العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

بحثا عن بقية عدالة!

{‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬جاف‭ ‬يفتقر‭ ‬‮«‬نظامه‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬القوة‭ ‬إلى‭ ‬آليات‭ ‬العدالة‭ ‬والمبادئ‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬مصداقيتها‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬فقدت‭ (‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬والأممية‭) ‬تلك‭ ‬المصداقية‭! ‬وحيث‭ ‬عدالة‭ ‬القضايا‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬بقيت‭ ‬معلقة‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬حائط‭ (‬الفيتو‭) ‬الذي‭ ‬استغلته‭ ‬خاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬أبشع‭ ‬استغلال‭ ‬لعرقلة‭ ‬وتعطيل‭ ‬حل‭ ‬القضايا‭ ‬الأممية،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬الحل‭ ‬متناسبا‭ ‬مع‭ ‬خارطة‭ ‬أجنداتها‭ ‬ومشاريعها‭ ‬الاستعمارية‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬حتى‭ ‬تحولت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وبقية‭ ‬المؤسسات‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬سطوة‭ ‬بعض‭ ‬الأعضاء‭ ‬الدائمين‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭! ‬تلك‭ ‬السطوة‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وفق‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬لتستمر‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬رغم‭ ‬المتغيرات‭ ‬الدولية‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الثمانين‭ ‬عاما‭!‬

{‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬كل‭ ‬الأسئلة‭ ‬الشائكة،‭ ‬ووضعت‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الغربي‭ ‬أمام‭ ‬مرآة‭ ‬الحقيقة‭ ‬والانكشاف،‭ ‬وحيث‭ (‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭)‬،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المأمول‭ ‬صدور‭ ‬قرار‭ ‬يحقق‭ ‬عدالة‭ ‬حقيقية‭ ‬وإنما‭ ‬جزئية‭ ‬رغم‭ ‬دائرة‭ ‬الضوء‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬ركزت‭ ‬أنوارها‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬السخط‭ ‬الشعبي‭ ‬العالمي‭! ‬والاحتجاجات‭ ‬المستمرة‭ ‬على‭ ‬العدوان‭ ‬الوحشي‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬العدوان‭ ‬هو‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬حماس‭ ‬واستعادة‭ ‬الرهائن‭ ‬بالقوة‭ ‬وارتكاب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬ولن‭ ‬يتحقق‭ ‬بالقوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬كما‭ ‬أثبتت‭ ‬أيام‭ ‬العدوان‭ ‬التدميري‭ ‬الطويلة‭! ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬رحب‭ ‬العالم‭ ‬بتلك‭ ‬العدالة‭ ‬الجزئية‭ ‬فقط‭ ‬لأنها‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬كانت‭ ‬مرفوعة‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬كرسه‭ ‬النظام‭ ‬الغربي‭ ‬الدولي‭ ‬ليكون‭ ‬فوق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وفوق‭ ‬المحاسبة‭ ‬والعقاب‭!‬

{‭ ‬ما‭ ‬تابعه‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬بحاجة‭ ‬منذ‭ ‬الشهر‭ ‬الأول‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬قضية‭ ‬ضد‭ ‬الكيان،‭ ‬وإنما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬يتمتع‭ ‬بقانون‭ ‬دولي‭ ‬ذي‭ ‬مصداقية‭ ‬لتحركت‭ ‬كل‭ ‬دوله‭ ‬تجاه‭ ‬موقف‭ ‬دولي‭ ‬حاسم‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وإنما‭ ‬ضد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ (‬الويلات‭ ‬المتحدة‭) ‬كما‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬أحد‭ ‬المحللين،‭ ‬بسبب‭ ‬استخدامها‭ ‬الجائر‭ ‬للفيتو‭ ‬ضد‭ ‬إرادة‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭! ‬وحيث‭ ‬الاستخدام‭ ‬المتكرر‭ ‬لهذا‭ ‬الفيتو‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬إفراغ‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الأممية‭ ‬من‭ ‬فحواها‭ ‬وجدواها‭! ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬المنظومة‭ ‬الدولية‭ ‬تحت‭ ‬سطوة‭ ‬الغرب‭ ‬وكل‭ ‬مؤسساتها‭ ‬متقاعسة‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬من‭ ‬المجازر‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬غزة‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬بكل‭ ‬دولهم‭ ‬الـ‭(‬58‭ ‬دولة‭) ‬بدورهم‭ ‬دخلوا‭ ‬دائرة‭ ‬التخاذل‭ ‬والتقاعس‭ ‬وعدم‭ ‬اتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬حاسمة‭ (‬دبلوماسية‭ ‬وسياسية‭ ‬واقتصادية‭) ‬فحملت‭ ‬‮«‬جنوب‭ ‬إفريقيا‮»‬‭ ‬ثقل‭ ‬التحدي‭ ‬للتقاعس‭ ‬الدولي‭! ‬ورفعت‭ ‬وحدها‭ ‬دعوى‭ ‬تهمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬وضد‭ ‬الغرب‭ ‬المتواطئ‭ ‬معه‭!‬

{‭ ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬رغم‭ ‬وضوح‭ ‬الأدلة‭ ‬المقدمة‭ ‬وأهمية‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬حاسم‭ ‬بوقف‭ ‬العدوان،‭ ‬لم‭ ‬تأخذ‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬‮«‬فيتو‮»‬‭ ‬أمريكي‭! ‬أي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفيتو‭ ‬المعرقل‭ ‬لقضايا‭ ‬الشعوب‭ ‬العادلة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ (‬ألقى‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬جهة‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬العالم‭) ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أجهز‭ ‬بذات‭ ‬‮«‬الفيتو‮»‬‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬جهة‭ ‬تنفيذية‭ ‬أممية‭ ‬هي‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭! ‬لكأن‭ (‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والعدالة‭ ‬الدولية‭ ‬والشرعية‭ ‬الدولية‭) ‬كلها‭ ‬معا‭ ‬خاضعة‭ ‬لسطوة‭ ‬‮«‬الويلات‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أشبعت‭ ‬العالم‭ ‬جورا‭ ‬وظلما‭ ‬وهي‭ ‬تقود‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭! ‬وبين‭ ‬ضغط‭ ‬‮«‬الفيتو‮»‬‭ ‬وضغط‭ (‬التطلع‭ ‬الشعبي‭ ‬العالمي‭) ‬للعدالة‭ ‬وإدانة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بيد‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬إلا‭ ‬رفع‭ ‬البطاقة‭ ‬الصفراء‭ ‬وليس‭ ‬الحمراء‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭! ‬في‭ ‬مباراة‭ ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬ويقيمها‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متعارف‭ ‬عليه‭ (‬إنسانيا‭ ‬وأخلاقيا‭ ‬وقانونيا‭)!‬

{‭ ‬هي‭ ‬الحركة‭ ‬المحسوبة‭ ‬لأعلى‭ ‬جهة‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬أثمرت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬عدالة‭ ‬جزئية‭ ‬أو‭ ‬منقوصة‭! ‬أعطت‭ ‬المحكمة‭ ‬فيها‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬بإمكانها‭ ‬من‭ ‬موقف‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬المتهافت‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬القانون‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬ساحة‭ ‬لعب‭ ‬للأجندات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وسطوتها‭! ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الملعب‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬حقيقي‭ ‬لضمير‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬ويتم‭ ‬إجبارها‭ ‬على‭ ‬قبول‭ (‬بقية‭ ‬عدالة‭) ‬تطل‭ ‬من‭ ‬نافذة‭ (‬الوحشية‭ ‬العولمية‭) ‬التي‭ ‬تصيغ‭ ‬حياة‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬رؤيتها‭ ‬ومنظورها‭ ‬اللاأخلاقي‭ ‬واللاإنساني‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬التراكمات‭ ‬التي‭ ‬انكشفت‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬وتم‭ ‬التعتيم‭ ‬عليها‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عبر‭ ‬75‭ ‬عاما،‭ ‬تضع‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬أمام‭ ‬المطالبة‭ ‬بالتحرر‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬هذا‭ (‬الاهتراء‭ ‬العالمي‭) ‬الذي‭ ‬أداره‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يديره‭ ‬الغرب،‭ ‬رغم‭ ‬المتغيرات‭ ‬العالمية‭ ‬وميزان‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الجديد‭ ‬والبحث‭ ‬المشروع‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬والقانون‭ ‬والمبادئ‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬ترسم‭ ‬خارطة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬وخارطة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأممية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬جديدة،‭ ‬يتحرر‭ ‬فيها‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬والتلاعب‭ ‬وسطوة‭ (‬الدولة‭ ‬العالمية‭ ‬العميقة‭) ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬الغرب‭ ‬وعالم‭ ‬اليوم‭ ‬حسب‭ ‬أجنداتها‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وأهوائها‭ ‬الجشعة‭! ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬البحث‭ ‬العالمي‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬عن‭ (‬بقية‭ ‬عدالة‭) ‬وليس‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كبوصلة‭ ‬توجه‭ ‬العالم‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا