زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لسنا مثل الغربيين والحمد لله
عجنت وخَبَزْت الخواجات، وهم من نسميهم بالجنس الأبيض، بالمعايشة من خلال زمالة العمل، وبالاطلاع على منتوجهم الثقافي، وصرت مقتنعا بأنهم يفتقرون الى الكثير من القيم والضوابط الأخلاقية، ومهما سبقونا في مجالات العلوم والاختراعات والاكتشافات، فإن الغربيين ليسوا في موقع يسمح لهم بفرض وصاية أخلاقية (من طرف) علينا. نعم نحن لا نحترم المال العام، ونؤجل عمل اليوم إلى القرن المقبل، ولا ننتج بل نستهلك، ولا نفكر في أجيال المستقبل، لأننا لا نعرفها ولأنهم لم يفكروا بنا!! وطق الحنك والسوالف والونسة، هي «الأنشطة» الأساسية في بيئات العمل عندنا.
لكننا -كأفراد ومجتمعات- نتمسك بمنظومة من القيم، خاصة تلك التي تحفظ آدمية الإنسان ولا تهدرها، هناك بالطبع شواذ في مجتمعاتنا ولكن غالبيتنا تحرص على احترام الكبار وحقوق الجوار، وتحترم حرمة جسد الإنسان حياً وميتاً. يعني حتى لو كنا في حرب مع ألد وأشرس أعدائنا فإنني لا أتخيل ان مجموعة من الجنود العرب أو المسلمين كانت ستنبش جثة محارب في صفوف العدو من قبره، وتلعب بها كما فعل جنود ألمان في أفغانستان عثروا على جمجمة، قد تكون لجندي روسي أو مواطن أفغاني عادي أو عنصر من حركة طالبان، بل وحتى أحد جنود حكومة كرازي الكرتونية الراحلة. فقد حولوا الجمجمة إلى دمية وتقاذفوها ورسموا عليها أشكالا «مضحكة»، ومن فرط استمتاعهم بالجمجمة فقد التقطوا لأنفسهم صورا «تذكارية» وهم يلهون بها.
عندما غزا البريطانيون السودان عام 1899، وقضوا على الدولة التي أسسها الزعيم السوداني محمد أحمد المهدي، بعد دحر الاستعمار التركي والاستيلاء على الخرطوم بعد قتل الجنرال البريطاني غوردن الذي كان يحكم البلاد باسم «الباب العالي» في تركيا، كان أول ما فعله الغزاة البريطانيون نبش قبر المهدي وارسال جمجمته الى لندن كـ«غنيمة حرب»، ويقال إن بعض أعضاء الحكومة استخدموا الجمجمة كـ«طفاية/ منفضة» سجائر.
وقبل سنوات قدمت القناة التلفزيونية الرابعة في بريطانيا برنامجا حيا لتشريح جثة شخص ميت، ولا تسلني ما هو عنصر الجذب والإمتاع والترفيه في مشاهدة جثة ميت تخضع للتقطيع. خلال دراستي الجامعية كان العديد من أصدقاء الطفولة والصبا في كلية الطب وكانوا يتباهون خلال أيامهم الأولى في الكلية بأنهم شرحوا الجثث، وهكذا كنت أمكث معهم عدة ساعات ولكن مع الحرص على عدم تناول الطعام مع أي منهم. طبعا هذه «عباطة» من جانبي لأن الطبيب لا بد أن يشرح الجثث كي يدرس الجسم البشري ويتعلم كيف يعالجه من مختلف الأمراض، ولكن المسألة نفسية: هذا الشخص الجالس جواري أو قبالتي قام بتقطيع عضلات فخذ ميت إلى ترنشات؟ إخخخخخخ!
وقبل حين من الزمان نشرت صحيفة دايلي ميل البريطانية تقريرا عن مستشفى أدنبروكس في كيمبردج في انجلترا، يقول ان إدارة المستشفى تحرق الأجنة المجهضة - وقد يكون طفلا مات وهو مكتمل النمو - في نفس المحرقة المخصصة للزبالة والأوساخ العادية. يعني (اسمحو لي وتحملوا المشهد التالي) يأتي الكناس ويفرغ سلال وبراميل القمامة، ويمر على غرفة العمليات ويجد كذا بيبي ولد ميتا ويحملهم في نفس البرميل البلاستيكي مع قصاصات الجرائد والشاش المستعمل وبقايا الطعام ويصبها في المحرقة معاً.
يعني الجنين المجهض «زبالة»! ولكن لماذا يفعل مستشفى أمراً بشعاً كذلك؟ الجواب: ضغط المنصرفات. ففيما مضى كانت هناك محرقة للجثث في المدينة تتولى حرق الأجنة المجهضة بلا مقابل، ولكنها فرضت مؤخراً نحو 25 دولارا على كل دفعة من الأجنة المعدة للحرق. 25 دولارا في اليوم للتخلص من أطفال ماتوا سلفا قبل ان يمنحوا أسماء وأرقاماً؟ على إيه.. نحرقهم مع القمامة والمسألة هي، هي! في أحد مستشفيات مدينة ليفربول في إنجلترا اكتشفوا قبل سنوات طبيباً كان يقوم بتجريد الموتى من الأطفال من كل مكونات أجسامهم الداخلية لـ«البحث العلمي».. يتسلم الوالدان جثة وليدهما الراحل لدفنه وهم لا يدرون أنه مجوف من الداخل.. ويأتي خبراؤهم ليحدثونا عن الـ«كود أوف إثيكس».. ميثاق الشرف والأخلاق.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك