العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

واحة الوحشية!

{‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬النفاق‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬المصطلحات‭ ‬والمفاهيم،‭ ‬تمت‭ ‬ممارسة‭ (‬التضليل‭ ‬السياسي‭ ‬والأخلاقي‭) ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬انتقل‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬اهتراء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مفاصله‭ ‬إلى‭ ‬خواء‭ ‬اللغة‭ ‬المستخدمة‭ ‬ذاتها‭! ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬اللغة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬المدلولات‭ ‬والأفعال،‭ ‬وإنما‭ ‬عن‭ ‬السرديات‭ ‬الكاذبة‭ ‬والمفاهيم‭ ‬المغلوطة‭ ‬وتناقضات‭ ‬رؤى‭ ‬وقيم‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬السائدة‭ ‬التي‭ ‬بسببها‭ ‬سقطت‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والقانونية‭ ‬في‭ ‬بئر‭ ‬‮«‬ازدواجية‭ ‬المعايير‮»‬‭ ‬التي‭ ‬نتجت‭ ‬من‭ ‬خلفية‭ ‬عنصرية‭ ‬أو‭ ‬متعالية‭ ‬على‭ ‬ثقافات‭ ‬وأعراق‭ ‬وحضارات‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهذا‭ ‬أكبر‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭! ‬لأنها‭ ‬تخل‭ ‬تماما‭ ‬بمعايير‭ ‬التنوع‭ ‬البشري‭ ‬واحترام‭ ‬الثقافات‭ ‬وسيادة‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬واستقلاليتها،‭ ‬مثلما‭ ‬تخل‭ ‬بالمنظور‭ ‬الطبيعي‭ ‬للسلم‭ ‬العالمي‭ ‬والمبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬فإن‭ ‬الكيفية‭ (‬الاستيطانية‭ ‬والاستعمارية‭) ‬التي‭ ‬نشأ‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬باغتصاب‭ ‬وطن‭ ‬ليس‭ ‬للصهاينة،‭ ‬وإنما‭ ‬أصبح‭ ‬كذلك‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬الأساطير‭ ‬والمرويات‭ ‬الملفقة‭ ‬وتزوير‭ ‬حتى‭ ‬المنظور‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬التوراة‭! ‬هو‭ ‬خير‭ ‬مثال‭ (‬تتجسد‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬النفاق‭ ‬الغربي‭ ‬والرؤى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬واستلاب‭ ‬حقوق‭ ‬الشعوب‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬عانى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬75‭ ‬عاما‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭!‬

كيان‭ ‬تم‭ ‬تأسيسه‭ ‬على‭ ‬الوحشية‭ ‬والمجازر‭ ‬التي‭ ‬أبادت‭ ‬عشرات‭ ‬القرى‭ ‬وقتلت‭ ‬الأهالي‭ ‬في‭ ‬مجازر‭ ‬وجرائم‭ ‬حرب‭ ‬موثقة‭ ‬منذ‭ ‬1948،‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬آخر‭ ‬تجليات‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الاستعماري‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬وحشيته‭ ‬كل‭ ‬أنماط‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ (‬الأبارتايد‭) ‬والتسامي‭ ‬العرقي‭ ‬الملفق‭ ‬باعتباره‭ ‬‮«‬الشعب‭ ‬المختار‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يحق‭ ‬له‭ ‬فعل‭ ‬كل‭ ‬إجرام‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬محاسبة‭ ‬أو‭ ‬عقاب‭! ‬ليبني‭ ‬كيانه‭ ‬على‭ ‬اضطهاد‭ ‬من‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬شعبه‭ ‬الفلسطيني‭ ‬فيما‭ ‬اللاجئون‭ ‬الذين‭ ‬خرجوا‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬في‭ ‬نكبة‭ ‬48،‭ ‬تعدادهم‭ ‬بالملايين‭ ‬ويعيشون‭ ‬على‭ ‬حلم‭ ‬العودة‭!‬

{‭ ‬كثيرة‭ ‬هي‭ ‬الجرائم‭ ‬والمجازر‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الكيان،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬نال‭ ‬حظوة‭ ‬كبرى‭ ‬من‭ ‬النفاق‭ ‬الغربي‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬توصيفه‭ ‬بأنه‭ (‬واحة‭ ‬الديمقراطية‭) ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬قادته‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬ورغم‭ ‬الدعوى‭ ‬المقامة‭ ‬ضده‭ ‬بارتكاب‭ (‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭) ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والتهجير‭ ‬القسري‭ ‬الذي‭ ‬يضعه‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬كهدف‭ ‬له،‭ ‬فإن‭ ‬القادة‭ ‬الصهاينة‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يتشدقون‭ ‬بأنهم‭ (‬واحة‭ ‬الديمقراطية‭) ‬والملتزمون‭ ‬بالمبادئ‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية‭ ‬والأعراف‭ ‬الإنسانية‭! ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يفعلونه‭ ‬هو‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ (‬الحيوانات‭ ‬البشرية‭ ‬والوحوش‭ ‬الفلسطيني‭)! ‬هكذا‭ ‬هو‭ ‬المنطق‭ ‬الاستعماري‭ ‬الذي‭ ‬يقلب‭ ‬كل‭ ‬بديهيات‭ ‬المنطق‭ ‬وبديهيات‭ ‬اللغة‭ ‬والمفاهيم‭ ‬وكأن‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬ولا‭ ‬يسمع‭ ‬ولا‭ ‬يفهم‭!‬

{‭ ‬حين‭ ‬يبني‭ ‬الكيان‭ ‬الجدار‭ ‬العنصري‭ ‬الفاصل‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬فهذا‭ ‬عنصرية‭ ‬وليس‭ ‬ديمقراطية‭! ‬وحين‭ ‬يسعى‭ ‬لتشكيل‭ (‬دولة‭ ‬يهودية‭) ‬على‭ ‬كامل‭ ‬التراب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬كما‭ ‬يخطط‭ ‬فهذا‭ ‬تطرف‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بشيء‭!‬

وحين‭ ‬يقمع‭ ‬ويضطهد‭ ‬ويقتل‭ ‬ويبيد‭ ‬ويرتكب‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬المجازر‭ ‬الوحشية‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬تعداد‭ ‬الضحايا‭ ‬والشهداء‭ ‬يوميا‭ ‬بالمئات،‭ ‬فهذه‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬وإبادة‭ ‬جماعية‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬الوحشية‭ ‬المطلقة‭ ‬وليس‭ ‬الديمقراطية‭!‬

وحين‭ ‬يقطع‭ ‬الكهرباء‭ ‬ويمنع‭ ‬الغذاء‭ ‬والدواء‭ ‬والماء‭ ‬والطاقة‭ ‬والاتصالات‭ ‬ويهدم‭ ‬المستشفيات‭ ‬ويستهدف‭ ‬الرضع‭ ‬والأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والخدج،‭ ‬ويهدم‭ ‬المساجد‭ ‬والمراكز‭ ‬الأثرية‭ ‬والثقافية،‭ ‬فهذا‭ ‬كيان‭ ‬استثنائي‭ ‬يتغذى‭ ‬على‭ ‬الدم‭ ‬والوحشية‭ ‬ولا‭ ‬صلة‭ ‬له‭ ‬بأي‭ ‬ملمح‭ ‬إنساني‭ ‬أو‭ ‬حضاري‭ ‬أو‭ ‬أخلاقي‭! ‬إنه‭ (‬واحة‭ ‬الوحشية‭) ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بما‭ ‬يمارسه‭ ‬داخل‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬المحتلة‭ ‬وخارجها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬والأزمات‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬وعلى‭ ‬يد‭ ‬قادة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬بدور‭ (‬وظيفي‭) ‬لصناعة‭ ‬الأزمات‭ ‬والفتن‭ ‬والتفرقة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬ومنع‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسلام‭ ‬والنهوض‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬استعماري‭ ‬بحت‭!‬

فهل‭ ‬من‭ ‬صلة‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬وفي‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب‭ ‬وبين‭ ‬الديمقراطية‭ ‬أصلا‭ ‬أو‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬التحضر‭ ‬والقيم‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬توصيفه‭ ‬بـ‭(‬واحة‭ ‬الديمقراطية‭)‬؟‭! ‬أما‭ ‬الديكورات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬فهي‭ ‬موجودة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وبأشكال‭ ‬مختلفة‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬تاريخ‭ ‬الوحشية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬مؤرخوه‭ ‬عند‭ ‬آليات‭ ‬عمل‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬داخل‭ ‬فلسطين‭ ‬وخارجها‭ ‬وحجم‭ ‬الجرائم‭ ‬المعلنة‭ ‬والخفية‭ ‬أو‭ ‬السرية‭ ‬كأعمال‭ ‬استخباراتية،‭ ‬التي‭ ‬مارسها‭ ‬منذ‭ ‬نشوئه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬عاما‭!‬

كل‭ ‬المفكرين‭ ‬الأحرار‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬صرحوا‭ ‬بماهية‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬والجرائم‭ ‬العنصرية‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭ ‬والقمع‭ ‬والاضطهاد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬له‭ ‬التاريخ‭ ‬مثيلا‭!‬

ولذلك‭ ‬هم‭ ‬يدركون‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للسلام‭ ‬أو‭ ‬الاستقرار‭ ‬طالما‭ ‬هناك‭ ‬شعب‭ ‬يطالب‭ ‬بحقه‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬والحياة،‭ ‬وطالما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬يجور‭ ‬بالظلم‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحقوق‭! ‬أما‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬المنافق‭ ‬فيعرف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬إلى‭ ‬زوال‭! ‬وأن‭ ‬وجوده‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬له‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬عسكري‭ ‬ومادي‭ ‬ولوجستي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬استمرار‭ ‬الضعف‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يتحايل‭ ‬الغرب‭ ‬بكل‭ ‬طريقة‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬ضعفه،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬إضعافه‭ ‬بتخطيط‭ ‬شيطاني‭ ‬ومنع‭ ‬وحدته‭ ‬وقوته،‭ ‬وضرب‭ ‬دينه‭ ‬وتمييع‭ ‬هويته‭! ‬وخير‭ ‬معين‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬وجوده‭ ‬هم‭ ‬اليوم‭ ‬‮«‬المتصهينيون‭ ‬العرب‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬وحدهم‭ ‬يصدقون‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬قابل‭ ‬للتعايش‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا