العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تطبيب العيال بالكلام الطيب

أتناول‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا‭ ‬مواضيع‭ ‬تتعلق‭ ‬بتربية‭ ‬العيال‭ ‬والدراسة‭ ‬والصحة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬بلغت‭ ‬أي‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الكمال‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬النواحي،‭ ‬بل‭ ‬إنني‭ ‬أعرف‭ ‬عيوبي‭ ‬ونواحي‭ ‬تقصيري‭ ‬وقعودي‭ ‬وعجزي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المجالات،‭ ‬وأريد‭ ‬لغيري‭ ‬تجنب‭ ‬المزالق‭ ‬التي‭ ‬كادت‭ ‬‮«‬تطيح‮»‬‭ ‬بي،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬أعرب‭ ‬عن‭ ‬حزني‭ ‬على‭ ‬صبي‭ ‬هندي‭ ‬انتحر‭ ‬لأن‭ ‬والده‭ ‬رفض‭ ‬شراء‭ ‬هاتف‭ ‬جوال‭ ‬له،‭ ‬وأحزن‭ ‬أيضا‭ ‬لعشرات‭ ‬الصغار‭ ‬الذين‭ ‬ينتحرون،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬معنى‭ ‬الانتحار،‭ ‬فيشرعون‭ ‬في‭ ‬تعريض‭ ‬أنفسهم‭ ‬لبعض‭ ‬الخطر‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬الأهل‭ ‬سينقذونهم‭ ‬في‭ (‬اللحظة‭ ‬المناسبة‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يمارس‭ ‬الانتحار‭ ‬كوسيلة‭ ‬للفت‭ ‬الأنظار،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬أنه‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬فراق‭ ‬الدنيا‭ ‬نهائيا‭ ‬وكليا،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬عشرات‭ ‬الأطفال‭ ‬ينتحرون‭ ‬سنويا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬قاصدين‭ ‬مفارقة‭ ‬الدنيا،‭ ‬ولكن‭ ‬فقط‭ ‬تقليدا‭ ‬لمشاهد‭ ‬رأوها‭ ‬في‭ ‬التلفزيون‭ ‬أو‭ ‬السينما‭.‬

وما‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الصغار‭ ‬عرضة‭ ‬للاكتئاب‭ ‬شأنهم‭ ‬شأن‭ ‬الكبار،‭ ‬أعني‭ ‬الاكتئاب‭ ‬المَرَضي‭ ‬clinical depression‭ ‬وليس‭ ‬العابر‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬منغصات‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسبب‭ ‬التوتر‭ ‬الشديد،‭ ‬ويزول‭ ‬بزوال‭ ‬مسبباته،‭ ‬ومع‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬تطويق‭ ‬حالات‭ ‬الاكتئاب‭ ‬عند‭ ‬الصغار،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الكبار‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬شغل‭ ‬شاغل‭ ‬عنهم،‭ ‬بحجة‭ ‬‮«‬أكل‭ ‬العيش‮»‬‭ ‬وتوفير‭ ‬احتياجات‭ ‬العائلة،‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬السبهللية‭ ‬وإعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للترفيه‭ ‬أو‭ ‬الراحة‭ ‬الشخصية

ويلجأ‭ ‬الصغير‭ ‬إلى‭ ‬أبيه‭: ‬بابا‭ ‬عندي‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬و‭....‬،‭ ‬فلا‭ ‬يتركه‭ ‬البابا‭ ‬يكمل‭ ‬كلامه‭: ‬يووووه‭ ‬خلقي‭ ‬ضايق‭ ‬وماني‭ ‬فاضي‭ ‬لسوالفك‭ ‬عن‭ ‬المدرسة‭.. ‬وتقف‭ ‬فطومة‭ ‬كسيرة‭ ‬الخاطر‭ ‬أمام‭ ‬الماما‭ ‬لتقول‭ ‬لها‭: ‬الله‭ ‬يخليكي‭ ‬خذيني‭ ‬معك‭ ‬لبيت‭ ‬خالتي‭ ‬قماشة،‭ ‬فتصيح‭ ‬الأم‭ ‬بعصبية‭: ‬الله‭ ‬ياخذك‭ ‬ويريحني‭ ‬منك‭.. ‬ماني‭ ‬رايحة‭ ‬عند‭ ‬خالتك‭ ‬قماشة‭.. ‬رايحة‭ ‬بيت‭ ‬عزا‭ (‬عزاء‭).. ‬فزي‭ ‬روحي‭ ‬من‭ ‬قدام‭ ‬وجهي‭.‬

يخيل‭ ‬إليّ‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬معاناة‭ ‬عيالنا‭ ‬ناجمة‭ ‬عن‭ ‬كوننا‭ ‬لسنا‭ (‬فاضيين‭) ‬لتبادل‭ ‬الأحاديث‭ ‬معهم،‭ ‬مع‭ ‬أننا‭ ‬فاضيين‭ ‬للغاية‭ ‬لتبادل‭ ‬الأحاديث‭ ‬مع‭ ‬الربع‭ ‬والشلة‭! ‬وعلاج‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬البسيطة‭ ‬أساسه‭ ‬الكلام‭: ‬يستدرجك‭ ‬الطبيب‭ ‬أو‭ ‬المعالج‭ ‬النفسي‭ ‬للتحدث‭ ‬والفضفضة،‭ ‬فتتكلم‭ ‬وتتكلم‭ ‬حتى‭ ‬تحس‭ ‬بما‭ ‬يحسه‭ ‬من‭ ‬ابتلع‭ ‬مادة‭ ‬ضارة‭ ‬بالصحة‭ ‬وفتح‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬بالاستفراغ‭ ‬فتقيأ‭ ‬وتقيأ‭ ‬حتى‭ ‬أحس‭ ‬بالراحة‭ (‬معلومة‭ ‬مهمة‭ ‬تلقيتها‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭: ‬التقيؤ‭ ‬والإسهال‭ ‬يكونان‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬وسيلة‭ ‬دفاعية‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬سامة‭ ‬أو‭ ‬ضارة‭ ‬دخلت‭ ‬المعدة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فلا‭ ‬داعي‭ ‬للهلع‭ ‬عند‭ ‬التعرض‭ ‬لهما‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتسما‭ ‬بالحدة‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الجفاف‭ ‬أو‭ ‬تكون‭ ‬مقرونة‭ ‬بأعراض‭ ‬أخرى‭ ‬مثيرة‭ ‬للقلق‭).‬

والإنسان‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬يتكلم‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يحب‭ ‬مثل‭ ‬الأب‭ ‬والأم‭ ‬والزوج‭ ‬والأخ‭ ‬والأخت‭ ‬والصديق‭ ‬الوفي،‭ ‬والصغار‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يثقون‭ ‬به‭ ‬ليحكوا‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬مشاغلهم‭ ‬البسيطة‭ (‬التي‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنها‭ ‬كبيرة‭)‬،‭ ‬ويعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الوالدين‭ ‬لديهما‭ ‬الحكمة‭ ‬والتجربة‭ ‬لتبصيرهم‭ ‬بالمخارج‭ ‬مما‭ ‬يحسبونها‭ ‬مآزق،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬يحجم‭ ‬الصغار‭ ‬عن‭ ‬مصارحة‭ ‬أحد‭ ‬أو‭ ‬كلا‭ ‬الوالدين‭ ‬بما‭ ‬يواجهون‭ ‬من‭ ‬مشكلات،‭ ‬لأن‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬كليهما‭ ‬سريعا‭ ‬الاشتعال،‭ ‬ويتسمان‭ ‬بالعصبية‭ ‬والنرفزة،‭ ‬أو‭ ‬يمارسان‭ ‬العقاب‭ ‬الجسدي‭ ‬بوصفه‭ ‬الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الناجعة‭ ‬لـ‭(‬تربية‭) ‬العيال‭!‬

هب‭ ‬مثلاً‭ ‬أن‭ ‬ولدك‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬جاءك‭ ‬معترفاً‭ ‬بأنه‭ ‬مارس‭ ‬التدخين،‭ ‬وربما‭ ‬قال‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬أحد‭ ‬الجيران‭ ‬رآه‭ ‬فخشي‭ ‬أن‭ ‬يبلغك‭ ‬بالأمر‭ ‬فقرر‭ ‬الاعتراف‭ ‬بنفسه‭! ‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬أن‭ ‬تضربه‭ ‬أو‭ ‬تشتمه‭ ‬وقد‭ (‬حصل‭ ‬ما‭ ‬حصل‭)‬؟‭ ‬أليس‭ ‬من‭ ‬الأجدى‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬ذراعك‭ ‬على‭ ‬كتفه‭ ‬وتضمه‭ ‬إليك‭ ‬وتكلمه‭ ‬في‭ ‬لين‭ ‬ورفق‭ ‬عن‭ ‬مضار‭ ‬التبغ‭ ‬وأن‭ ‬الناس‭ ‬عندما‭ ‬يرونه‭ ‬ممسكاً‭ ‬بسيجارة‭ ‬سيقولون‭ ‬عنه‭ ‬إنه‭ (‬قليل‭ ‬الأدب‭ ‬وعديم‭ ‬التربية‭).‬

كان‭ ‬الضرب‭ ‬هو‭ ‬الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للتربية‭ ‬لأبناء‭ ‬جيلي،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬منك‭ ‬سناً‭ ‬أن‭ ‬يضربك‭ ‬لأي‭ ‬هفوة‭ ‬ترتكبها،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي‭ ‬كانوا‭ ‬مدخنين‭ ‬وكثيرا‭ ‬منهم‭ ‬صاروا‭ ‬سكرجية‭ ‬وبعضهم‭ ‬مارس‭ ‬التحشيش‭. ‬والمراهقة‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الهفوات‭ ‬والكبوات،‭ ‬ولكن‭ ‬المراهق‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يمسك‭ ‬بيده،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬يكسرها‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا