عالم يتغير
فوزية رشيد
إنسانيتنا الضائعة!
{ بعد الحرب على غزة والعدوان المستمر، انتبه العالم كله على حقيقة مُرّة، كلّل «النظام العالمي» بالسواد تمامًا! خاصة فيما يتعلق بالجانب الإنساني والجانب الأخلاقي بل والقانوني! وقد لخصت «الأونروا» ذلك بجملة واحدة مفيدة حين قال مسؤولها «الحرب الدائرة منذ أكثر من 100 يوم في غزة تلطخ إنسانيتنا المشتركة»!
لكأنها حرب وعدوان على الإنسانية، التي لم تضع احتمالاً حتى في خيالها، لكل مثل هذه البشاعة التي مورست في حرب الإبادة خلال أربعة أشهر قابلة للزيادة! وبدعم أمريكي مطلق للكيان الصهيوني، الذي يُصر قادته على استمرار الحرب شهورا طويلة أخرى، ولكأن الأشهر الأربعة التي جرت فيها جرائم الحرب الشنيعة، والأذى الكبير الذي أصاب «الضمير العالمي» واحتجاجات الدول والشعوب في العواصم والمدن، كل ذلك لم يكن كافيًا ليدرك الكيان والغرب حجم الجرائم التي تم ارتكابها، فيغير من سياسته ورؤيته الاستعمارية التي سقط عنها كل قناع وكل ورق توت! وهو لا يدرك أيضًا أن غزة وضعت (النظام العالمي) على مذبح السقوط الأخلاقي والإنساني للكيان الصهيوني وللغرب المتواطئ معه والداعم له!
{ أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي بدا وكأنه قد وجد مخرجًا في كلام عنصري مريع قدمه «نتنياهو» وقادة آخرون معه (أن الحل يكمن في ترحيل الفلسطينيين إلى جزيرة صناعية كوطن بديل)! إنه التصور الذي يجعل من (الوطن مشروعًا تجاريًا) ومن الفلسطينيين أصحاب الأرض الفلسطينية، وكأنهم لا صلة لهم بالوطن والوطنية! رغم نضال هذا الشعب وتضحياته الضخمة منذ 75 عامًا وآخرها تلك التضحيات الأسطورية في غزة والتي أذهلت العالم كله!
بل إن «نتنياهو» وهو يتفاخر مؤخرًا بأنه كان (وراء تعطيل حل الدولتين وإنشاء دولة فلسطينية قابلة للبقاء والاستمرار) يُضفى على القصة بُعدًا آخر، وأن كل الأحاديث الفارغة) عن السلام وحل الدولتين لا أساس له، ولا قيمة له!
وبذلك لم يكشف «الكيان» والنظام الغربي الداعم له عن طبيعته واهتراء كل مؤسساته ومنظماته الحقوقية والقانونية والإنسانية والسياسية فقط! بل كشف أن حتى (الحلول المستقبلية) التي يطرحها أمام العالم، هي مجرد أكاذيب وخدعة وزيف، وضحك على العرب والعالم، رغم أن الكيان مدان بـ(حرب الإبادة) مؤخرًا في محكمة العدل الدولية!
{ هنا يتم تكريس «الإنسانية الضائعة» باستمرار العدوان والتدمير والتجويع والتعطيش، وزيادة معدلات الأمراض والأوبئة، بالتوازي مع استمرار طرح (المشاريع العدوانية) لترحيل الفلسطينيين من أرضهم باعتباره حلاّ على دول العالم أن تنظر له وكأنه أمر طبيعي! أي خرافة تحكم عقل هذا الكيان الصهيوني وعقول كل من يتواطأ معه! وأي إدارة للعبة الهيمنة وتقاسم وتدمير الجغرافيا الفلسطينية والعربية وتهجير شعوبها ليتم اعتمادها وكأنها باتت منطقًا طبيعيًا يتم تداوله باعتباره حلا؟! فيما هم من جهة أخرى يسعون لحرب شاملة خفية ومعلنة لتوسيع رقعة الكيان الصهيوني، حتى تبدو أن (الشهية الاستعمارية الصهيونية) قد انفتحت من جديد، لاستكمال سيناريو الاستحواذ على الأوطان، وبدءًا من جديد لاستحواذ أشمل على كامل فلسطين، وهو الهدف الحقيقي للكيان!
{ إنهم يدوسون على القانون الدولي، وعلى المبادئ الدولية، وعلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والعربي في أرضه! ويدوسون على الإنسانية وكل المعايير الأخلاقية، ويمارسون الزيف والكذب والخديعة في السياسة والدبلوماسية، لكي يحققوا (مشاريعهم الاستعمارية العدوانية) على فلسطين وعلى العديد من دول المنطقة العربية! إنه السقوط المريح للغرب في منظوره الأخلاقي والإنساني والفكري، الذي أسسه منذ زمن طويل على (المقاييس العنصرية) في استلاب أوطان الشعوب وإبادتها ونهب ثرواتها، والتعامل مع (جغرافيا الأرض) وكأنها مزرعة خاصة تم توارثها من أجدادهم أو أسلافهم! وفي طريق تحقيق تلك الرؤية لا بأس أن يُداس كل ما هو متعارف عليه في البشرية من مبادئ وقيم! فالشركات «عابرة الحدود» التي تحكم الغرب والعالم، لا ترى قيمة في هذا العالم إلا حيث «الربحية» والفلسفة المادية الجافة، وتراكم المليارات والتريليونات! أما الإنسان والشعوب والأوطان فلا قيمة ولا قدسية لهم جميعًا!
ولا عجب أن «العدوان على غزة» وحرب الإبادة المستمرة، قد كشفت لكل شعوب العالم أنها تعيش في ظل (النظام الغربي الاستعماري) مرحلة إنسانيتها الضائعة والمداسة بين أرجل الاستعماريين! هكذا يصبح بالنسبة لهم إيجاد (جزيرة صناعية) وطنًا بديلاً للفلسطينيين أمرًا قابلاً للطرح! بينما هو حل مريح ورائع لهجرة الصهاينة إلى تلك الجزيرة الصناعية وفلسطين ليست وطنهم، وترك الفلسطينيين في وطنهم الذي تم سرقته 1948! وفي 2023 يتم التفكير في إبادتهم وترحيلهم عبر مخططات عملوا ويعملون على تنفيذها! السلام اليوم يكمن بالنسبة للصهاينة في ترحيل الشعب الفلسطيني بعد محاولات إبادته!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك