عالم يتغير
فوزية رشيد
الويلات المتحدة!
{ أطلق أحد المحللين تعبيرا فارقا أعتقد أنه يلخص الكثير من الأدوار التي تقوم بها أمريكا في العالم، حين وصفها بأنها (الويلات المتحدة) وليس الولايات المتحدة، بسبب حجم النزاعات والحروب والأزمات التي فجرتها في كل مكان! وهذا صحيح إلى حد كبير باعتبار أن أمريكا ومنذ مشروعها في تبوء مقعد القيادة في العالم بعد الحرب العالمية الثانية وأفول شمس بريطانيا العظمى واختراق المنظومة الدولية منذئذ بنظام عالمي تتحكم فيه شراسة الدولة العميقة العالمية والعوائل الماسونية وغيرها التي تحكمها لم يتنفس هذا العالم تنفسا مريحا، بل انتقل عبر العقود الأخيرة من أزمة وصراع وحرب إلى أزمات وصراعات وحروب على سعة الخارطة الجغرافية للأرض! وهذا يعتبر في الويلات أو الولايات المتحدة أمرا متسقا مع طبيعة الرؤية الأمريكية لتكريس تفوقها ومحاربة كل ما يناهض أو ينافس ذلك بإبقاء المحيط العالمي في حالة توتر دائم، وخلخلة مستفيضة بصناعة الأزمات ثم تقديم نفسها لإدارة الأزمات العالمية بضمان التحكم في خيوطها ما بين تفجير للأزمة واحتواء للدول! حدث ذلك على مدار العقود الماضية في كل قارات العالم، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية!
{ السر وراء ذلك هو أن الإدارات الأمريكية المتتالية ما بين جمهوريين وديمقراطيين هم واقعون تحت قبضة المعسكر الصناعي العسكري أو الشركات الكبرى التي تديرها الدولة العميقة العالمية وتتغذى من خلالها على الحروب والصراعات في العالم لكي تنشط منتجاتها ذات المردود المالي (الملياري أو التريليوني) من أسلحة وأدوية وغيرها حتى لو أدى ذلك النشاط الحربي المستديم إلى تدهور الأوضاع في العالم وتراكم الأزمات وتوظيف الصراعات على يد الجماعات الإرهابية والمتطرفة وصناعتها استخباريا لا يمكن لأمريكا أن تعيش بدون ذلك!
{ هي القيادة الأمريكية للمشروع الغربي الاستعماري، وإن بصيغ جديدة وكلاسيكية تقليدية معا، بحيث دخل مصطلح حروب الجيل الرابع والخامس المعجم اللغوي للحروب الجديدة، التي تجمع على المستوى الجيوستراتيجي والجيوسياسي كل التوظيفات الحربية للإعلام والمعلومات والحرب الفكرية والنفسية والحرب الاقتصادية على الدول! وكمثال القاتل الاقتصادي عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإفقار الدول وتهيئة الظروف للاحتجاجات والانقلابات والسخط الشعبي بسبب الشروط الجائرة التي يفرضها كل من الصندوق والبنك الدولي بعنوان المساعدة والديون ذات الفوائد المرتفعة!
{ كل تلك الأدوات الوظيفية في المنظومة الدولية أو النظام العالمي بقيادة أمريكا والغرب جعل العالم مزرعة للحروب والأزمات! وحيث لا سلام ولا استقرار عالمي طالما بقي هذا النظام الاستعماري الغربي متحكما في إدارة المؤسسات الدولية والأممية لصالح الشركات العابرة للقارات ولصالح الأرباح الطائلة والتحكم في النظام المالي والاقتصادي العولمي!
{ هذا تحديدا ما بدأت القوى العالمية المغايرة في منهجيتها ورؤيتها العالمية والمناهضة لسطوة القيادة الأمريكية الانفرادية تستشعره بقوة وتعمل على إنشاء نظام عالمي متعدد القطبية يبرز فيه الدور الصيني والدور الروسي ومجموعة قوى عالمية وإقليمية أخرى تعمل معا للتملص من آليات السطوة الأمريكية النقدية والمالية والاقتصادية والتجارية، وما يعقب ذلك من الشروع في تأسيس نظام تنموي عالمي جديد يحقق آليات مختلفة للتنمية والتجارة العالمية والاقتصاد العالمي والنقدي والمالي، وهو الأمر الذي تقف في وجهه الويلات المتحدة وأتباعا الغربيون وخاصة بريطانيا!
{ إن العالم الذي بدأ يصحو على فكرة أهمية تحرره من قبضة الغرب وما جره من ويلات وأزمات على العالم لتحقيق رفاهيته فقط هو العالم الذي يبحث اليوم عن السلام والتنمية والاستقرار والشراكة الدولية بدل الاستئثار الاستعماري الغربي بشؤون العالم ووضع العراقيل أمام حل قضاياه وأزماته المستفيضة!
{ يكفي هذا العالم ما أصابه حتى الآن من مهالك وانحدارات حضارية طالت حتى جوانبه الإنسانية والحقوقية والأخلاقية، بل جعلت من حرب القيم الغربية أساسا لاستلاب حضارات الشعوب وتاريخها وقيمها وعقائدها ودينها! حتى لم يبق جانب في هذا العالم لم يطله الخراب أو التخريب الأمريكي الغربي لتدخل الشعوب نفق إنسانيتها الضائعة وسط ركام الانجراف المادي الشرس الذي أسسته الشركات الكبرى التي تتحكم في سياسة أمريكا والغرب والنظام الغربي الذي بدوره يتحكم ويسطو على العالم ودوله بأريحية (منطق القوة) رغم ما ينازعه اليوم من انهيارات شاملة في المنظومة الغربية شهدها ويشهدها العالم، وخاصة بعد الانكشاف الكبير الذي أنتجه العدوان الصهيوني على غزة! وتململ شعوب العالم أمام سقوط كل الأقنعة التي كانت تلبسها المؤسسات الدولية والأممية وتراوغ بها على الوعي العالمي! واليوم الويلات المتحدة رغم أزماتها الداخلية لا تزال منخرطة في صناعة المزيد من الأزمات والحروب في العالم سواء في مواجهة الصين أو روسيا أو المنطقة العربية ودول أخرى بذات العقلية الاستعمارية التي آن الأوان لسقوطها! ولعل ما يحدث من اضطرابات في أمريكا نفسها، وخاصة في ولاية تكساس وإطلالة حرب أهلية قد تعيد البوصلة إلى استقلال العديد من ولاياتها وتفكيك الويلات من خلالها!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك