العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الويلات المتحدة!

{‭ ‬أطلق‭ ‬أحد‭ ‬المحللين‭ ‬تعبيرا‭ ‬فارقا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يلخص‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬حين‭ ‬وصفها‭ ‬بأنها‭ (‬الويلات‭ ‬المتحدة‭) ‬وليس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بسبب‭ ‬حجم‭ ‬النزاعات‭ ‬والحروب‭ ‬والأزمات‭ ‬التي‭ ‬فجرتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭! ‬وهذا‭ ‬صحيح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬ومنذ‭ ‬مشروعها‭ ‬في‭ ‬تبوء‭ ‬مقعد‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وأفول‭ ‬شمس‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬واختراق‭ ‬المنظومة‭ ‬الدولية‭ ‬منذئذ‭ ‬بنظام‭ ‬عالمي‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬شراسة‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬العالمية‭ ‬والعوائل‭ ‬الماسونية‭ ‬وغيرها‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭ ‬لم‭ ‬يتنفس‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬تنفسا‭ ‬مريحا،‭ ‬بل‭ ‬انتقل‭ ‬عبر‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬وصراع‭ ‬وحرب‭ ‬إلى‭ ‬أزمات‭ ‬وصراعات‭ ‬وحروب‭ ‬على‭ ‬سعة‭ ‬الخارطة‭ ‬الجغرافية‭ ‬للأرض‭! ‬وهذا‭ ‬يعتبر‭ ‬في‭ ‬الويلات‭ ‬أو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أمرا‭ ‬متسقا‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬الرؤية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتكريس‭ ‬تفوقها‭ ‬ومحاربة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يناهض‭ ‬أو‭ ‬ينافس‭ ‬ذلك‭ ‬بإبقاء‭ ‬المحيط‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬توتر‭ ‬دائم،‭ ‬وخلخلة‭ ‬مستفيضة‭ ‬بصناعة‭ ‬الأزمات‭ ‬ثم‭ ‬تقديم‭ ‬نفسها‭ ‬لإدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬العالمية‭ ‬بضمان‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬خيوطها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬تفجير‭ ‬للأزمة‭ ‬واحتواء‭ ‬للدول‭! ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قارات‭ ‬العالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭!‬

{‭ ‬السر‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتتالية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬جمهوريين‭ ‬وديمقراطيين‭ ‬هم‭ ‬واقعون‭ ‬تحت‭ ‬قبضة‭ ‬المعسكر‭ ‬الصناعي‭ ‬العسكري‭ ‬أو‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تديرها‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬العالمية‭ ‬وتتغذى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لكي‭ ‬تنشط‭ ‬منتجاتها‭ ‬ذات‭ ‬المردود‭ ‬المالي‭ (‬الملياري‭ ‬أو‭ ‬التريليوني‭) ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬وأدوية‭ ‬وغيرها‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬النشاط‭ ‬الحربي‭ ‬المستديم‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وتراكم‭ ‬الأزمات‭ ‬وتوظيف‭ ‬الصراعات‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والمتطرفة‭ ‬وصناعتها‭ ‬استخباريا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأمريكا‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬بدون‭ ‬ذلك‭!‬

{‭ ‬هي‭ ‬القيادة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للمشروع‭ ‬الغربي‭ ‬الاستعماري،‭ ‬وإن‭ ‬بصيغ‭ ‬جديدة‭ ‬وكلاسيكية‭ ‬تقليدية‭ ‬معا،‭ ‬بحيث‭ ‬دخل‭ ‬مصطلح‭ ‬حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس‭ ‬المعجم‭ ‬اللغوي‭ ‬للحروب‭ ‬الجديدة،‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الجيوستراتيجي‭ ‬والجيوسياسي‭ ‬كل‭ ‬التوظيفات‭ ‬الحربية‭ ‬للإعلام‭ ‬والمعلومات‭ ‬والحرب‭ ‬الفكرية‭ ‬والنفسية‭ ‬والحرب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬الدول‭! ‬وكمثال‭ ‬القاتل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬عبر‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي‭ ‬لإفقار‭ ‬الدول‭ ‬وتهيئة‭ ‬الظروف‭ ‬للاحتجاجات‭ ‬والانقلابات‭ ‬والسخط‭ ‬الشعبي‭ ‬بسبب‭ ‬الشروط‭ ‬الجائرة‭ ‬التي‭ ‬يفرضها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي‭ ‬بعنوان‭ ‬المساعدة‭ ‬والديون‭ ‬ذات‭ ‬الفوائد‭ ‬المرتفعة‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأدوات‭ ‬الوظيفية‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬بقيادة‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬جعل‭ ‬العالم‭ ‬مزرعة‭ ‬للحروب‭ ‬والأزمات‭! ‬وحيث‭ ‬لا‭ ‬سلام‭ ‬ولا‭ ‬استقرار‭ ‬عالمي‭ ‬طالما‭ ‬بقي‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الاستعماري‭ ‬الغربي‭ ‬متحكما‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬والأممية‭ ‬لصالح‭ ‬الشركات‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭ ‬ولصالح‭ ‬الأرباح‭ ‬الطائلة‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬العولمي‭!‬

{‭ ‬هذا‭ ‬تحديدا‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬المغايرة‭ ‬في‭ ‬منهجيتها‭ ‬ورؤيتها‭ ‬العالمية‭ ‬والمناهضة‭ ‬لسطوة‭ ‬القيادة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الانفرادية‭ ‬تستشعره‭ ‬بقوة‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬متعدد‭ ‬القطبية‭ ‬يبرز‭ ‬فيه‭ ‬الدور‭ ‬الصيني‭ ‬والدور‭ ‬الروسي‭ ‬ومجموعة‭ ‬قوى‭ ‬عالمية‭ ‬وإقليمية‭ ‬أخرى‭ ‬تعمل‭ ‬معا‭ ‬للتملص‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬السطوة‭ ‬الأمريكية‭ ‬النقدية‭ ‬والمالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتجارية،‭ ‬وما‭ ‬يعقب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬نظام‭ ‬تنموي‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬يحقق‭ ‬آليات‭ ‬مختلفة‭ ‬للتنمية‭ ‬والتجارة‭ ‬العالمية‭ ‬والاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬والنقدي‭ ‬والمالي،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬الويلات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأتباعا‭ ‬الغربيون‭ ‬وخاصة‭ ‬بريطانيا‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يصحو‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬أهمية‭ ‬تحرره‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬الغرب‭ ‬وما‭ ‬جره‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬وأزمات‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬لتحقيق‭ ‬رفاهيته‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬والتنمية‭ ‬والاستقرار‭ ‬والشراكة‭ ‬الدولية‭ ‬بدل‭ ‬الاستئثار‭ ‬الاستعماري‭ ‬الغربي‭ ‬بشؤون‭ ‬العالم‭ ‬ووضع‭ ‬العراقيل‭ ‬أمام‭ ‬حل‭ ‬قضاياه‭ ‬وأزماته‭ ‬المستفيضة‭!‬

{‭ ‬يكفي‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬أصابه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬مهالك‭ ‬وانحدارات‭ ‬حضارية‭ ‬طالت‭ ‬حتى‭ ‬جوانبه‭ ‬الإنسانية‭ ‬والحقوقية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬بل‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬القيم‭ ‬الغربية‭ ‬أساسا‭ ‬لاستلاب‭ ‬حضارات‭ ‬الشعوب‭ ‬وتاريخها‭ ‬وقيمها‭ ‬وعقائدها‭ ‬ودينها‭! ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬جانب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬يطله‭ ‬الخراب‭ ‬أو‭ ‬التخريب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الغربي‭ ‬لتدخل‭ ‬الشعوب‭ ‬نفق‭ ‬إنسانيتها‭ ‬الضائعة‭ ‬وسط‭ ‬ركام‭ ‬الانجراف‭ ‬المادي‭ ‬الشرس‭ ‬الذي‭ ‬أسسته‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬والنظام‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬بدوره‭ ‬يتحكم‭ ‬ويسطو‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬ودوله‭ ‬بأريحية‭ (‬منطق‭ ‬القوة‭) ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬ينازعه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬انهيارات‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الغربية‭ ‬شهدها‭ ‬ويشهدها‭ ‬العالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬الانكشاف‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬أنتجه‭ ‬العدوان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬غزة‭! ‬وتململ‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬أمام‭ ‬سقوط‭ ‬كل‭ ‬الأقنعة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تلبسها‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬والأممية‭ ‬وتراوغ‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬العالمي‭! ‬واليوم‭ ‬الويلات‭ ‬المتحدة‭ ‬رغم‭ ‬أزماتها‭ ‬الداخلية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬منخرطة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬والحروب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الصين‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬بذات‭ ‬العقلية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لسقوطها‭! ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬اضطرابات‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬نفسها،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬تكساس‭ ‬وإطلالة‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬قد‭ ‬تعيد‭ ‬البوصلة‭ ‬إلى‭ ‬استقلال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬ولاياتها‭ ‬وتفكيك‭ ‬الويلات‭ ‬من‭ ‬خلالها‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا