ ‬الى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والضوابط‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬ومهما‭ ‬سبقونا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬العلوم‭ ‬والاختراعات‭ ‬والاكتشافات،‭ ‬فإن‭ ‬الغربيين‭ ‬ليسوا‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬يسمح‭ ‬لهم‭ ‬بفرض‭ ‬وصاية‭ ‬أخلاقية‭ (‬من‭ ‬طرف‭) ‬علينا‭. ‬نعم‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نحترم‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬ونؤجل‭ ‬عمل‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬المقبل،‭ ‬ولا‭ ‬ننتج‭ ‬بل‭ ‬نستهلك،‭ ‬ولا‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬أجيال‭ ‬المستقبل،‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نعرفها‭ ‬ولأنهم‭ ‬لم‭ ‬يفكروا‭ ‬بنا‭!! ‬وطق‭ ‬الحنك‭ ‬والسوالف‭ ‬والونسة،‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الأنشطة‮»‬‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬العمل‭ ‬عندنا‭.‬

لكننا‭ -‬كأفراد‭ ‬ومجتمعات‭- ‬نتمسك‭ ‬بمنظومة‭ ‬من‭ ‬القيم،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحفظ‭ ‬آدمية‭ ‬الإنسان‭ ‬ولا‭ ‬تهدرها،‭ ‬هناك‭ ‬بالطبع‭ ‬شواذ‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬ولكن‭ ‬غالبيتنا‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬الكبار‭ ‬وحقوق‭ ‬الجوار،‭ ‬وتحترم‭ ‬حرمة‭ ‬جسد‭ ‬الإنسان‭ ‬حياً‭ ‬وميتاً‭. ‬يعني‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬ألد‭ ‬وأشرس‭ ‬أعدائنا‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أتخيل‭ ‬ان‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬العرب‭ ‬أو‭ ‬المسلمين‭ ‬كانت‭ ‬ستنبش‭ ‬جثة‭ ‬محارب‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬العدو‭ ‬من‭ ‬قبره،‭ ‬وتلعب‭ ‬بها‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬جنود‭ ‬ألمان‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬عثروا‭ ‬على‭ ‬جمجمة،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬لجندي‭ ‬روسي‭ ‬أو‭ ‬مواطن‭ ‬أفغاني‭ ‬عادي‭ ‬أو‭ ‬عنصر‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬طالبان،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬أحد‭ ‬جنود‭ ‬حكومة‭ ‬كرازي‭ ‬الكرتونية‭ ‬الراحلة‭. ‬فقد‭ ‬حولوا‭ ‬الجمجمة‭ ‬إلى‭ ‬دمية‭ ‬وتقاذفوها‭ ‬ورسموا‭ ‬عليها‭ ‬أشكالا‭ ‬‮«‬مضحكة‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬فرط‭ ‬استمتاعهم‭ ‬بالجمجمة‭ ‬فقد‭ ‬التقطوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬صورا‭ ‬‮«‬تذكارية‮»‬‭ ‬وهم‭ ‬يلهون‭ ‬بها‭.‬

عندما‭ ‬غزا‭ ‬البريطانيون‭ ‬السودان‭ ‬عام‭ ‬1899،‭ ‬وقضوا‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬الزعيم‭ ‬السوداني‭ ‬محمد‭ ‬أحمد‭ ‬المهدي،‭ ‬بعد‭ ‬دحر‭ ‬الاستعمار‭ ‬التركي‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الخرطوم‭ ‬بعد‭ ‬قتل‭ ‬الجنرال‭ ‬البريطاني‭ ‬غوردن‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحكم‭ ‬البلاد‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الباب‭ ‬العالي‮»‬‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الغزاة‭ ‬البريطانيون‭ ‬نبش‭ ‬قبر‭ ‬المهدي‭ ‬وارسال‭ ‬جمجمته‭ ‬الى‭ ‬لندن‭ ‬كـ‮«‬غنيمة‭ ‬حرب‮»‬،‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬الحكومة‭ ‬استخدموا‭ ‬الجمجمة‭ ‬كـ«طفاية‭/ ‬منفضة‮»‬‭ ‬سجائر‭.‬

وقبل‭ ‬سنوات‭ ‬قدمت‭ ‬القناة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬الرابعة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬برنامجا‭ ‬حيا‭ ‬لتشريح‭ ‬جثة‭ ‬شخص‭ ‬ميت،‭ ‬ولا‭ ‬تسلني‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عنصر‭ ‬الجذب‭ ‬والإمتاع‭ ‬والترفيه‭ ‬في‭ ‬مشاهدة‭ ‬جثة‭ ‬ميت‭ ‬تخضع‭ ‬للتقطيع‭. ‬خلال‭ ‬دراستي‭ ‬الجامعية‭ ‬كان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أصدقاء‭ ‬الطفولة‭ ‬والصبا‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬وكانوا‭ ‬يتباهون‭ ‬خلال‭ ‬أيامهم‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬بأنهم‭ ‬شرحوا‭ ‬الجثث،‭ ‬وهكذا‭ ‬كنت‭ ‬أمكث‭ ‬معهم‭ ‬عدة‭ ‬ساعات‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬منهم‭. ‬طبعا‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬عباطة‮»‬‭ ‬من‭ ‬جانبي‭ ‬لأن‭ ‬الطبيب‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يشرح‭ ‬الجثث‭ ‬كي‭ ‬يدرس‭ ‬الجسم‭ ‬البشري‭ ‬ويتعلم‭ ‬كيف‭ ‬يعالجه‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأمراض،‭ ‬ولكن‭ ‬المسألة‭ ‬نفسية‭: ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬الجالس‭ ‬جواري‭ ‬أو‭ ‬قبالتي‭ ‬قام‭ ‬بتقطيع‭ ‬عضلات‭ ‬فخذ‭ ‬ميت‭ ‬إلى‭ ‬ترنشات؟‭ ‬إخخخخخخ‭!‬

وقبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬دايلي‭ ‬ميل‭ ‬البريطانية‭ ‬تقريرا‭ ‬عن‭ ‬مستشفى‭ ‬أدنبروكس‭ ‬في‭ ‬كيمبردج‭ ‬في‭ ‬انجلترا،‭ ‬يقول‭ ‬ان‭ ‬إدارة‭ ‬المستشفى‭ ‬تحرق‭ ‬الأجنة‭ ‬المجهضة‭ - ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬طفلا‭ ‬مات‭ ‬وهو‭ ‬مكتمل‭ ‬النمو‭ - ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المحرقة‭ ‬المخصصة‭ ‬للزبالة‭ ‬والأوساخ‭ ‬العادية‭. ‬يعني‭ (‬اسمحو‭ ‬لي‭ ‬وتحملوا‭ ‬المشهد‭ ‬التالي‭) ‬يأتي‭ ‬الكناس‭ ‬ويفرغ‭ ‬سلال‭ ‬وبراميل‭ ‬القمامة،‭ ‬ويمر‭ ‬على‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬ويجد‭ ‬كذا‭ ‬بيبي‭ ‬ولد‭ ‬ميتا‭ ‬ويحملهم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬البرميل‭ ‬البلاستيكي‭ ‬مع‭ ‬قصاصات‭ ‬الجرائد‭ ‬والشاش‭ ‬المستعمل‭ ‬وبقايا‭ ‬الطعام‭ ‬ويصبها‭ ‬في‭ ‬المحرقة‭ ‬معاً‭.‬

يعني‭ ‬الجنين‭ ‬المجهض‭ ‬‮«‬زبالة‮»‬‭! ‬ولكن‭ ‬لماذا‭ ‬يفعل‭ ‬مستشفى‭ ‬أمراً‭ ‬بشعاً‭ ‬كذلك؟‭ ‬الجواب‭: ‬ضغط‭ ‬المنصرفات‭. ‬ففيما‭ ‬مضى‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬محرقة‭ ‬للجثث‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬تتولى‭ ‬حرق‭ ‬الأجنة‭ ‬المجهضة‭ ‬بلا‭ ‬مقابل،‭ ‬ولكنها‭ ‬فرضت‭ ‬مؤخراً‭ ‬نحو‭ ‬25‭ ‬دولارا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دفعة‭ ‬من‭ ‬الأجنة‭ ‬المعدة‭ ‬للحرق‭. ‬25‭ ‬دولارا‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬أطفال‭ ‬ماتوا‭ ‬سلفا‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يمنحوا‭ ‬أسماء‭ ‬وأرقاماً؟‭ ‬على‭ ‬إيه‭.. ‬نحرقهم‭ ‬مع‭ ‬القمامة‭ ‬والمسألة‭ ‬هي،‭ ‬هي‭! ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مستشفيات‭ ‬مدينة‭ ‬ليفربول‭ ‬في‭ ‬إنجلترا‭ ‬اكتشفوا‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬طبيباً‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بتجريد‭ ‬الموتى‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬أجسامهم‭ ‬الداخلية‭ ‬لـ«البحث‭ ‬العلمي‮»‬‭.. ‬يتسلم‭ ‬الوالدان‭ ‬جثة‭ ‬وليدهما‭ ‬الراحل‭ ‬لدفنه‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يدرون‭ ‬أنه‭ ‬مجوف‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.. ‬ويأتي‭ ‬خبراؤهم‭ ‬ليحدثونا‭ ‬عن‭ ‬الـ«كود‭ ‬أوف‭ ‬إثيكس‮»‬‭.. ‬ميثاق‭ ‬الشرف‭ ‬والأخلاق‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا