العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

إنسانيتنا الضائعة!

{‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬والعدوان‭ ‬المستمر،‭ ‬انتبه‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬مُرّة،‭ ‬كلّل‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬بالسواد‭ ‬تمامًا‭! ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجانب‭ ‬الإنساني‭ ‬والجانب‭ ‬الأخلاقي‭ ‬بل‭ ‬والقانوني‭! ‬وقد‭ ‬لخصت‭ ‬‮«‬الأونروا‮»‬‭ ‬ذلك‭ ‬بجملة‭ ‬واحدة‭ ‬مفيدة‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬مسؤولها‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬تلطخ‭ ‬إنسانيتنا‭ ‬المشتركة‮»‬‭!‬

لكأنها‭ ‬حرب‭ ‬وعدوان‭ ‬على‭ ‬الإنسانية،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تضع‭ ‬احتمالاً‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬خيالها،‭ ‬لكل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬البشاعة‭ ‬التي‭ ‬مورست‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬خلال‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬قابلة‭ ‬للزيادة‭! ‬وبدعم‭ ‬أمريكي‭ ‬مطلق‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الذي‭ ‬يُصر‭ ‬قادته‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬شهورا‭ ‬طويلة‭ ‬أخرى،‭ ‬ولكأن‭ ‬الأشهر‭ ‬الأربعة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬فيها‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الشنيعة،‭ ‬والأذى‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬‮«‬الضمير‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬واحتجاجات‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬والمدن،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كافيًا‭ ‬ليدرك‭ ‬الكيان‭ ‬والغرب‭ ‬حجم‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬ارتكابها،‭ ‬فيغير‭ ‬من‭ ‬سياسته‭ ‬ورؤيته‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬سقط‭ ‬عنها‭ ‬كل‭ ‬قناع‭ ‬وكل‭ ‬ورق‭ ‬توت‭! ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬غزة‭ ‬وضعت‭ (‬النظام‭ ‬العالمي‭) ‬على‭ ‬مذبح‭ ‬السقوط‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والإنساني‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وللغرب‭ ‬المتواطئ‭ ‬معه‭ ‬والداعم‭ ‬له‭!‬

{‭ ‬أحد‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بدا‭ ‬وكأنه‭ ‬قد‭ ‬وجد‭ ‬مخرجًا‭ ‬في‭ ‬كلام‭ ‬عنصري‭ ‬مريع‭ ‬قدمه‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬وقادة‭ ‬آخرون‭ ‬معه‭ (‬أن‭ ‬الحل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬ترحيل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬صناعية‭ ‬كوطن‭ ‬بديل‭)! ‬إنه‭ ‬التصور‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ (‬الوطن‭ ‬مشروعًا‭ ‬تجاريًا‭) ‬ومن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أصحاب‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وكأنهم‭ ‬لا‭ ‬صلة‭ ‬لهم‭ ‬بالوطن‭ ‬والوطنية‭! ‬رغم‭ ‬نضال‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬وتضحياته‭ ‬الضخمة‭ ‬منذ‭ ‬75‭ ‬عامًا‭ ‬وآخرها‭ ‬تلك‭ ‬التضحيات‭ ‬الأسطورية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والتي‭ ‬أذهلت‭ ‬العالم‭ ‬كله‭!‬

بل‭ ‬إن‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يتفاخر‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ (‬وراء‭ ‬تعطيل‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬وإنشاء‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬قابلة‭ ‬للبقاء‭ ‬والاستمرار‭) ‬يُضفى‭ ‬على‭ ‬القصة‭ ‬بُعدًا‭ ‬آخر،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬الأحاديث‭ ‬الفارغة‭) ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬وحل‭ ‬الدولتين‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬له،‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬له‭!‬

وبذلك‭ ‬لم‭ ‬يكشف‭ ‬‮«‬الكيان‮»‬‭ ‬والنظام‭ ‬الغربي‭ ‬الداعم‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬طبيعته‭ ‬واهتراء‭ ‬كل‭ ‬مؤسساته‭ ‬ومنظماته‭ ‬الحقوقية‭ ‬والقانونية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والسياسية‭ ‬فقط‭! ‬بل‭ ‬كشف‭ ‬أن‭ ‬حتى‭ (‬الحلول‭ ‬المستقبلية‭) ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬أمام‭ ‬العالم،‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬أكاذيب‭ ‬وخدعة‭ ‬وزيف،‭ ‬وضحك‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬والعالم،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الكيان‭ ‬مدان‭ ‬بـ‭(‬حرب‭ ‬الإبادة‭) ‬مؤخرًا‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭!‬

{‭ ‬هنا‭ ‬يتم‭ ‬تكريس‭ ‬‮«‬الإنسانية‭ ‬الضائعة‮»‬‭ ‬باستمرار‭ ‬العدوان‭ ‬والتدمير‭ ‬والتجويع‭ ‬والتعطيش،‭ ‬وزيادة‭ ‬معدلات‭ ‬الأمراض‭ ‬والأوبئة،‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬طرح‭ (‬المشاريع‭ ‬العدوانية‭) ‬لترحيل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬باعتباره‭ ‬حلاّ‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬له‭ ‬وكأنه‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭! ‬أي‭ ‬خرافة‭ ‬تحكم‭ ‬عقل‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وعقول‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يتواطأ‭ ‬معه‭! ‬وأي‭ ‬إدارة‭ ‬للعبة‭ ‬الهيمنة‭ ‬وتقاسم‭ ‬وتدمير‭ ‬الجغرافيا‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والعربية‭ ‬وتهجير‭ ‬شعوبها‭ ‬ليتم‭ ‬اعتمادها‭ ‬وكأنها‭ ‬باتت‭ ‬منطقًا‭ ‬طبيعيًا‭ ‬يتم‭ ‬تداوله‭ ‬باعتباره‭ ‬حلا؟‭! ‬فيما‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يسعون‭ ‬لحرب‭ ‬شاملة‭ ‬خفية‭ ‬ومعلنة‭ ‬لتوسيع‭ ‬رقعة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬حتى‭ ‬تبدو‭ ‬أن‭ (‬الشهية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الصهيونية‭) ‬قد‭ ‬انفتحت‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لاستكمال‭ ‬سيناريو‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬الأوطان،‭ ‬وبدءًا‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لاستحواذ‭ ‬أشمل‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬فلسطين،‭ ‬وهو‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقي‭ ‬للكيان‭!‬

{‭ ‬إنهم‭ ‬يدوسون‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وعلى‭ ‬المبادئ‭ ‬الدولية،‭ ‬وعلى‭ ‬الحقوق‭ ‬المشروعة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والعربي‭ ‬في‭ ‬أرضه‭! ‬ويدوسون‭ ‬على‭ ‬الإنسانية‭ ‬وكل‭ ‬المعايير‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬ويمارسون‭ ‬الزيف‭ ‬والكذب‭ ‬والخديعة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والدبلوماسية،‭ ‬لكي‭ ‬يحققوا‭ (‬مشاريعهم‭ ‬الاستعمارية‭ ‬العدوانية‭) ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬وعلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭! ‬إنه‭ ‬السقوط‭ ‬المريح‭ ‬للغرب‭ ‬في‭ ‬منظوره‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والإنساني‭ ‬والفكري،‭ ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬على‭ (‬المقاييس‭ ‬العنصرية‭) ‬في‭ ‬استلاب‭ ‬أوطان‭ ‬الشعوب‭ ‬وإبادتها‭ ‬ونهب‭ ‬ثرواتها،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ (‬جغرافيا‭ ‬الأرض‭) ‬وكأنها‭ ‬مزرعة‭ ‬خاصة‭ ‬تم‭ ‬توارثها‭ ‬من‭ ‬أجدادهم‭ ‬أو‭ ‬أسلافهم‭! ‬وفي‭ ‬طريق‭ ‬تحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الرؤية‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬أن‭ ‬يُداس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متعارف‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬وقيم‭! ‬فالشركات‭ ‬‮«‬عابرة‭ ‬الحدود‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬الغرب‭ ‬والعالم،‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬قيمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬إلا‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬الربحية‮»‬‭ ‬والفلسفة‭ ‬المادية‭ ‬الجافة،‭ ‬وتراكم‭ ‬المليارات‭ ‬والتريليونات‭! ‬أما‭ ‬الإنسان‭ ‬والشعوب‭ ‬والأوطان‭ ‬فلا‭ ‬قيمة‭ ‬ولا‭ ‬قدسية‭ ‬لهم‭ ‬جميعًا‭!‬

ولا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬وحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬المستمرة،‭ ‬قد‭ ‬كشفت‭ ‬لكل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬أنها‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬ظل‭ (‬النظام‭ ‬الغربي‭ ‬الاستعماري‭) ‬مرحلة‭ ‬إنسانيتها‭ ‬الضائعة‭ ‬والمداسة‭ ‬بين‭ ‬أرجل‭ ‬الاستعماريين‭! ‬هكذا‭ ‬يصبح‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬إيجاد‭ (‬جزيرة‭ ‬صناعية‭) ‬وطنًا‭ ‬بديلاً‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬أمرًا‭ ‬قابلاً‭ ‬للطرح‭! ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬حل‭ ‬مريح‭ ‬ورائع‭ ‬لهجرة‭ ‬الصهاينة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الجزيرة‭ ‬الصناعية‭ ‬وفلسطين‭ ‬ليست‭ ‬وطنهم،‭ ‬وترك‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬وطنهم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬سرقته‭ ‬1948‭! ‬وفي‭ ‬2023‭ ‬يتم‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬إبادتهم‭ ‬وترحيلهم‭ ‬عبر‭ ‬مخططات‭ ‬عملوا‭ ‬ويعملون‭ ‬على‭ ‬تنفيذها‭! ‬السلام‭ ‬اليوم‭ ‬يكمن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للصهاينة‭ ‬في‭ ‬ترحيل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بعد‭ ‬محاولات‭ ‬إبادته‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا