زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
التنبلة باسم الديمقراطية
قدمت نفسي للقراء أكثر من مرة كمفكر سياسي، وصاحب نظريات سياسية، ولكن وكما قال أبو الفرج بن الجوزي: عذيري من فتية بالعراق / قلوبهم بالجفا قُلَّبُ/ يرون العجيب كلام الغريب/ وقول القريب فلا يعجب/ وعذرهم عند توبيخهم / مغنية الحي ما تطرب، ومن ثم تجاهل العرب نظرياتي واختار بعضهم النظريات المستوردة، ومع هذا فبسبب الأمية السياسية، الناتجة عن التهميش، فإن الكثير من المواطنين العرب لا يعرفون كيف تعمل الأنظمة الديمقراطية، وبوصفي خبيراً أجنبياً (اكتسبت هذا اللقب بعد أن توسلت لي الحكومة البريطانية كي اعمل في تلفزيون بي بي سي، وجبرت خاطرها وعملت في بي بي سي، وبما أنني كنت أجنبيا في بريطانيا فقد كان من حقي أن أحمل لقب خبير، وهذا أمر يستغرب له العرب الذين يحسبون أن الخبير يا أبيض يا مفيش).
المهم أنني كخبير أجنبي، عاش في لندن، سنين عددا، وزار ركن الخطباء (سبيكرز كورنر) في حديقة هايدبارك، وتسنى لي ممارسة حرية شتم اللي في بالي دون خوف من الملاحقة، فإنني أرى أن واجبي يحتم علي أن أشرح للعرب الآلية التي تعمل بها الحكومات المنتخبة: هناك في معظم الأحوال غرفتان للبرلمان إحداهما غرفة جلوس (مجلس النواب) ويتم فيها مناقشة كل مشروع قانون واقتراح، وتقييم أداء الحكومة وشرشحة الوزراء، وهناك غرفة نوم يجلس بداخلها عواجيز السياسة ليعرقلوا عمل برلمان غرفة الجلوس، وتكون العرقلة غير متعمدة.
وغرفة النوم البرلمانية قد يكون اسمها مجلس الشيوخ أو مجلس اللوردات كما هو الحال في بريطانيا، ومجلس اللوردات هذا يتألف بصورة أساسية من عدد من التنابلة الذين يشاركون في الجلسات للاستمتاع بالنوم، وهناك لورد بريطاني قضى في هذا المجلس 33 سنة دون أن يفتح فمه ولو مرة واحدة خلال الجلسات، ولدينا في السودان قيادات طائفية متنفذة يعتقد العوام والانتهازيون من النخبة المتعلمة أنهم يشعّون بركة، وأن لمسة أو نظرة منهم تشفي العليل والغليل، أما إذا تواضعوا وتفلوا - أي بصقوا - عليك فإن ذلك يحصنك ضد الأمراض الجلدية والتناسلية!! وكانت هناك سيدة مصرية تقيم في العاصمة السودانية لأنها متزوجة بسوداني، وكان البعل مقرباً إلى أحد هؤلاء «الأسياد»، وبعد أن ترملت السيدة المصرية تعرض ابنها للاعتقال، لاختلاسه مبلغاً من المال، فلجأت إلى «السيد السند والقطب الأحد» راجية منه التدخل لإطلاق سراح ابنها الحرامي وإسقاط التهمة عنه، وكان «سيدي» جالساً وحوله أتباعه المترهلين، فأراد أن يضحك على عقلها أو كما يقول المصريون «يأكل بعقلها حلاوة» فاستمع إلى طلبها ثم رفع يده قائلاً: الفاتحة.. ولكنها عاجلته بقولها: لا يا سيدي.. التلفون! يعني أرفع سماعة التلفون وتحدث مع ذوي الشأن في أمر الإفراج عن ولدي! فضحك «سيدي» - ربما لأنه كان يدرك أنه مستهبل - وأجرى اتصالات هاتفية ووعدها خيراً، فانشرح صدر الأم الحزينة وقالت له بكل حسن نية: والنبي يا سيدي لو طلع أبني من المشكلة دية أدبح سبع خرفان وأبحبحك أنت والتنابلة بتوعك دول (مشيرة إلى من كانوا يجلسون حوله)!
ذات يوم جاء الدور على مجلس اللوردات البريطاني لمناقشة قانون يتعلق بالأجنة، وما باتت تخضع له من تلاعب باسم البحث العلمي، ووقف اللورد هَنت أمام المجلس ليقول كلاماً علمياً مركزاً يشرح به إبعاد المسألة، وكان على القس ريتشارد هاريس أسقف أوكسفورد أن يُعقب على كلام هنت، وجاء دوره فتلفت اللوردات باحثين عنه وفوجئوا بأنه نائم نوم العوافي، ولم يكن من اللائق إيقاظ رجل في مكانته لمناقشة موضوع تافه، بل واكتشف الصحفيون أن أكثر من ثلثي أعضاء المجلس كانوا نائمين، ولا يعود ذلك فقط لأن اللورد هنت كان متحدثا مملا، ولكن لكون التنابلة اعتادوا على النوم في الكراسي للدفاع عن حقوقهم المتوارثة، ويقال إنه وفي خلال جلسة لمجلس اللوردات هذا كان هناك متحدث سخيف جهوري الصوت يقطع النوم على التنابلة بصياحه وانفعالاته، فقام لورد نزق من الصفوف الخلفية بإلقاء زجاجة في اتجاه المتحدث، ولكن الزجاجة أخطأته وضربت لورداً عجوزاً على رأسه فسقط أرضاً ثم صاح: أضربني مرة أخرى لأنني ما زلت أسمعه!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك