زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن بركاتي المكتسبة والموروثة
كتبت قبل سنوات عن عشبة قام لبنانيون بتسويقها بزعم انها تقوم مقام الحبة الزرقاء، وكان دليلهم على ذلك ان رعاة الضأن في مناطق في جنوب البلاد اكتشفوا فعالية تلك النبتة واسمها شرش الزلوع مع التيوس، وبهذا قال من تولوا الترويج لتلك النبتة ان بني البشر أولى من الغنم والبقر بتلك النبتة، التي لم يكتب لها الرواج، وإلا لطلع علينا البعض بزعم ان أكل التِبِن يطيل الشعر والعمر.
في السودان، وبفضل من الله، لدينا عشبة اسمها المورينقا التي يقال إنها تعالج 360 نوعا من الأمراض، وما زال العشابون عندنا يبذلون الجهد والوقت لاختراع امراض يستكملون بها القائمة تلك، بعد أن نبشوا في الموسوعات الطبية ولم يجدوا فيها أكثر من 100 مرض، وعلينا تقديم الدعوة لمواطنين من جميع دول العرب، لحضور ندوة عن إنجازات السودان في مجال الاستغناء عن الطب الحديث، وإقناعهم بأن المورينقا تخفض الكولسترول وتقوم مقام الديتول، بل وبديل مضمون المفعول للبترول، وتجعل الطفل ابن الستة شهور في حجم أبو الهول
وبالمناسبة فقد تداويت في طفولتي وصباي بنبتات الحرجل والحلبة والسنمكة، وعندما تعرضت لكسر في العظام صنعوا لي جبيرة من جريد النخل، فكانت النتيجة أفضل من «الجبس»، ولكن الأعلاف التي كنا نتداوى بها مجربة عبر القرون، ولم تكن هناك فهلوة تجعل كل من هب ودب يعمل فيها «حكيم وبصير»، ويبيع الحشائش عبر منافذ أنيقة، وأذكر كيف أنه وقبل الانتشار الوبائي للبلطجة العشبية، أن سودانيا زعم في التسعينات أنه توصل الى ان للبرسيم نفس خصائص الحبة الزرقاء، وصدقه كثيرون، وضايقوا المواشي في قوتها، ثم اقتنعوا عن تجربة، بأن البرسيم (الجت) يجعل الرجل «بهيم وعقيم»!! وعن تجربة أعيد هنا ما سبق أن كتبت عنه كثيرا، من أن أفضل علاج للسعال الديكي هو لبن الحمير!! لبن أنثى الحمار بالتحديد! فقد عالجني أهلي من ذلك المرض اللعين بأن سقوني لبن حمارة جربانة ليومين متتاليين فشفيت تمامًا، ولكن ومن يومها لم أنجح في حل أي مسألة رياضيات، مما يؤكد أن لبن الحمير يحصن الإنسان ضد الرياضيات عموما والجبر خصوصا، وبالتالي ضد الفيزياء والكيمياء وما إلى ذلك من مواد تسبب بواسير الدماغ، وتصلُّب النخاع. وأفاد شهود عيان أن كاتب هذه السطور كان مصابا في طفولته بالتهاب حاد في إحدى أذنيه لأشهر طويلة، وبفضل الوصفات العجيبة، ومن بينها صب الزيت الدافئ المخلوط بالعطرون (الكربونات الحجرية) في الأذن المصابة، بدأت الأذن في إطلاق الحمم حتى أصبحت خطرا على البيئة والجيوب الأنفية، ثم كنت أداعب قطة صغيرة، وأمسكت بقدمها الأمامية وبدأت في حك أذني الملتهبة بمخالبها، حتى نزفت دما وأشياء أخرى لا داعي لذكرها. وشفيت أذني تماما.
أي والله هذا ما يؤكده الأهل والجيران. ومنذ يومها اعتبرني الأهل والجيران من أصحاب الكرامات، ويقال إن المحرومات من الإنجاب كن يقدمن لي الحلوى، ويتمسحن بي طلبا للمعجزات، وإن كل من فعلت ذلك تطلقت من زوجها، أو فقدت الأمل في الإنجاب نهائيًا. وما عزز مكانتي الإعجازية والكرامية والبركاتية، أن أجدادي كانوا فقهاء، ويداوون الناس بالقرآن، وإلى يومنا هذا هناك من يقسمون بقبور أجدادي، ويقدمون إليها النذور، وافترضت تلك الجماهير الوفية أنني «مبروك» بالوراثة ولكنها صدمت عندما التحقت بالمدارس النظامية ثم قررت دخول الجامعة فأشاعوا أنني أصبحت «شيوعيا ملعونا» وجردوني من كل الكرامات والبركات.
وقد قررت الآن مراجعة موقفي، واسترداد بركاتي الوراثية، وسجادة أجدادي، بعد أن اكتشفت أن السوق بحاجة إلى أمثالي من الذين يجمعون بين عنصري الوراثة والدراسة، للعمل في مجال الطب والصيدلة وإعداد «العمل» لكل حالة، وتحصين أندية كرة القدم من الهزيمة باستخدام عنصري الوراثة والانترنت، مما سيضفي علي هيبة إضافية، ويؤهلني لأكون دجالا عصريا يرتدي الجاكيت والكرافتة، ويتحدث عن الجن و«السوفت وير» والضب الأعور و«الماوس»، وترقبوا قريبا إعلانا تلفزيونيا «مستوصف سي. دي. جعفر عباس، لعلاج عسر الهضم والنعاس، وحسم الوسواس الخناس».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك