زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لنمارس الإصغاء والتبصُّر
كثيرا ما تباهيت بقدرتي على تعطيل حاسة السمع الخاصة بي عندما أجالس الثقلاء، أو خلال الاجتماعات التي يتبارى البعض لتحويلها الى منابر لاستعراض كفاءة حبالهم الصوتية وقدراتهم الافتراضية على أداء المهام والإتيان بالأفكار، وعطفا على هذا، أعترف بأنني وبعد زواج أسفر عن أربعة من العيال، أكملوا جميعهم تعليمهم الجامعي، ودخلوا الحياة العملية، ونالوا الاستقلال الاقتصادي، مازلت أحياناً لا أفهم زوجتي، ويجعلني ذلك أحس بالذنب، فقد اكتشفت أنني أغضبها أحياناً عندما تتكلم معي لعدة دقائق، ثم يكون تعليقي على كلامها: شنو؟ أو: ماذا قلتِ؟ وأدرك لاحقاً أن تساؤلي المؤلف من كلمتين، جارح فعلا، تجاهل ما يقوله شخص يحادثك إساءة بالغة، ولكنني لا أقصد ذلك، فقد منحني الله نعمة - قد يراها غيري نقمة - وهي أنني اسمع أحياناً من دون أن أصغي، وتعلمت ذلك كما قلت قبل قليل، من المشاركة في اجتماعات سخيفة، حين يتبارى أشخاص حظهم من المعرفة قليل، لاختطاف الاجتماع، في الثرثرة لإعطاء الانطباع بأنهم «فهمانون»، ولديهم وجهات نظر، في حين أن الشخص الفهمان يستطيع أن يقول ما يريد في وقت قصير، وفوق هذا كله فالاجتماعات في الدول العربية كافة، تتطرق ثلثي الوقت المخصص لها لمواضيع ليست في جدول الأعمال (مباراة برشلونة وأتلتيكو مدريد وارتفاع أسعار السمك).
والسمع هو أن يدخل الكلام أذنك، ويتوقف عند كتلة الشمع الخارجية، أما الإصغاء فهو ان يدخل الكلام مخك وعقلك مجتازا الأذن الابتدائية والوسطى والثانوية والجامعية، أي أن الإصغاء هو الإنصات. وهو كما الفرق بين أن ترى وان تبصر، فالإبصار يعني التركيز على ما تراه، فأنت تسير في الطرقات والأسواق وترى آلاف الأشياء، ولا تتذكر معظمها بعد دقائق من رؤيتها، ولكن قد يستوقفك من بينها شيء واحد تبصره وتتمعن فيه، ومن ثم يقال إنه ليس كل من يملك عينيين يتمتع بـ«البصيرة» أي القدرة على التغلغل في الأشياء ورؤية مكنوناتها وفهم دلالاتها واستنباط أحكام أو آراء حولها.
أعود إلى موضوع تبادل الحديث مع الزوجة، وأقول إن إرضاء النساء غاية لا تُدرك بسهولة، وللنساء لغة خاصة تخالف معاني مفرداتها ما هو موجود في قواميس اللغة: تجد زوجة (مُتَبَكِّمة) وترعى كما نقول في السودان (غنم إبليس) أي شاردة الذهن تنظر إلى السقف، فيسألها الزوج عما بها فتقول: ما في شيء أو ما فيني شيء! هذه الجملة قد تكون نذير كارثة محدقة بالزوج، لأنها دليل أنه «في شيء» وغليان داخلي، أما إذا قالت إنها ليست زعلانة، فعليك طلب اللجوء إلى بيت أهلك أو أقرب مجمع تسوق وشراء هدية عليها القيمة لأن عدم زعلها (المزعوم) يعني أنها وصلت إلى مرحلة الغليان! وإذا اقترحت على زوجتك أمراً وقالت لك: كيفك.. على كيفك، فاقصر الشر واصرف النظر عن الموضوع، لأن «كيفك» هذه ليس «كيفها» هي.
وهناك أمر عجيب يكاد يكون (ظاهرة) عربية، وهو أن التعبير عن الحب بالكلام بين الزوج أو الزوجة يعتبر من العيب وكثيراً ما تخرج عبارة (يا حبيبتي) من فم الزوج بمعنى «يا مصيبتي».. تماما كما يحدث عندما يصدم أحدهم سيارتك فتقول له وأنت تغلي من الغيظ: يا حبيبي أنت بصراحة غبي وخسارة فيك تسوق حمار، بل إن هناك من يجد حرجا في نداء ابنته بـ(يا حبيبتي)، مع ان الكلام ببلاش والكلمة الطيبة صدقة. بلاش الكلام: لمسة حنان تكفي، فلماذا نستثقل وضع أيدينا على رؤوس بناتنا وأولادنا وتمريرها برقة؟ لماذا نتوقف عن ضم عيالنا إلى صدورنا بعد أن يتجاوزوا سن الطفولة؟ جرب ان تستقبل ابنتك العائدة في آخر اليوم من الجامعة أو العمل بالأحضان، وسترى كيف تومض عيناها وتبرق حتى تدمع (وقد تحسبك في بداية الأمر مصابا بخلل عقلي لخروجك عن مألوف سلوكك نحوها).. وبدلا من أن تصيح يا بنت هاتي ماء حاول ان تقول: حبيبتي هاتي ماي أو موية أو ماء لبابا حبيبك، وستكتشف ان ذلك يجعل للماء طعما أفضل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك