عالم يتغير
فوزية رشيد
محكمة العدل الدولية والعقلية الصهيونية!
{ منذ أن رفعت جنوب إفريقيا (دعوى الإبادة الجماعية) في غزة ضد الكيان الصهيوني، وضغوط «الدجال الأمريكي» لم تتوقف سواء على جنوب إفريقيا أو حتى على «محكمة العدل الدولية»! ومثل أمريكا فعل «الكيان الصهيوني» حين تقدم بطلب رفض القضية المرفوعة ضده، باعتبارها جرأة غير مسبوقة باتهامها بهذا، رغم أن حرب الإبادة شهدها ويتابعها العالم يومًا بيوم! وفي الجمعة الماضية وقد دخلت الحرب الوحشية على غزة يومها الـ(112)، واستشهد فيها (26083) فلسطينيًا و(64487) مصابًا ليقترب عدد الشهداء والمصابين من (المائة ألف فلسطيني) بين شهيد ومصاب خلال أقل من أربعة أشهر ومعظمهم من الأطفال والنساء! فإن «المحكمة» قررت أولاً (عدم قبول طلب إسرائيل برفض القضية المرفوعة ضدها) وهو أبسط الإيمان، وأقرت «محكمة العدل» أن لديها صلاحية للحكم بإجراءات طارئة، وأن على الكيان الصهيوني عدم ارتكاب قواته أعمال إبادة جماعية، واتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني في غزة، في ظل مواصلة المجتمع الدولي بإدخال المزيد من المساعدات إلى القطاع ووقف الحرب على غزة باستثناء الولايات المتحدة!
{ هناك من اعتبر قرار «محكمة العدل الدولية» (تاريخيا) وهناك من انتقد (عدم اتخاذ قرار وقف فوري لإطلاق النار والحرب) باعتباره مطلبًا شعبيا وعالميا ودوليا، وأن إعطاء الكيان الصهيوني مدة (شهر) لتقديم تقريره عما التزم به من مطالب المحكمة، هو في ذات الوقت إعطاؤه الفرصة لمواصلة عدوانه الوحشي والإجرامي على أهل غزة! وأيضًا هناك سؤال ملح: (إذا لم توقف إسرائيل العدوان فكيف بالإمكان إدخال المساعدات المطلوبة إلى داخل غزة؟!).
أي أن في المحصلة جاء القرار من «المحكمة» منصفًا في جانب ورخوًا في جانب آخر! ولكأنها المحاولة القصوى للخروج من الامتحان الأصعب، الذي تمثل في ضغوط الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية وهم قادة (النظام الدولي الاستعماري) والكيان الصهيوني صنيعة هذا النظام منذ 1948، لتحاول المحكمة زحزحة نفسها قليلاً سواء في مواجهة ضغوط ممثلي هذا النظام الدولي من جهة، والضغوط الشعبية العالمية بل والدولية من جهة أخرى!
{ هو قرار تاريخي ربما لأنه عمل على إنزال الكيان الصهيوني من حصنه الحصين، (الذي جعل نفسه فوق كل قانون دولي وفوق الإدانة وبرعاية أمريكية غربية)! و«النظام الدولي الاستعماري» بعد أن سقطت كل أقنعته السياسية والدبلوماسية والإنسانية والأخلاقية والمؤسسات الراعية لكل ذلك في «حرب غزة»، كان الرهان الأخير على سقوطه بشكل كامل هو (سقوطه قانونيًا) من خلال «محكمة العدل الدولية» وهنا كان الامتحان الأصعب لهذه المحكمة أمام العالم كله! وإن قضية دعوى جنوب إفريقيا ستبقى مستمرة شهورا طويلة وربما سنوات لوصول المحكمة إلى (إدانة الكيان الصهيوني بحرب الإبادة) رغم أن تقريرها يوم الجمعة الماضي 26 يناير، جاء في سياقه ما ينم عن اقتناع المحكمة (بإجماع 15 قاضيًا من 17 قاضيًا) بأن ما حدث ويحدث في غزة هو حرب إبادة! وأكثر ما كان يخيف الكيان الصهيوني صدور قرار بوقف الحرب أو وقف إطلاق النار، ولكأن الكيان تنفس الصعداء لعدم صدور ذلك!
والأغرب أن بعض المحللين الصهاينة اعتبر قرار المحكمة انتصارًا للكيان الصهيوني!
{ هذا (الكيان الاستيطاني المدلل) لم يعتد الإدانة أو المقاضاة، بل واتهامه بحرب الإبادة! وخاصة أن «محكمة العدل الدولية» أنشأها الغرب للنظر في «الهولوكوست» الذي قامت به النازية ضد اليهود! فإذا بالكيان نفسه اليوم في مواجهة ذات التهمة والحقيقة البشعة التي لا يريد الاعتراف بها، وهي أنه (تجاوز النازية) فيما ارتكبه من جرائم إبادة وحرب وتطهير عِرقي!
{ إن (العقلية الصهيونية) في الكيان ليست فقط مصابة بالانفصام، وإنما بالنظر إلى نفسه (ضحية دائمة) رغم ما يرتكبه من مجازر!
لفهم هذه العقلية دعونا نفهم ما قاله الصحفي الصهيوني «جدعون ليفي» وهو صحفي معارض داخل الكيان الصهيوني، وكتب مرارًا عن احتلال الشعب الفلسطيني وندد به! هذا الصحفي قام بوصف (المبادئ الثلاثة) التي تحكم شعب الكيان التي تجعله يتعايش بسهولة مع كل ما يرتكبه من جرائم وفظائع ووحشية ضد الشعب الفلسطيني ويرفض أي إدانة له رغم ذلك! يقول الصحفي:
أولاً: معظم «الإسرائيليين» إن لم يكن كلهم يؤمنون بشدة بأنهم «الشعب المختار» وإذا كانوا كذلك فلهم الحق في أن يفعلوا ما يريدون! ولهذا يعتبرون أي إدانة لهم جرأة على حقهم هذا!
ثانيًا: هناك احتلالات وحشية مرت على العالم، ولكن لم يكن هناك قط في التاريخ والاحتلال أن قدم الاحتلال نفسه على أنه «ضحية»! ليس فقط ضحية بل الضحية الوحيدة! هذا ما يفعله الاحتلال الصهيوني ويجعله قادرًا على العيش بسلام (لأنه الضحية دائمًا) مهما فعل من جرائم يندى لها الجبين! وفي الكيان كل (السرديات المتناقضة) تسير جنبًا إلى جنب باعتبارها الحقيقة المطلقة! هكذا يقول «جدعون ليفي».
ثالثًا: المبدأ الأخطر والأسوأ هو ما قالته «جولد مائير» أنه بعد الهولوكوست أصبح لليهود الحق في أن يفعلوا ما يريدون! والمبدأ الأخطر في ذلك هو (التجريد الممنهج للفلسطينيين من إنسانيتهم)! وهذا ما يجعل «الإسرائيلي» قادرًا على العيش بسلام مع كل ما يحدث ومع أي شيء يقوم به! لأن الفلسطينيين ليسوا بشرًا مثله! ولهذا ليس هناك حقوق إنسانية! هذا المبدأ موجود تحت جلد كل «إسرائيلي»! ولا أحد سيعامل الفلسطينيين كبشر متساوين! بل هم يعتبرونهم أدنى في المرتبة من الحيوانات! والكلام لا يزال لـ(جدعون ليفي).
{ هذه العقلية الصهيونية العنصرية واللاإنسانية وبدعم أمريكي مطلق وغربي، هو الذي جعل من «واحة الوحشية» واحة للديمقراطية!
ومن الكيان الصهيوني (فوق القانون والمحاسبة)! حتى جاءت «غزة» بدماء أطفالها ونسائها وضحاياها وتدميرها بشكل وحشي، لتضع العالم أمام حقيقة هذا الكيان والعقلية التي تحكمه!
ربما لهذا تعتبر دعوى جنوب إفريقيا (دعوى تاريخية) حين اتهمت الكيان بحرب الإبادة! وربما لهذا «محكمة العدل الدولية» ستكون في امتحانها الأصعب خلال الشهور القادمة لتثبيت هذه التهمة قانونيًا على الكيان! وحينها سيدرك الشعب الصهيوني حقيقته وحقيقة كيانه الاستعماري والاستيطاني الغاصب!
والعالم كله بانتظار تثبيت هذه الإدانة لأنها الحقيقة!
وربما بعدها سيسقط الكيان تمامًا من حصنه الحصين!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك