مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
49 عاما في محراب الكلمة
القراء الأعزاء:
اليوم هو الأول من فبراير 2024، عمر جريدتكم «أخبار الخليج» أصبح 49 عامًا، أي أننا بعد سنة سنحتفل معا باليوبيل الذهبي للجريدة إن شاء الله.
إن الصحافة في معناها الواقعي هي قراءةُ الآراء والأفكار والأحداث؛ أي أن حرية الرأي والتعبير، وفي القلب منها حرية الصحافة، هي حق أساسي من حقوق الإنسان والمجتمعات.
لكن ماذا تعني حرية الصحافة؟
حرية الصحافة تعني أولا حق المعرفة؛ أي حق الحصول على المعلومات.
ثانيا حق التعبير عن الرأي والموقف وعرض مختلف المواقف والآراء والرؤى إزاء كل القضايا، والتعبير عن التعددية السياسية والمجتمعية.
ثالثا المسؤولية الوطنية والالتزام الوطني بعيدا عن أي قيود آيديولوجية.
نتساءل لماذا حرية الصحافة؟
والجواب أنها ضمانة للرُّشد في السياسات العامة وحماية المال العام وتحقيق المصلحة الوطنية.
اليوم أصبحت لحرية الصحافة أهميةٌ حاسمةٌ أكثر من الماضي لأسباب كثيرة؛ في مقدمتها أن الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية التي أصبحت تواجهها الدول باتت أكثر جسامة وتعقيدًا من السابق.
ومن الخطر الشديد على المصلحة العامة أن تنفرد جهة واحدة أو عدد محدود من الأفراد بتقرير المواقف والسياسات الداخلية والخارجية في مواجهة التحديات.
لا بد من الأخذ في الاعتبار مختلف الآراء والمواقف والرؤى، والصحافة هي الساحة الأساسية للتعبير عن ذلك.
الأمر الآخر، الخطر الشديد الذي أصبحت تمثله مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي على الأمن الوطني والسلام الاجتماعي؛ إذ إن هذه المواقع أًصبحت ساحة للأكاذيب والمعلومات المضللة، ويتم استخدامها كأدوات لاستهداف الدول والمجتمعات من قبل القوى والدول المعادية.
صحيح أنه قد منحتنا المنصات الرقمية وسائل جديدة لا حصر لها لتوفير المعلومات والتعبير عن أنفسنا، لكنها توفر في الوقت ذاته أرضية خصبة لأولئك الذين يبذرون التضليل في عقول المتلقين وخصوصا الأجيال الجديدة، وهذا يؤكد أن هناك حاجة ضرورية أكثر من أي وقت مضى إلى الصحافة المهنية الحرة والمستقلة التي لا بد من استمرار وجودها.
إذن الصحافة الوطنية المستقلة الحرة المسؤولة هي أكبر حائط صد في مواجهة خطر مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي لحماية الأمن الوطني، باعتبارها منصات ذات مصداقية تتحرى الدقة في المعلومات التي تنشرها، وتلتزم بالقيم المهنية في تناولها مع احترام المعتقدات وعدم الإساءة للأشخاص، لأن الإطار العام الذي يحكم أي صحفي هو المصلحة العامة، بعكس وسائل التواصل التي تعتمد على المتداول والتشهير أحيانا.
«أخبار الخليج» منذ نشأتها خطها واضح وسياستها التحريرية واضحة، في الدفاع عن المصلحة الوطنية البحرينية والقومية العربية.
دافعت عن الوطن بقوة وبصلابة في أصعب المواقف من دون تردد أو خوف في أحداث 2011 مثالا، كما دافعت عن قضايا الأمة العربية بنفس الروح والقوة خلال أحداث حرب الإبادة في غزة حاليا وهذا مثال آخر.
الجريدة تؤدي دورها بمهنية وبموضوعية والتزام وطني وعروبي من دون تجاوز أو تجريح وبأقصى درجات التحلي بالمسؤولية الوطنية.
أقول هذا وأنا وأثق أننا سنظل ملتزمين بهذا الدور؛ لأننا نؤمن بدور الصحافة المسؤولة ذات الحس الوطني في بناء مستقبل مشرق لبلدنا العزيز. لذلك ونحن نسير إلى عامنا الخمسين نحرص على التطوير بالقدر الذي تتيحه الظروف وبما يسمح لنا بالاتصال المستمر مع قرائنا الأعزاء، وتقديم محتوى صحفي تحليلي ومحتوى رقمي متنوع.
لا يمكن تصور أمة في العصر الحاضر بدون صحافة؛ لأنها ضرورة من ضرورات البناء الصحيح لأي مجتمع وخصوصا التي تسير في درب التنمية، لذا فإن كل رأي قيّم له اعتباره في مسيرة التنمية والتطور المستمرة.
وإذا كان المواطن هو هدف التنمية، فالرأي العام المستنير ضرورة ملحة، من خلال تلمس احتياجاته، ورصد متطلباته، وتحمِل الصحافة رسالة كبرى في هذا الشأن كإحدى أهم الوسائل الفعّالة في نقل نبض الشارع إلى صانع القرار، كما تؤدي دورًا مؤثرًا في توعية المجتمع بالمعلومات الصحيحة حتى يكون مؤهلا للتعامل مع التحديات.
على القراء الأعزاء أن يعلموا أن الصحافة شرقا وغربا تسبح في بحر متلاطم؛ إذ تحرص على أن توازن بين التزاماتها تجاه المجتمع، وما تعانيه من قلة في الموارد تمكنها من البقاء في الساحة المجتمعية، وكم من صحف أُغلقت، وكم منها تترنح!
وهذا نراه بوضوح في المجتمع الغربي؛ بدليل أن Daily Telegraph الجريدة الراقية معروضة للبيع، وتمت عملية إنقاذ صحيفة Guardian بتوفير الدعم المالي السخي للجريدة من قرائها.
يجب أن ندرك أيضا أن حرية الصحافة هي حرية مسؤولة مجتمعيًّا، وحرية الصحافة من حرية المجتمع، إذا المجتمع يقبل النقد، فالصحافة تستطيع أن تنتقد، أما إذا كان المجتمع يرى حرية الصحافة في نقد الآخرين فقط فستفقد الصحافة مصداقيتها في نقل الحقائق.
كل هذه التحديات تتطلب نظرة بتمعن من كل الجهات المعنية؛ أي الدولة والمجتمع والصحافة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك