العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن السائل المدهش

مثل‭ ‬كثيرين‭ ‬فإنني‭ ‬مازلت‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اندهاش‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬التلفزيون‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬بالصور‭ ‬والأصوات‭ ‬الحية‭ ‬عبر‭ ‬آلاف‭ ‬الأميال،‭ ‬وفي‭ ‬أمر‭ ‬التلفون،‭ ‬وكيفية‭ ‬نقله‭ ‬للكلام،‭ ‬وفي‭ ‬أمر‭ ‬الطائرة‭: ‬كيف‭ ‬يتمكن‭ ‬هذا‭ ‬الجسم‭ ‬الضخم‭ ‬من‭ ‬الطيران‭ ‬بما‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬حمولة؟‭ ‬ولكنني‭ ‬سأظل‭ ‬محتارا‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬الماء،‭ ‬فهو‭ ‬شيء‭ ‬يتعذر‭ ‬وصفه‭ ‬حسِّيا،‭ ‬شيء‭ ‬جميل‭ ‬شكلا‭ ‬ومذاقا،‭ ‬ينعشك‭ ‬إذا‭ ‬لامس‭ ‬جسمك‭ ‬في‭ ‬الاستحمام‭ ‬ويمتعك‭ ‬عند‭ ‬الشرب،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬يتحول‭ ‬الى‭ ‬قوة‭ ‬مدمرة‭ (‬الفيضانات‭ ‬والسيول‭ ‬الجارفة‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬الثابت‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬الماء‭ ‬أنه‭ ‬والأوكسجين‭ ‬أمران‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬بدونهما‭.‬

قبل‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬التقيت‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الأردنية‭ ‬عمان‭ ‬ألمانيا‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاستشارات‭ ‬الإعلامية،‭ ‬ولأن‭ ‬اللقاء‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ورشة‭ ‬عمل،‭ ‬لتدريب‭ ‬الكوادر‭ ‬الصحفية‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬صاحبنا‭ ‬يبهرني‭ ‬بنشاطه‭ ‬وحركته‭ ‬الدائبة،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬جلوسه‭ ‬خلف‭ ‬طاولة‭ ‬عليها‭ ‬غطاء‭ ‬من‭ ‬قماش‭ ‬ويخلع‭ ‬حذاءه‭ ‬كي‭ ‬يمنع‭ ‬قدميه‭ ‬من‭ ‬التصلب‭ ‬خلال‭ ‬الجلسات‭ ‬الطويلة،‭ ‬وينثر‭ ‬الدرر‭ ‬وهو‭ ‬مقعمز‭ (‬بالليبي‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬مقنب‭ (‬بالسوداني‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬منسدح‭ (‬بالخليجي‭) ‬وكان‭ ‬يستغل‭ ‬كل‭ ‬سانحة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬القاعة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تجري‭ ‬فيها‭ ‬فعاليات‭ ‬الورشة‭ ‬لتنشيط‭ ‬الدورة‭ ‬الدموية‭.‬

وكنا‭ ‬مدعوّين‭ ‬ذات‭ ‬مساء‭ ‬لعشاء،‭ ‬فقلت‭ ‬لهم‭ ‬صادقا‭ ‬إنني‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬صداع‭ ‬شديد‭ ‬وإنني‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الراحة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فلن‭ ‬أستطيع‭ ‬تلبية‭ ‬الدعوة،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬صاحبي‭ ‬الألماني‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬إن‭ ‬أمامي‭ ‬نحو‭ ‬سبع‭ ‬ساعات‭ ‬حتى‭ ‬موعد‭ ‬العشاء،‭ ‬وإنني‭ ‬لو‭ ‬شربت‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬المدة‭ ‬فسوف‭ ‬أتخلص‭ ‬من‭ ‬الصداع،‭ ‬ولبّيت‭ ‬دعوة‭ ‬العشاء‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالبندول،‭ ‬وخلال‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬الخواجة‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يعان‭ ‬من‭ ‬الصداع‭ ‬طوال‭ ‬نحو‭ ‬25‭ ‬سنة‭ ‬لأنه‭ ‬يشرب‭ ‬4‭ ‬لترات‭ ‬ماء‭ ‬يومياً‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنة‭.‬

وبعدها‭ ‬بأشهر‭ ‬قليلة‭ ‬التقيت‭ ‬أستاذا‭ ‬جامعيا‭ ‬سودانيا،‭ ‬في‭ ‬غلاسغو‭ ‬باسكتلندا،‭ ‬حكى‭ ‬لي‭ ‬عرضاً‭ ‬كيف‭ ‬تخلص‭ ‬من‭ ‬الصداع‭ ‬النصفي‭ (‬الشقيقة‭) ‬بشرب‭ ‬الماء‭ ‬بكميات‭ ‬تجارية،‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬الإكثار‭ ‬من‭ ‬شرب‭ ‬الماء،‭ ‬لم‭ ‬تأته‭ ‬نوبة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الصداع‭ ‬المدمر،‭ ‬الذي‭ ‬لازمه‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬وقال‭ ‬أيضا‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬شتاء‭ ‬اسكتلندا‭ ‬القارص‭ ‬والقارس‭ ‬والجليد‭ ‬يغطي‭ ‬كل‭ ‬شبر‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬يواصل‭ ‬شرب‭ ‬لترات‭ ‬الماء‭ ‬الأربعة‭ ‬يوميا،‭ ‬وأوصلت‭ ‬المعلومة‭ ‬إلى‭ ‬بنت‭ ‬لي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الشقيقة‭ ‬وتضطر‭ ‬في‭ ‬أحوال‭ ‬كثيرة‭ ‬إلى‭ ‬الجلوس‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬مظلمة،‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تطيق‭ ‬الضوء‭ ‬والضجيج‭ ‬خلال‭ ‬نوبات‭ ‬الصداع،‭ ‬ومنذ‭ ‬نحو‭ ‬عامين‭ ‬صارت‭ ‬بنتي‭ ‬هذه‭ ‬طالعة‭ ‬ونازلة‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬زجاجة‭ ‬ماء‭ ‬في‭ ‬يدها،‭ ‬نوبات‭ ‬الصداع‭ ‬لم‭ ‬تختف‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬خفيفة‭ ‬وفي‭ ‬فترات‭ ‬متباعدة،‭ ‬وصارت‭ ‬هي‭ ‬مقتنعة‭ ‬بأنها‭ ‬لو‭ ‬واصلت‭ ‬شرب‭ ‬الماء‭ ‬بكميات‭ ‬كبيرة‭ ‬فإنها‭ ‬قد‭ ‬تتخلص‭ ‬من‭ ‬الشقيقة‭ ‬نهائياً‭.‬

وقرأت‭ ‬كلاما‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الماء‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬الآلام‭ ‬المزمنة‭ ‬والآلام‭ ‬المجهولة‭ ‬السبب،‭ ‬ولكنني‭ ‬أحزن‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يشترون‭ ‬الماء‭ ‬المعبأ‭ ‬في‭ ‬قوارير‭ ‬بلاستيكية‭ ‬ويطلقون‭ ‬عليه‭ ‬اسما‭ ‬لا‭ ‬يستحقه‭ ‬‮«‬ماء‭ ‬صحة‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬أفضل‭ ‬أنواع‭ ‬الماء‭ ‬وأكثرها‭ ‬استيفاء‭ ‬لشروط‭ ‬السلامة‭ ‬الصحية‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬حنفيات‭ ‬بيوتنا،‭ ‬لأنه‭ ‬يتعرض‭ ‬للمعالجة‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬مهنيين‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬صحية‭ ‬وفنية‭ ‬دولية‭ ‬متعارف‭ ‬عليها،‭ ‬ولكن‭ ‬المصيبة‭ ‬هي‭ ‬ان‭ ‬البلديات‭ ‬التي‭ ‬تزيل‭ ‬القمامة‭ ‬من‭ ‬الشوارع‭ ‬وتغلق‭ ‬المطاعم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتقيد‭ ‬بشروط‭ ‬السلامة‭ ‬الصحية‭ ‬لا‭ ‬تكلف‭ ‬نفسها‭ ‬فحص‭ ‬ما‭ ‬بخزانات‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬من‭ ‬طين‭ ‬وطحالب،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تخضع‭ ‬للغسل‭ ‬منذ‭ ‬تم‭ ‬وضعها‭ ‬على‭ ‬السقوف‭ ‬قبل‭ ‬عشرين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ (‬يعني‭ ‬استخدام‭ ‬الفلتر‭ ‬لا‭ ‬يجعل‭ ‬مياه‭ ‬تلك‭ ‬الخزانات‭ ‬صالحة‭ ‬للشرب‭).‬

‭ ‬والبلديات‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬بالمظهر‮»‬‭: ‬الشوارع‭ ‬نظيفة‭ ‬وفيها‭ ‬براميل‭ ‬للقمامة‭ ‬تحمل‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬حافظوا‭ ‬على‭ ‬نظافة‭ ‬مدينتكم‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬شأن‭ ‬لها‭ ‬بعمارة‭ ‬سكنية‭ ‬تحتل‭ ‬القطط‭ ‬منعطفات‭ ‬سلالمها،‭ ‬ولا‭ ‬يهمها‭ ‬خزان‭ ‬الماء‭ ‬الذي‭ ‬تغطي‭ ‬جدرانه‭ ‬طبقة‭ ‬من‭ ‬الأوساخ‭ ‬يبلغ‭ ‬سمكها‭ ‬أحياناً‭ ‬قدما‭ ‬واحدة‭. ‬وقلبي‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬الأكل‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬أيديهم‭ ‬زجاجة‭ ‬مشروب‭ ‬غازي،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬بيدي‭ ‬لأرغمت‭ ‬شركات‭ ‬تلك‭ ‬المشروبات‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬عليها‭: ‬هذا‭ ‬المشروب‭ ‬يسبّب‭ ‬هشاشة‭ ‬العظام،‭ ‬والغازات‭ ‬التي‭ ‬تثقب‭ ‬أوزون‭ ‬أنف‭ ‬من‭ ‬يجلس‭ ‬بجوارك‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا