العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لنمارس الإصغاء والتبصُّر

كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تباهيت‭ ‬بقدرتي‭ ‬على‭ ‬تعطيل‭ ‬حاسة‭ ‬السمع‭ ‬الخاصة‭ ‬بي‭ ‬عندما‭ ‬أجالس‭ ‬الثقلاء،‭ ‬أو‭ ‬خلال‭ ‬الاجتماعات‭ ‬التي‭ ‬يتبارى‭ ‬البعض‭ ‬لتحويلها‭ ‬الى‭ ‬منابر‭ ‬لاستعراض‭ ‬كفاءة‭ ‬حبالهم‭ ‬الصوتية‭ ‬وقدراتهم‭ ‬الافتراضية‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬المهام‭ ‬والإتيان‭ ‬بالأفكار،‭ ‬وعطفا‭ ‬على‭ ‬هذا،‭ ‬أعترف‭ ‬بأنني‭ ‬وبعد‭ ‬زواج‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬العيال،‭ ‬أكملوا‭ ‬جميعهم‭ ‬تعليمهم‭ ‬الجامعي،‭ ‬ودخلوا‭ ‬الحياة‭ ‬العملية،‭ ‬ونالوا‭ ‬الاستقلال‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬مازلت‭ ‬أحياناً‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬زوجتي،‭ ‬ويجعلني‭ ‬ذلك‭ ‬أحس‭ ‬بالذنب،‭ ‬فقد‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنني‭ ‬أغضبها‭ ‬أحياناً‭ ‬عندما‭ ‬تتكلم‭ ‬معي‭ ‬لعدة‭ ‬دقائق،‭ ‬ثم‭ ‬يكون‭ ‬تعليقي‭ ‬على‭ ‬كلامها‭: ‬شنو؟‭ ‬أو‭: ‬ماذا‭ ‬قلتِ؟‭ ‬وأدرك‭ ‬لاحقاً‭ ‬أن‭ ‬تساؤلي‭ ‬المؤلف‭ ‬من‭ ‬كلمتين،‭ ‬جارح‭ ‬فعلا،‭ ‬تجاهل‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬شخص‭ ‬يحادثك‭ ‬إساءة‭ ‬بالغة،‭ ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬منحني‭ ‬الله‭ ‬نعمة‭ - ‬قد‭ ‬يراها‭ ‬غيري‭ ‬نقمة‭ - ‬وهي‭ ‬أنني‭ ‬اسمع‭ ‬أحياناً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أصغي،‭ ‬وتعلمت‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬قبل‭ ‬قليل،‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬اجتماعات‭ ‬سخيفة،‭ ‬حين‭ ‬يتبارى‭ ‬أشخاص‭ ‬حظهم‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬قليل،‭ ‬لاختطاف‭ ‬الاجتماع،‭ ‬في‭ ‬الثرثرة‭ ‬لإعطاء‭ ‬الانطباع‭ ‬بأنهم‭ ‬‮«‬فهمانون‮»‬،‭ ‬ولديهم‭ ‬وجهات‭ ‬نظر،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الشخص‭ ‬الفهمان‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قصير،‭ ‬وفوق‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬فالاجتماعات‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬كافة،‭ ‬تتطرق‭ ‬ثلثي‭ ‬الوقت‭ ‬المخصص‭ ‬لها‭ ‬لمواضيع‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ (‬مباراة‭ ‬برشلونة‭ ‬وأتلتيكو‭ ‬مدريد‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬السمك‭).‬

والسمع‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الكلام‭ ‬أذنك،‭ ‬ويتوقف‭ ‬عند‭ ‬كتلة‭ ‬الشمع‭ ‬الخارجية،‭ ‬أما‭ ‬الإصغاء‭ ‬فهو‭ ‬ان‭ ‬يدخل‭ ‬الكلام‭ ‬مخك‭ ‬وعقلك‭ ‬مجتازا‭ ‬الأذن‭ ‬الابتدائية‭ ‬والوسطى‭ ‬والثانوية‭ ‬والجامعية،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الإصغاء‭ ‬هو‭ ‬الإنصات‭. ‬وهو‭ ‬كما‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬وان‭ ‬تبصر،‭ ‬فالإبصار‭ ‬يعني‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تراه،‭ ‬فأنت‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬والأسواق‭ ‬وترى‭ ‬آلاف‭ ‬الأشياء،‭ ‬ولا‭ ‬تتذكر‭ ‬معظمها‭ ‬بعد‭ ‬دقائق‭ ‬من‭ ‬رؤيتها،‭ ‬ولكن‭ ‬قد‭ ‬يستوقفك‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬شيء‭ ‬واحد‭ ‬تبصره‭ ‬وتتمعن‭ ‬فيه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يقال‭ ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬عينيين‭ ‬يتمتع‭ ‬بـ«البصيرة‮»‬‭ ‬أي‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التغلغل‭ ‬في‭ ‬الأشياء‭ ‬ورؤية‭ ‬مكنوناتها‭ ‬وفهم‭ ‬دلالاتها‭ ‬واستنباط‭ ‬أحكام‭ ‬أو‭ ‬آراء‭ ‬حولها‭.‬

أعود‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬تبادل‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬الزوجة،‭ ‬وأقول‭ ‬إن‭ ‬إرضاء‭ ‬النساء‭ ‬غاية‭ ‬لا‭ ‬تُدرك‭ ‬بسهولة،‭ ‬وللنساء‭ ‬لغة‭ ‬خاصة‭ ‬تخالف‭ ‬معاني‭ ‬مفرداتها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬قواميس‭ ‬اللغة‭: ‬تجد‭ ‬زوجة‭ (‬مُتَبَكِّمة‭) ‬وترعى‭ ‬كما‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬السودان‭ (‬غنم‭ ‬إبليس‭) ‬أي‭ ‬شاردة‭ ‬الذهن‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬السقف،‭ ‬فيسألها‭ ‬الزوج‭ ‬عما‭ ‬بها‭ ‬فتقول‭: ‬ما‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬فيني‭ ‬شيء‭! ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬نذير‭ ‬كارثة‭ ‬محدقة‭ ‬بالزوج،‭ ‬لأنها‭ ‬دليل‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬في‭ ‬شيء‮»‬‭ ‬وغليان‭ ‬داخلي،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬قالت‭ ‬إنها‭ ‬ليست‭ ‬زعلانة،‭ ‬فعليك‭ ‬طلب‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬أهلك‭ ‬أو‭ ‬أقرب‭ ‬مجمع‭ ‬تسوق‭ ‬وشراء‭ ‬هدية‭ ‬عليها‭ ‬القيمة‭ ‬لأن‭ ‬عدم‭ ‬زعلها‭ (‬المزعوم‭) ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الغليان‭! ‬وإذا‭ ‬اقترحت‭ ‬على‭ ‬زوجتك‭ ‬أمراً‭ ‬وقالت‭ ‬لك‭: ‬كيفك‭.. ‬على‭ ‬كيفك،‭ ‬فاقصر‭ ‬الشر‭ ‬واصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الموضوع،‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬كيفك‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬ليس‭ ‬‮«‬كيفها‮»‬‭ ‬هي‭.‬

وهناك‭ ‬أمر‭ ‬عجيب‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ (‬ظاهرة‭) ‬عربية،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬بالكلام‭ ‬بين‭ ‬الزوج‭ ‬أو‭ ‬الزوجة‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬العيب‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تخرج‭ ‬عبارة‭ (‬يا‭ ‬حبيبتي‭) ‬من‭ ‬فم‭ ‬الزوج‭ ‬بمعنى‭ ‬‮«‬يا‭ ‬مصيبتي‮»‬‭.. ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬عندما‭ ‬يصدم‭ ‬أحدهم‭ ‬سيارتك‭ ‬فتقول‭ ‬له‭ ‬وأنت‭ ‬تغلي‭ ‬من‭ ‬الغيظ‭: ‬يا‭ ‬حبيبي‭ ‬أنت‭ ‬بصراحة‭ ‬غبي‭ ‬وخسارة‭ ‬فيك‭ ‬تسوق‭ ‬حمار،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يجد‭ ‬حرجا‭ ‬في‭ ‬نداء‭ ‬ابنته‭ ‬بـ‭(‬يا‭ ‬حبيبتي‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬ان‭ ‬الكلام‭ ‬ببلاش‭ ‬والكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬صدقة‭. ‬بلاش‭ ‬الكلام‭: ‬لمسة‭ ‬حنان‭ ‬تكفي،‭ ‬فلماذا‭ ‬نستثقل‭ ‬وضع‭ ‬أيدينا‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬بناتنا‭ ‬وأولادنا‭ ‬وتمريرها‭ ‬برقة؟‭ ‬لماذا‭ ‬نتوقف‭ ‬عن‭ ‬ضم‭ ‬عيالنا‭ ‬إلى‭ ‬صدورنا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتجاوزوا‭ ‬سن‭ ‬الطفولة؟‭ ‬جرب‭ ‬ان‭ ‬تستقبل‭ ‬ابنتك‭ ‬العائدة‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬بالأحضان،‭ ‬وسترى‭ ‬كيف‭ ‬تومض‭ ‬عيناها‭ ‬وتبرق‭ ‬حتى‭ ‬تدمع‭ (‬وقد‭ ‬تحسبك‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬مصابا‭ ‬بخلل‭ ‬عقلي‭ ‬لخروجك‭ ‬عن‭ ‬مألوف‭ ‬سلوكك‭ ‬نحوها‭).. ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تصيح‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬هاتي‭ ‬ماء‭ ‬حاول‭ ‬ان‭ ‬تقول‭: ‬حبيبتي‭ ‬هاتي‭ ‬ماي‭ ‬أو‭ ‬موية‭ ‬أو‭ ‬ماء‭ ‬لبابا‭ ‬حبيبك،‭ ‬وستكتشف‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬يجعل‭ ‬للماء‭ ‬طعما‭ ‬أفضل‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا