العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عيون لا يملأها إلا التراب

نقلنا‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬‮«‬الكافر‮»‬‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬التطبيقية‭ ‬والنظم‭ ‬الإدارية‭ ‬وأنظمة‭ ‬الحكم،‭ ‬وصرنا‭ ‬مؤخرا‭ ‬معتمدين‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المعلومات‭ ‬والموسيقى‭ ‬والترفيه‭ (‬دون‭ ‬ان‭ ‬ننسى‭ ‬صب‭ ‬اللعنات‭ ‬عليه‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬معظم‭ ‬جامعاتنا‭ ‬متسقة‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬الجامعات‭ ‬البريطانية،‭ ‬حيث‭ ‬ينقسم‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬الى‭ ‬فترتين‭ ‬او‭ ‬ثلاث،‭ ‬ثم‭ ‬انتقلنا‭ ‬الى‭ ‬النظام‭ ‬الأمريكي‭ ‬ذي‭ ‬التقسيم‭ ‬الى‭ ‬فصول‭ ‬جغرافية‭: ‬صيف‭ ‬وخريف‭ ‬وربيع‭ (‬مع‭ ‬ان‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬فصل‭ ‬الربيع‭ ‬حيث‭ ‬الطقس‭ ‬بديع‭).‬

ما‭ ‬علينا‭: ‬من‭ ‬التقاليد‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والمدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬خريجيها‭ ‬يعودون‭ ‬إليها‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنين‭ ‬في‭ ‬لقاءات‭ (‬لمْ‭ ‬شمل‭) ‬منظمة‭ ‬ومبرمجة،‭ ‬بحيث‭ ‬يلتئم‭ ‬شمل‭ ‬أبناء‭ ‬وبنات‭ ‬كل‭ ‬دفعة‭ ‬وفوج،‭ ‬فيقضون‭ ‬وقتاً‭ ‬ممتعاً‭ ‬في‭ ‬مباني‭ ‬الجامعات‭ ‬التي‭ ‬تقاسموا‭ ‬فيها‭ ‬القلق‭ (‬والشقاوة‭ ‬والعفرتة‭)‬،‭ ‬ويتعرفون‭ ‬على‭ ‬أحوال‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭: ‬من‭ ‬نجح‭ ‬وظيفياً‭ ‬ومن‭ ‬تزوج‭ ‬ومن‭ ‬أنجب‭. ‬وقد‭ ‬يتبرع‭ ‬بعض‭ ‬الخريجين‭ ‬بالمال‭ ‬للمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬نالوا‭ ‬العلم‭ ‬فيها‭.‬

وفي‭ ‬إحدى‭ ‬تلك‭ ‬الجامعات‭ ‬التقى‭ ‬بعض‭ ‬خريجيها‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬أستاذهم‭ ‬العجوز،‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬مغادرة‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬حققوا‭ ‬نجاحات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬العملية،‭ ‬ونالوا‭ ‬أرفع‭ ‬المناصب‭ ‬وحققوا‭ ‬الاستقرار‭ ‬المادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬وصار‭ ‬لهم‭ ‬عائلاتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬وعيالهم،‭ ‬وبعد‭ ‬عبارات‭ ‬التحية‭ ‬والمجاملة‭ ‬طفق‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬يتأفف‭ ‬من‭ ‬ضغوط‭ ‬العمل‭ ‬والحياة‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬لهم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التوتر،‭ ‬و‮«‬يا‭ ‬حليل‭ ‬أيام‭ ‬الدراسة‭ ‬وراحة‭ ‬البال‭. ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نشيل‭ ‬هم‭. ‬بابا‭ ‬هات‭ ‬المصروف‭. ‬ماما‭ ‬وين‭ ‬القميص‭. ‬والحين‭ ‬دوام‭ ‬وفواتير‭ ‬وترقيات‭ ‬متأخرة‭ ‬ومجالس‭ ‬تأديب‭ ‬وعجوزات‭ ‬في‭ ‬ميزانية‭ ‬البيت،‭ ‬ومشاكل‭ ‬أقساط‭ ‬السيارة‭.. ‬أُف‮»‬‭.‬

وغاب‭ ‬أستاذهم‭ ‬العجوز‭ ‬عنهم‭ ‬قليلا‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬يحمل‭ ‬إبريقا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬القهوة،‭ ‬ومعه‭ ‬أكواب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شكل‭ ‬ولون‭: ‬صيني‭ ‬فاخر،‭ ‬على‭ ‬ميلامين،‭ ‬على‭ ‬زجاج‭ ‬عادي‭ ‬على‭ ‬كريستال‭ ‬على‭ ‬بلاستيك،‭ ‬على‭ ‬ورق‭. ‬يعني‭ ‬بعض‭ ‬الأكواب‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الجمال‭ ‬تصميماً‭ ‬ولوناً‭ ‬وبالتالي‭ ‬باهظة‭ ‬الثمن،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬أكواب‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬أفقر‭ ‬البيوت،‭ ‬وقال‭ ‬لهم‭ ‬الأستاذ‭: ‬تفضلوا،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منكم‭ ‬يصب‭ ‬لنفسه‭ ‬القهوة‭. ‬وعندما‭ ‬أمسك‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الخريجين‭ ‬بكوب‭ ‬قهوته‭ ‬تكلم‭ ‬الأستاذ‭ ‬مجدداً‭: ‬هل‭ ‬لاحظتم‭ ‬أن‭ ‬الأكواب‭ ‬الجميلة‭ ‬فقط‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬وقع‭ ‬عليها‭ ‬اختياركم‭ ‬وأنكم‭ ‬تجنبتم‭ ‬الأكواب‭ ‬العادية‭ ‬البسيطة؟‭ ‬شوفوا‭ ‬يا‭ ‬شباب،‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يتطلع‭ ‬الواحد‭ ‬منكم‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أفضل،‭ ‬وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬يسبب‭ ‬لكم‭ ‬القلق‭ ‬والتوتر،‭ ‬فما‭ ‬كنتم‭ ‬بحاجة‭ ‬إليه‭ ‬فعلا‭ ‬هو‭ ‬القهوة‭ ‬وليس‭ ‬الكوب،‭ ‬ولكنكم‭ ‬تهافتُّم‭ ‬على‭ ‬الأكواب‭ ‬الجميلة‭ ‬الثمينة،‭ ‬وعين‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منكم‭ ‬على‭ ‬الأكواب‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الآخرين،‭ ‬وكل‭ ‬واحد‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفوز‭ ‬بكوب‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬عند‭ ‬من‭ ‬يقفون‭ ‬بالقرب‭ ‬منه،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬الحياة‭ ‬هي‭ ‬القهوة‭ ‬فإن‭ ‬الوظيفة‭ ‬والمال‭ ‬والمكانة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬هي‭ ‬الأكواب،‭ ‬وهي‭ ‬بالتالي‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬ومواعين‭ ‬تحوي‭ ‬الحياة،‭ ‬بينما‭  ‬نوعية‭ ‬الحياة‭ (‬القهوة‭) ‬هي،‭ ‬هي،‭ ‬لا‭ ‬تتغير،‭ ‬وبالتركيز‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الكوب‭ ‬نضيع‭ ‬فرصة‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بالقهوة،‭ ‬وعليه‭ ‬أنصحكم‭ ‬بعدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالأكواب‭ ‬والفناجين‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بالقهوة‭.‬

هذا‭ ‬الأستاذ‭ ‬الحكيم‭ ‬عالج‭ ‬آفة‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬كثيرون،‭ ‬فهناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يحمد‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فيه،‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬نجاح،‭ ‬لأن‭ ‬عينه‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عند‭ ‬الآخرين‭.  ‬يتزوج‭ ‬بامرأة‭ ‬جميلة‭ ‬وذات‭ ‬خلق‭ ‬ولكنه‭ ‬يظل‭ ‬معتقداً‭ ‬ان‭ ‬فلاناً‭ ‬وعلاناً‭ ‬تزوجا‭ ‬بامرأتين‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬زوجته،‭ ‬ويجلس‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬في‭ ‬المطعم‭ ‬ويطلب‭ ‬لنفسه‭ ‬نوعا‭ ‬معينا‭ ‬من‭ ‬الأكل‭ ‬ظل‭ ‬يشتهيه،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يستمتع‭ ‬بما‭ ‬طلبه‭ ‬يظل‭ ‬ينظر‭ ‬في‭ ‬أطباق‭ ‬الآخرين‭ ‬وبقول‭: ‬ليتني‭ ‬طلبت‭ ‬ما‭ ‬طلبوه‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يصيبه‭ ‬الكدر‭ ‬لو‭ ‬نال‭ ‬زميل‭ ‬ترقية‭ ‬أو‭ ‬مكافأة‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬واستحقاق‭.  ‬وهناك‭ ‬مثل‭ ‬انجليزي‭ ‬يقول‭ ‬ما‭ ‬معناه‭ ‬إن‭ ‬الحشيش‭/ ‬النجيل‭ ‬دائماً‭ ‬أكثر‭ ‬خضرة‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬السور

The‭ ‬grass‭ ‬is‭ ‬always‭ ‬greener‭ ‬on‭ ‬the‭ ‬other‭ ‬side‭ ‬of‭ ‬the‭ ‬fence

‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬حديقة‭ ‬جاره‭ ‬أكثر‭ ‬جمالا،‭ ‬وأمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يعنيهم‭ ‬أو‭ ‬يسعدهم‭ ‬ما‭ ‬عندهم‭ ‬بل‭ ‬يحسدون‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭..  ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مدن‭ ‬السودان‭ ‬‭ ‬وهذه‭ ‬حكاية‭ ‬واقعية‭ ‬‭ ‬كان‭ ‬تاجر‭ ‬يدعو‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬صلاة‭ ‬اللهم‭ ‬اجعلني‭ ‬غنياً‭ ‬أو‭ ‬اجعل‭ ‬جاري‭ ‬فلاناً‭ ‬فقيرا‭!‬

*‭ ‬العنوان‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬الانسان‭ ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬التطلع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يرضيه‭ ‬إلا‭ ‬بالموت

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا