زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تطبيب العيال بالكلام الطيب
أتناول مرارا وتكرارا مواضيع تتعلق بتربية العيال والدراسة والصحة دون أن يعني ذلك أنني بلغت أي قدر من الكمال في تلك النواحي، بل إنني أعرف عيوبي ونواحي تقصيري وقعودي وعجزي في تلك المجالات، وأريد لغيري تجنب المزالق التي كادت «تطيح» بي، وفي هذا الصدد أعرب عن حزني على صبي هندي انتحر لأن والده رفض شراء هاتف جوال له، وأحزن أيضا لعشرات الصغار الذين ينتحرون، وهم لا يعرفون معنى الانتحار، فيشرعون في تعريض أنفسهم لبعض الخطر على أمل أن الأهل سينقذونهم في (اللحظة المناسبة)، بل منهم من يمارس الانتحار كوسيلة للفت الأنظار، بمعنى أنهم لا يدركون أنه يفضي إلى فراق الدنيا نهائيا وكليا، بدليل أن عشرات الأطفال ينتحرون سنويا في مختلف بقاع العالم غير قاصدين مفارقة الدنيا، ولكن فقط تقليدا لمشاهد رأوها في التلفزيون أو السينما.
وما لا يدركه الكثير من الآباء والأمهات هو أن الصغار عرضة للاكتئاب شأنهم شأن الكبار، أعني الاكتئاب المَرَضي clinical depression وليس العابر الناتج عن منغصات أو ما يسبب التوتر الشديد، ويزول بزوال مسبباته، ومع أنه من السهل تطويق حالات الاكتئاب عند الصغار، إلا أن الكبار دائما في شغل شاغل عنهم، بحجة «أكل العيش» وتوفير احتياجات العائلة، أو بسبب السبهللية وإعطاء الأولوية للترفيه أو الراحة الشخصية
ويلجأ الصغير إلى أبيه: بابا عندي مشكلة في المدرسة، و....، فلا يتركه البابا يكمل كلامه: يووووه خلقي ضايق وماني فاضي لسوالفك عن المدرسة.. وتقف فطومة كسيرة الخاطر أمام الماما لتقول لها: الله يخليكي خذيني معك لبيت خالتي قماشة، فتصيح الأم بعصبية: الله ياخذك ويريحني منك.. ماني رايحة عند خالتك قماشة.. رايحة بيت عزا (عزاء).. فزي روحي من قدام وجهي.
يخيل إليّ أن معظم معاناة عيالنا ناجمة عن كوننا لسنا (فاضيين) لتبادل الأحاديث معهم، مع أننا فاضيين للغاية لتبادل الأحاديث مع الربع والشلة! وعلاج الأمراض النفسية البسيطة أساسه الكلام: يستدرجك الطبيب أو المعالج النفسي للتحدث والفضفضة، فتتكلم وتتكلم حتى تحس بما يحسه من ابتلع مادة ضارة بالصحة وفتح الله عليه بالاستفراغ فتقيأ وتقيأ حتى أحس بالراحة (معلومة مهمة تلقيتها من الأطباء: التقيؤ والإسهال يكونان في كثير من الأحيان وسيلة دفاعية للتخلص من مواد سامة أو ضارة دخلت المعدة ومن ثم فلا داعي للهلع عند التعرض لهما ما لم يتسما بالحدة التي تؤدي إلى الجفاف أو تكون مقرونة بأعراض أخرى مثيرة للقلق).
والإنسان يحب أن يتكلم مع من يحب مثل الأب والأم والزوج والأخ والأخت والصديق الوفي، والصغار على نحو خاص بحاجة إلى من يثقون به ليحكوا له عن مشاغلهم البسيطة (التي يعتقدون أنها كبيرة)، ويعتقدون أن الوالدين لديهما الحكمة والتجربة لتبصيرهم بالمخارج مما يحسبونها مآزق، ولكن في أحيان كثيرة يحجم الصغار عن مصارحة أحد أو كلا الوالدين بما يواجهون من مشكلات، لأن الأب أو الأم أو كليهما سريعا الاشتعال، ويتسمان بالعصبية والنرفزة، أو يمارسان العقاب الجسدي بوصفه الوسيلة الوحيدة الناجعة لـ(تربية) العيال!
هب مثلاً أن ولدك البالغ من العمر عشر سنوات جاءك معترفاً بأنه مارس التدخين، وربما قال ذلك لأن أحد الجيران رآه فخشي أن يبلغك بالأمر فقرر الاعتراف بنفسه! ما جدوى أن تضربه أو تشتمه وقد (حصل ما حصل)؟ أليس من الأجدى أن تضع ذراعك على كتفه وتضمه إليك وتكلمه في لين ورفق عن مضار التبغ وأن الناس عندما يرونه ممسكاً بسيجارة سيقولون عنه إنه (قليل الأدب وعديم التربية).
كان الضرب هو الوسيلة الوحيدة للتربية لأبناء جيلي، وكان من حق كل من هو أكبر منك سناً أن يضربك لأي هفوة ترتكبها، ومع هذا فإن أكثر من نصف أبناء جيلي كانوا مدخنين وكثيرا منهم صاروا سكرجية وبعضهم مارس التحشيش. والمراهقة لا تخلو من الهفوات والكبوات، ولكن المراهق بحاجة إلى من يمسك بيده، وليس من يكسرها!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك