العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن

49 عاما في محراب الكلمة

القراء‭ ‬الأعزاء‭:‬

اليوم‭ ‬هو‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬2024،‭ ‬عمر‭ ‬جريدتكم‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬أصبح‭ ‬49‭ ‬عامًا،‭ ‬أي‭ ‬أننا‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬سنحتفل‭ ‬معا‭ ‬باليوبيل‭ ‬الذهبي‭ ‬للجريدة‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

إن‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬الواقعي‭ ‬هي‭ ‬قراءةُ‭ ‬الآراء‭ ‬والأفكار‭ ‬والأحداث؛‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير،‭ ‬وفي‭ ‬القلب‭ ‬منها‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬هي‭ ‬حق‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمجتمعات‭.‬

لكن‭ ‬ماذا‭ ‬تعني‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة؟‭ ‬

حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬تعني‭ ‬أولا‭ ‬حق‭ ‬المعرفة؛‭ ‬أي‭ ‬حق‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭.‬

ثانيا‭ ‬حق‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬والموقف‭ ‬وعرض‭ ‬مختلف‭ ‬المواقف‭ ‬والآراء‭ ‬والرؤى‭ ‬إزاء‭ ‬كل‭ ‬القضايا،‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬التعددية‭ ‬السياسية‭ ‬والمجتمعية‭.‬

ثالثا‭ ‬المسؤولية‭ ‬الوطنية‭ ‬والالتزام‭ ‬الوطني‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬قيود‭ ‬آيديولوجية‭.‬

نتساءل‭ ‬لماذا‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة؟

والجواب‭ ‬أنها‭ ‬ضمانة‭ ‬للرُّشد‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬العامة‭ ‬وحماية‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬وتحقيق‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭.‬

اليوم‭ ‬أصبحت‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬أهميةٌ‭ ‬حاسمةٌ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة؛‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬أن‭ ‬الأخطار‭ ‬والتحديات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تواجهها‭ ‬الدول‭ ‬باتت‭ ‬أكثر‭ ‬جسامة‭ ‬وتعقيدًا‭ ‬من‭ ‬السابق‭.‬

ومن‭ ‬الخطر‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬أن‭ ‬تنفرد‭ ‬جهة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬بتقرير‭ ‬المواقف‭ ‬والسياسات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭.‬

لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬مختلف‭ ‬الآراء‭ ‬والمواقف‭ ‬والرؤى،‭ ‬والصحافة‭ ‬هي‭ ‬الساحة‭ ‬الأساسية‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬

الأمر‭ ‬الآخر،‭ ‬الخطر‭ ‬الشديد‭ ‬الذي‭ ‬أصبحت‭ ‬تمثله‭ ‬مواقع‭ ‬الإنترنت‭ ‬والتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬والسلام‭ ‬الاجتماعي؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬أًصبحت‭ ‬ساحة‭ ‬للأكاذيب‭ ‬والمعلومات‭ ‬المضللة،‭ ‬ويتم‭ ‬استخدامها‭ ‬كأدوات‭ ‬لاستهداف‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬والدول‭ ‬المعادية‭.‬

صحيح‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬منحتنا‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬وسائل‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬لتوفير‭ ‬المعلومات‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا،‭ ‬لكنها‭ ‬توفر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬أرضية‭ ‬خصبة‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يبذرون‭ ‬التضليل‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬المتلقين‭ ‬وخصوصا‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬ضرورية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬إلى‭ ‬الصحافة‭ ‬المهنية‭ ‬الحرة‭ ‬والمستقلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬وجودها‭.‬

إذن‭ ‬الصحافة‭ ‬الوطنية‭ ‬المستقلة‭ ‬الحرة‭ ‬المسؤولة‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬حائط‭ ‬صد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خطر‭ ‬مواقع‭ ‬الإنترنت‭ ‬والتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لحماية‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني،‭ ‬باعتبارها‭ ‬منصات‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭ ‬تتحرى‭ ‬الدقة‭ ‬في‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬تنشرها،‭ ‬وتلتزم‭ ‬بالقيم‭ ‬المهنية‭ ‬في‭ ‬تناولها‭ ‬مع‭ ‬احترام‭ ‬المعتقدات‭ ‬وعدم‭ ‬الإساءة‭ ‬للأشخاص،‭ ‬لأن‭ ‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬أي‭ ‬صحفي‭ ‬هو‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬بعكس‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المتداول‭ ‬والتشهير‭ ‬أحيانا‭.‬

‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭ ‬خطها‭ ‬واضح‭ ‬وسياستها‭ ‬التحريرية‭ ‬واضحة،‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬البحرينية‭ ‬والقومية‭ ‬العربية‭.‬

دافعت‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬بقوة‭ ‬وبصلابة‭ ‬في‭ ‬أصعب‭ ‬المواقف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬أو‭ ‬خوف‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬2011‭ ‬مثالا،‭ ‬كما‭ ‬دافعت‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬بنفس‭ ‬الروح‭ ‬والقوة‭ ‬خلال‭ ‬أحداث‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬حاليا‭ ‬وهذا‭ ‬مثال‭ ‬آخر‭.‬

الجريدة‭ ‬تؤدي‭ ‬دورها‭ ‬بمهنية‭ ‬وبموضوعية‭ ‬والتزام‭ ‬وطني‭ ‬وعروبي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تجاوز‭ ‬أو‭ ‬تجريح‭ ‬وبأقصى‭ ‬درجات‭ ‬التحلي‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬الوطنية‭.‬

أقول‭ ‬هذا‭ ‬وأنا‭ ‬وأثق‭ ‬أننا‭ ‬سنظل‭ ‬ملتزمين‭ ‬بهذا‭ ‬الدور؛‭ ‬لأننا‭ ‬نؤمن‭ ‬بدور‭ ‬الصحافة‭ ‬المسؤولة‭ ‬ذات‭ ‬الحس‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬مشرق‭ ‬لبلدنا‭ ‬العزيز‭. ‬لذلك‭ ‬ونحن‭ ‬نسير‭ ‬إلى‭ ‬عامنا‭ ‬الخمسين‭ ‬نحرص‭ ‬على‭ ‬التطوير‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬تتيحه‭ ‬الظروف‭ ‬وبما‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بالاتصال‭ ‬المستمر‭ ‬مع‭ ‬قرائنا‭ ‬الأعزاء،‭ ‬وتقديم‭ ‬محتوى‭ ‬صحفي‭ ‬تحليلي‭ ‬ومحتوى‭ ‬رقمي‭ ‬متنوع‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬أمة‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحاضر‭ ‬بدون‭ ‬صحافة؛‭ ‬لأنها‭ ‬ضرورة‭ ‬من‭ ‬ضرورات‭ ‬البناء‭ ‬الصحيح‭ ‬لأي‭ ‬مجتمع‭ ‬وخصوصا‭ ‬التي‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬درب‭ ‬التنمية،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬رأي‭ ‬قيّم‭ ‬له‭ ‬اعتباره‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬التنمية‭ ‬والتطور‭ ‬المستمرة‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬المواطن‭ ‬هو‭ ‬هدف‭ ‬التنمية،‭ ‬فالرأي‭ ‬العام‭ ‬المستنير‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلمس‭ ‬احتياجاته،‭ ‬ورصد‭ ‬متطلباته،‭ ‬وتحمِل‭ ‬الصحافة‭ ‬رسالة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬كإحدى‭ ‬أهم‭ ‬الوسائل‭ ‬الفعّالة‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬نبض‭ ‬الشارع‭ ‬إلى‭ ‬صانع‭ ‬القرار،‭ ‬كما‭ ‬تؤدي‭ ‬دورًا‭ ‬مؤثرًا‭ ‬في‭ ‬توعية‭ ‬المجتمع‭ ‬بالمعلومات‭ ‬الصحيحة‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬مؤهلا‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭.‬

على‭ ‬القراء‭ ‬الأعزاء‭ ‬أن‭ ‬يعلموا‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا‭ ‬تسبح‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬متلاطم؛‭ ‬إذ‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬التزاماتها‭ ‬تجاه‭ ‬المجتمع،‭ ‬وما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬صحف‭ ‬أُغلقت،‭ ‬وكم‭ ‬منها‭ ‬تترنح‭!‬

وهذا‭ ‬نراه‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الغربي؛‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬Daily‭ ‬Telegraph‭ ‬الجريدة‭ ‬الراقية‭ ‬معروضة‭ ‬للبيع،‭ ‬وتمت‭ ‬عملية‭ ‬إنقاذ‭ ‬صحيفة‭ ‬Guardian‎‏‭ ‬بتوفير‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬السخي‭ ‬للجريدة‭ ‬من‭ ‬قرائها‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬هي‭ ‬حرية‭ ‬مسؤولة‭ ‬مجتمعيًّا،‭ ‬وحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬المجتمع،‭ ‬إذا‭ ‬المجتمع‭ ‬يقبل‭ ‬النقد،‭ ‬فالصحافة‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنتقد،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المجتمع‭ ‬يرى‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬الآخرين‭ ‬فقط‭ ‬فستفقد‭ ‬الصحافة‭ ‬مصداقيتها‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الحقائق‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬تتطلب‭ ‬نظرة‭ ‬بتمعن‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية؛‭ ‬أي‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬والصحافة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا