العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

رجل نادر المثال وقدوة

كتبت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬السيدة‭ ‬الأسترالية‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬الجامعة‭ ‬وعمرها‭ ‬ثمانون‭ ‬سنة،‭ ‬ثم‭ ‬واصلت‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬حتى‭ ‬نالت‭ ‬الدكتوراه‭ ‬وعمرها‭ ‬95‭ ‬سنة،‭ ‬وعن‭ ‬سيدة‭ ‬سودانية‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تزوج‭ ‬عيالها‭ ‬الأربعة‭ ‬ونالت‭ ‬ترقية‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬جدّة‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬جلست‭ ‬لامتحان‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬ونجحت‭ ‬فيها‭ ‬بـ«المزيكة‮»‬،‭ ‬ودخلت‭ ‬الجامعة‭ ‬ونالت‭ ‬البكالوريوس،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تعثر‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬لأن‭ ‬قوانين‭ ‬البلاد‭ ‬تحيل‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬فوق‭ ‬الستين‭ ‬إلى‭ ‬الأرشيف‭.‬

وإذا‭ ‬مد‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عمرك‭ ‬أيها‭ ‬القارئ‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2030‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬مكعكعا‭ ‬وبحاجة‭ ‬إلى‭ ‬صيانة‭ ‬وتشييك‭ (‬فحص‭) ‬دوري‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬خمسمائة‭ ‬كيلومتر‭ ‬تقطعها،‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬خمسة‭ ‬كيلوجرامات‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬وزنك‭. ‬ولا‭ ‬يهمك‭ ‬فهكذا‭ ‬حال‭ ‬الدنيا،‭ ‬وعندي‭ ‬لك‭ ‬نصيحة‭: ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬طبيب‭ ‬سعودي‭ ‬فلتة‭ ‬اسمه‭ ‬م‭. ‬غ‭. ‬ر‭.‬،‭ (‬أحتفظ‭ ‬باسمه‭ ‬لأنني‭ ‬اعتزم‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬وكيل‭ ‬أعماله‭ ‬أو‭ ‬سكرتيره‭ ‬الخاص‭).‬

هو‭ ‬سيبدأ‭ ‬دراسة‭ ‬الطب‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬وبمشيئة‭ ‬الله‭ ‬سيتخرج‭ ‬بتقدير‭ ‬‮«‬ممتاز‮»‬،‭ ‬ويزاول‭ ‬المهنة‭ ‬ليكون‭ ‬أول‭ ‬طبيب‭ ‬عربي‭ ‬يبدأ‭ ‬فترة‭ ‬الامتياز‭ (‬الاختبار‭ ‬والتمرين‭) ‬وعمره‭ ‬كذا‭ ‬و50‭ ‬سنة‭. ‬وأنا‭ ‬متأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ميم‭ ‬راء‭ ‬هذا‭ ‬سيكون‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬طبيباً‭ ‬ماهراً‭ ‬وحاذقاً‭ ‬لأنه‭ ‬ظل‭ ‬يحلم‭ ‬طوال‭ ‬23‭ ‬سنة‭ ‬بدراسة‭ ‬الطب،‭ ‬بعكس‭ ‬الكثيرين‭ ‬الذين‭ ‬يدرسون‭ ‬الطب‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬رغبة‭ ‬أولياء‭ ‬أمورهم‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬حاز‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬وسنوات‭ ‬فشل‭ ‬صاحبنا‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬القبول‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬ودخل‭ ‬كلية‭ ‬الصيدلة‭ ‬على‭ ‬مضض،‭ ‬وبعد‭ ‬ان‭ ‬قضى‭ ‬فيها‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬أحس‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬راغب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬فتوقف‭ ‬عنها،‭ ‬ودخل‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬مجال‭.......... ‬عليك‭ ‬نور‭: ‬المستشفيات‭ ‬في‭ ‬وظيفة‭ ‬إدارية،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬دليل‭ ‬حب‭ ‬صادق‭ ‬لمهنة‭ ‬الطب‭.‬

وتزوج‭ ‬م‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تجاوز‭ ‬الثلاثين،‭ ‬ولم‭ ‬يتخل‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬‮«‬ضَرَّة‮»‬‭ ‬لزوجته‭ ‬هي‭ ‬بكالوريوس‭ ‬الطب،‭ ‬وسافر‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وقضى‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬هناك،‭ ‬ولكن‭ ‬أحوال‭ ‬البلد‭ ‬المضطربة‭ ‬بعد‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬اضطرته‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬دراسته‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭. ‬ثم‭ ‬جاءه‭ ‬القبول‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬طب‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬لغة‭ ‬التدريس‭ ‬فيها‭ ‬هي‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وحزم‭ ‬محمد‭ ‬أمره‭ ‬وانطلق‭ ‬عملا‭ ‬بالحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭ ‬يطلب‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الصين‭.‬

أجمل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الرائع‭ ‬المدهش‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬أكرمه‭ ‬بزوجة‭ ‬عاقلة‭ ‬ذات‭ ‬مخ‭ ‬‮«‬مفتح‮»‬‭ ‬شجعته‭ ‬على‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬لتحقيق‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬وممارسة‭ ‬الطب‭. ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬له‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬متوقعا‭ ‬من‭ ‬زوجة‭ ‬عربية‭: ‬جنيت‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬رجل؟‭ ‬انخبلت؟‭ ‬أي‭ ‬طب‭ ‬وأي‭ ‬بطيخ‭ ‬وعندك‭ ‬أربعة‭ ‬عيال؟‭ ‬خلَّك‭ ‬في‭ ‬حالك‭ ‬ودبر‭ ‬قوت‭ ‬عيالك‭. ‬أشوف‭ ‬لك‭ ‬مطوع‭ ‬يقرأ‭ ‬لك،‭ ‬ويطفش‭ ‬الشياطين‭ ‬من‭ ‬مخك‭ ‬الضارب‭! ‬حاشاها‭ ‬أنت‭ ‬تقول‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬لزوج‭ ‬تعرف‭ ‬مدى‭ ‬حبه‭ ‬للعلم‭ ‬ومهنة‭ ‬الطب،‭ ‬بل‭ ‬قالت‭ ‬له‭: ‬على‭ ‬بركة‭ ‬الله‭.. ‬والله‭ ‬يوفقك‭ ‬وترجع‭ ‬لنا‭ ‬فالح‭ ‬وناجح‭.. ‬ولكنه‭ ‬قاطعها‭: ‬وش‭ ‬تقصدين‭ ‬أرجع‭ ‬لكم‭.. ‬رجلك‭ ‬في‭ ‬رجلي‭ ‬كلنا‭ ‬نروح‭ ‬الصين،‭ ‬أنا‭ ‬وأنت‭ ‬وعيالي‭ ‬نروح‭ ‬هناك‭ ‬لين‭ ‬أخلص‭ ‬الدراسة‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬المولى،‭ ‬واللي‭ ‬بدو‭ ‬يصير،‭ ‬يصير‭!‬

إذا‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬جهة‭ ‬ترعى‭ ‬الموهوبين‭ ‬والمبدعين‭ ‬فلتضع‭ ‬م‭. ‬ر‭. ‬على‭ ‬رأس‭ ‬قائمتها‭ ‬وتتكفل‭ ‬بنفقات‭ ‬دراسته‭ ‬وإعاشته،‭ ‬فالموهوب‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬صغير‭ ‬السن،‭ ‬ويا‭ ‬ما‭ ‬هناك‭ ‬عباقرة‭ ‬حرمتهم‭ ‬ظروف‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬عمرية‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬إظهار‭ ‬قدراتهم،‭ ‬وأمثال‭ ‬صاحبنا‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬يرفعون‭ ‬الرأس‮»‬‭ ‬ويشرفون‭ ‬بلادهم‭.‬

وليس‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬‮«‬سن‭ ‬يأس‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬سن‭ ‬تقاعد،‭ ‬فالطبيب‭ ‬لا‭ ‬يتقاعد‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحوال‭ ‬إلا‭ ‬بقرار‭ ‬شخصي،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬عندما‭ ‬يحس‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬تصريف‭ ‬أعباء‭ ‬مهنة‭ ‬مرهقة‭ ‬نفسياً‭ ‬وجسدياً‭. ‬وأتمنى‭ ‬يا‭ ‬ميم‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬حتى‭ ‬أكتب‭ ‬عنك‭ ‬يوم‭ ‬تخرجك‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬ظروفي‭ ‬باستقبالك‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬وأنت‭ ‬عائد‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬هاشا‭ ‬باشا‭! ‬أنا‭ ‬واثق‭ ‬من‭ ‬أنك‭ ‬ستتفوق‭ ‬في‭ ‬دراستك‭ ‬لأن‭ ‬دراساتك‭ ‬المتقطعة‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬وتجربتك‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬زودتك‭ ‬بحصيلة‭ ‬طيبة‭ ‬من‭ ‬المعارف‭ ‬الطبية‭ ‬وإذا‭ ‬لجأت‭ ‬إليك‭ ‬كمريض‭ ‬فخل‭ ‬عندك‭ ‬ذوق‭ ‬واعفني‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬الرسوم‭.. ‬أو‭ ‬كلها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا