العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

وأنا أتأمل تضحيات أهل غزة وصمودهم!

{‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وعلى‭ ‬أهلها‭ ‬خلال‭ ‬الشهور‭ ‬الأربعة‭ ‬الماضية‭ ‬كان‭ ‬حدثا‭ ‬لا‭ ‬سابقة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭! ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التدمير‭ ‬والتجريف‭ ‬الممنهج‭ ‬للمباني‭ ‬السكنية‭ ‬والشقق‭ ‬وتفجيرها‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬قاطنيها،‭ ‬أو‭ ‬تدمير‭ ‬لكل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخدمية‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحصار‭ ‬القاتل‭ ‬وإجبار‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬النزوح‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬إلى‭ ‬الوسط‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬استهداف‭ ‬أرواحهم‭ ‬وهم‭ ‬ينزحون‭! ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬حصار‭ ‬المساعدات‭ ‬الغذائية‭ ‬والأدوية‭ ‬وكل‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭! ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ظروف‭ ‬الخيم‭ ‬المؤقتة‭ ‬التي‭ ‬تكدس‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬إنسان،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أطفال‭ ‬ونساء‭ ‬حوامل‭ ‬وكبار‭ ‬سن‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬شتاء‭ ‬قاسية‭ ‬وانتشار‭ ‬الأمراض‭ ‬والأوبئة،‭ ‬وكل‭ ‬مسببات‭ ‬التهجير‭ ‬القسري‭ ‬أو‭ ‬الطوعي‭! ‬واستشهاد‭ ‬المئات‭ (‬بمعدل‭ ‬يومي‭) ‬حتى‭ ‬اقترب‭ ‬العدد‭ ‬من‭ (‬100‭ ‬ألف‭) ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭!‬

{‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وغيره‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬المآسي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يستوعبها‭ ‬عقل‭ ‬فإن‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬صمدوا‭ ‬صمودا‭ ‬أسطوريا‭ ‬والمقاومة‭ ‬واصلت‭ ‬أداءها‭ ‬المذهل‭ ‬في‭ ‬تكبيد‭ ‬الجيش‭ ‬الصهيوني‭ ‬خسائر‭ ‬لم‭ ‬يشهدها‭ ‬منذ‭ ‬نشوئه‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬جنوده‭ ‬وضباطه‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬آلياته‭ ‬العسكرية‭ ‬وقد‭ ‬اجتمع‭ ‬الغرب‭ ‬كله‭ ‬خلفه‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لدعمه‭ ‬وإسناده‭ ‬في‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬ومحاولات‭ ‬التهجير‭ ‬لشعب‭ ‬واجه‭ ‬مصيره‭ ‬وحيدا‭! ‬ليقف‭ ‬الغرب‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬عاجزا‭ ‬أمام‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة‭ ‬لعدوان‭ ‬فجع‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬أحداثه‭!‬

{‭ ‬هذه‭ ‬التضحيات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بالكلمات‭! ‬وهذا‭ ‬الصمود‭ ‬الذي‭ ‬أذهل‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الزمان،‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬أسطوري‭ ‬ينفتح‭ ‬فيه‭ ‬الخيال‭ ‬على‭ ‬أساطير‭ ‬وقصص‭ ‬من‭ ‬عصور‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فيها‭ ‬الرؤية‭ ‬المادية‭ ‬والغرائزية‭ ‬قد‭ ‬اكتسحت‭ ‬الإنسان‭ ‬والشعوب‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الآن‭!‬

أهل‭ ‬غزة‭ ‬وهم‭ ‬يتجاسرون‭ ‬على‭ ‬الزمن‭ ‬وعلى‭ ‬الموت‭ ‬وعلى‭ ‬فقد‭ ‬الأرواح‭ ‬من‭ ‬أبنائهم‭ ‬وعوائلهم‭ ‬وفقد‭ ‬بيوتهم‭ ‬بل‭ ‬البقاء‭ ‬فيها‭ ‬رغم‭ ‬القصف‭ ‬الوحشي‭ ‬حتى‭ ‬تختلط‭ ‬عظامهم‭ ‬بتراب‭ ‬وأنقاض‭ ‬مساكنهم‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬يحمدون‭ ‬الله‭ ‬ويتوكلون‭ ‬عليه‭ ‬ويشكرونه‭ ‬هؤلاء‭ ‬ليسوا‭ ‬من‭ ‬طينة‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الأناني‭ ‬في‭ ‬أفكاره‭ ‬وشخوصه‭! ‬هؤلاء‭ ‬وكأنهم‭ ‬قادمون‭ ‬إلى‭ ‬زماننا‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬آخر‭ ‬ومكان‭ ‬آخر،‭ ‬فكيف‭ ‬لهم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الصمود‭ ‬والموت‭ ‬يحاصرهم‭ ‬كما‭ ‬الدمار‭ ‬والجوع‭ ‬والعطش‭ ‬والمرض‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جهة؟‭!‬

{‭ ‬هؤلاء‭ ‬القادمون‭ ‬ونحن‭ ‬نراقب‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بهم‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬وضحاياهم‭ ‬يتم‭ ‬تسجيلها‭ ‬كأرقام‭! ‬هل‭ ‬هم‭ ‬قادمون‭ ‬من‭ ‬فضاء‭ ‬آخر؟‭! ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سرهم‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬تبحث‭ ‬فيه‭ ‬لعلهم‭ ‬يجدون‭ ‬إجابة‭ ‬له‭! ‬أعاد‭ ‬بعضهم‭ ‬قراءة‭ ‬القرآن‭ ‬لمن‭ ‬كان‭ ‬يعرفه‭ ‬وآخرون‭ ‬بدأوا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭! ‬بل‭ ‬كثير‭ ‬منهم‭ ‬دخل‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬صمود‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭! ‬وكلهم‭ ‬يفككون‭ ‬لغز‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬والشكر‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أصابهم،‭ ‬بيقين‭ ‬مطلق‭ ‬أن‭ ‬ضحاياهم‭ ‬شهداء‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬وأحياء‭ ‬يرزقون،‭ ‬إنها‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬إلى‭ ‬البشرية‭ ‬أبجديات‭ ‬لغز‭ ‬الحياة‭ ‬وسرها‭ ‬ولغز‭ ‬الموت‭ ‬وسره،‭ ‬والأبعاد‭ ‬المختلفة‭ ‬للوجود‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الموت‭! ‬وكأنهم‭ ‬تذكرة‭ ‬لمعرفة‭ ‬أخرى‭ ‬وترحال‭ ‬آخر‭ ‬تتعرف‭ ‬عليه‭ ‬شعوب‭ ‬أسرتها‭ ‬الحياة‭ ‬المادية‭ ‬وشهواتها‭ ‬ومطامعها‭ ‬وأنانياتها‭ ‬فأيقظهم‭ ‬من‭ ‬غفوتهم‭ ‬الدم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المراق‭ ‬والتضحيات‭ ‬المكللة‭ ‬بالصبر‭ ‬والصمود‭ ‬والحمد،‭ ‬فحازوا‭ ‬بها‭ ‬وبدمائهم‭ ‬الزكية‭ ‬صفة‭ ‬أطلقها‭ ‬عليهم‭ ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬أنقى‭ ‬البشر‭ ‬وأرقاهم‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬اختارهم‭ ‬الله‭ ‬ليعلقوا‭ ‬الجرس‭ ‬في‭ ‬رقاب‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬المضمحل‭ ‬والراكد‭ ‬خارج‭ ‬إنسانيته‭ ‬وسموه‭ ‬الإنساني‭)!‬

{‭ ‬هي‭ ‬البوابة‭ ‬التي‭ ‬فتحها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬الصامدون‭ ‬والمقاومون‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ليطل‭ ‬منها‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬رؤى‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬هو‭ ‬منجرف‭ ‬في‭ ‬داخلها‭! ‬وليتعرف‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الخيط‭ ‬الرفيع‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬الزائلة‭ ‬والأخرى‭ ‬الممتدة‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬الخالدة‭ ‬في‭ ‬غيب‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الموت‭! ‬وحيث‭ ‬سؤال‭ ‬من‭ ‬نحن؟‭! ‬ولماذا‭ ‬جئنا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬العالم؟‭! ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الإيمان‭ ‬واليقين؟‭! ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الخير‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الشر؟‭! ‬وما‭ ‬الصلة‭ ‬الممتدة‭ ‬بين‭ ‬الأبعاد‭ ‬المادية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬والأبعاد‭ ‬الواقعة‭ ‬خلف‭ ‬المادي‭ ‬والمحسوس؟‭! ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة‭ ‬الفلسفية‭ ‬والميتافيزيقية‭ ‬وما‭ ‬وراء‭ ‬الطبيعة‭ ‬التي‭ ‬شغلت‭ ‬عقول‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمفكرين‭ ‬منذ‭ ‬الأزل‭ ‬جاء‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬ليجيبوا‭ ‬عنها‭ ‬بأرواحهم‭ ‬ودمائهم‭ ‬وإيمانهم‭ ‬ويقينهم‭ ‬وصلتهم‭ ‬بالله‭!‬

{‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يحدث‭ ‬صدفة‭! ‬فبقدر‭ ‬ما‭ ‬كشف‭ ‬العدوان‭ ‬البربري‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬خواء‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المحكوم‭ ‬بزيف‭ ‬السلطات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والمنظمات‭! ‬كشف‭ ‬صمود‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬والمقاومين‭ ‬قيمة‭ ‬الصلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بالله‭ ‬والإيمان‭ ‬المطلق‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬إمدادهم‭ ‬بالقوة‭ ‬والصمود‭ ‬والتحدي‭ ‬لكل‭ ‬الظروف‭ ‬القاهرة‭ ‬وإعادة‭ ‬المعنى‭ ‬للانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬والحق‭ ‬والمصير‭! ‬فلو‭ ‬اجتمعت‭ ‬قوى‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬ما‭ ‬تمكنت‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬من‭ ‬سلب‭ ‬المؤمنين‭ ‬والموقنين‭ ‬إيمانهم‭ ‬ويقينهم‭ ‬أو‭ ‬سلبهم‭ ‬القوة‭ ‬الذاتية‭ ‬الأسطورية‭ ‬المستمدة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الإيمان‭ ‬واليقين‭! ‬هو‭ ‬درس‭ ‬العصر‭ ‬لكل‭ ‬الشعوب‭ ‬لإعادة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مغزى‭ ‬الحياة‭ ‬ومآلات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الموت‭! ‬وفهم‭ ‬حقيقة‭ ‬القوة‭ ‬الذاتية‭ ‬المستمدة‭ ‬من‭ ‬الارتباط‭ ‬بخالق‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭! ‬هل‭ ‬استوعب‭ ‬العالم‭ ‬الدرس‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬سيبقى‭ ‬متخبطا‭ ‬في‭ ‬بحثه‭ ‬عن‭ ‬الأسئلة‭ ‬والإجابات‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬وعايشه؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا