العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

التنبلة باسم الديمقراطية

قدمت‭ ‬نفسي‭ ‬للقراء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬كمفكر‭ ‬سياسي،‭ ‬وصاحب‭ ‬نظريات‭ ‬سياسية،‭ ‬ولكن‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬أبو‭ ‬الفرج‭ ‬بن‭ ‬الجوزي‭: ‬عذيري‭ ‬من‭ ‬فتية‭ ‬بالعراق‭ / ‬قلوبهم‭ ‬بالجفا‭ ‬قُلَّبُ‭/ ‬يرون‭ ‬العجيب‭ ‬كلام‭ ‬الغريب‭/ ‬وقول‭ ‬القريب‭ ‬فلا‭ ‬يعجب‭/ ‬وعذرهم‭ ‬عند‭ ‬توبيخهم‭ / ‬مغنية‭ ‬الحي‭ ‬ما‭ ‬تطرب،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تجاهل‭ ‬العرب‭ ‬نظرياتي‭ ‬واختار‭ ‬بعضهم‭ ‬النظريات‭ ‬المستوردة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فبسبب‭ ‬الأمية‭ ‬السياسية،‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬التهميش،‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬كيف‭ ‬تعمل‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وبوصفي‭ ‬خبيراً‭ ‬أجنبياً‭ (‬اكتسبت‭ ‬هذا‭ ‬اللقب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬توسلت‭ ‬لي‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬كي‭ ‬اعمل‭ ‬في‭ ‬تلفزيون‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬وجبرت‭ ‬خاطرها‭ ‬وعملت‭ ‬في‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬وبما‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أجنبيا‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حقي‭ ‬أن‭ ‬أحمل‭ ‬لقب‭ ‬خبير،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬يستغرب‭ ‬له‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يحسبون‭ ‬أن‭ ‬الخبير‭ ‬يا‭ ‬أبيض‭ ‬يا‭ ‬مفيش‭).‬

المهم‭ ‬أنني‭ ‬كخبير‭ ‬أجنبي،‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬سنين‭ ‬عددا،‭ ‬وزار‭ ‬ركن‭ ‬الخطباء‭ (‬سبيكرز‭ ‬كورنر‭) ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬هايدبارك،‭ ‬وتسنى‭ ‬لي‭ ‬ممارسة‭ ‬حرية‭ ‬شتم‭ ‬اللي‭ ‬في‭ ‬بالي‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬الملاحقة،‭ ‬فإنني‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬واجبي‭ ‬يحتم‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أشرح‭ ‬للعرب‭ ‬الآلية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بها‭ ‬الحكومات‭ ‬المنتخبة‭: ‬هناك‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحوال‭ ‬غرفتان‭ ‬للبرلمان‭ ‬إحداهما‭ ‬غرفة‭ ‬جلوس‭ (‬مجلس‭ ‬النواب‭) ‬ويتم‭ ‬فيها‭ ‬مناقشة‭ ‬كل‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬واقتراح،‭ ‬وتقييم‭ ‬أداء‭ ‬الحكومة‭ ‬وشرشحة‭ ‬الوزراء،‭ ‬وهناك‭ ‬غرفة‭ ‬نوم‭ ‬يجلس‭ ‬بداخلها‭ ‬عواجيز‭ ‬السياسة‭ ‬ليعرقلوا‭ ‬عمل‭ ‬برلمان‭ ‬غرفة‭ ‬الجلوس،‭ ‬وتكون‭ ‬العرقلة‭ ‬غير‭ ‬متعمدة‭.‬

وغرفة‭ ‬النوم‭ ‬البرلمانية‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬اسمها‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬أو‭ ‬مجلس‭ ‬اللوردات‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬ومجلس‭ ‬اللوردات‭ ‬هذا‭ ‬يتألف‭ ‬بصورة‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التنابلة‭ ‬الذين‭ ‬يشاركون‭ ‬في‭ ‬الجلسات‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بالنوم،‭ ‬وهناك‭ ‬لورد‭ ‬بريطاني‭ ‬قضى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬33‭ ‬سنة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬فمه‭ ‬ولو‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬خلال‭ ‬الجلسات،‭ ‬ولدينا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬قيادات‭ ‬طائفية‭ ‬متنفذة‭ ‬يعتقد‭ ‬العوام‭ ‬والانتهازيون‭ ‬من‭ ‬النخبة‭ ‬المتعلمة‭ ‬أنهم‭ ‬يشعّون‭ ‬بركة،‭ ‬وأن‭ ‬لمسة‭ ‬أو‭ ‬نظرة‭ ‬منهم‭ ‬تشفي‭ ‬العليل‭ ‬والغليل،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬تواضعوا‭ ‬وتفلوا‭ - ‬أي‭ ‬بصقوا‭ - ‬عليك‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يحصنك‭ ‬ضد‭ ‬الأمراض‭ ‬الجلدية‭ ‬والتناسلية‭!! ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬سيدة‭ ‬مصرية‭ ‬تقيم‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬السودانية‭ ‬لأنها‭ ‬متزوجة‭ ‬بسوداني،‭ ‬وكان‭ ‬البعل‭ ‬مقرباً‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬هؤلاء‭ ‬‮«‬الأسياد‮»‬،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬ترملت‭ ‬السيدة‭ ‬المصرية‭ ‬تعرض‭ ‬ابنها‭ ‬للاعتقال،‭ ‬لاختلاسه‭ ‬مبلغاً‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬فلجأت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬السيد‭ ‬السند‭ ‬والقطب‭ ‬الأحد‮»‬‭ ‬راجية‭ ‬منه‭ ‬التدخل‭ ‬لإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬ابنها‭ ‬الحرامي‭ ‬وإسقاط‭ ‬التهمة‭ ‬عنه،‭ ‬وكان‭ ‬‮«‬سيدي‮»‬‭ ‬جالساً‭ ‬وحوله‭ ‬أتباعه‭ ‬المترهلين،‭ ‬فأراد‭ ‬أن‭ ‬يضحك‭ ‬على‭ ‬عقلها‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المصريون‭ ‬‮«‬يأكل‭ ‬بعقلها‭ ‬حلاوة‮»‬‭ ‬فاستمع‭ ‬إلى‭ ‬طلبها‭ ‬ثم‭ ‬رفع‭ ‬يده‭ ‬قائلاً‭: ‬الفاتحة‭.. ‬ولكنها‭ ‬عاجلته‭ ‬بقولها‭: ‬لا‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭.. ‬التلفون‭! ‬يعني‭ ‬أرفع‭ ‬سماعة‭ ‬التلفون‭ ‬وتحدث‭ ‬مع‭ ‬ذوي‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬ولدي‭!  ‬فضحك‭ ‬‮«‬سيدي‮»‬‭ - ‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬مستهبل‭ - ‬وأجرى‭ ‬اتصالات‭ ‬هاتفية‭ ‬ووعدها‭ ‬خيراً،‭ ‬فانشرح‭ ‬صدر‭ ‬الأم‭ ‬الحزينة‭ ‬وقالت‭ ‬له‭ ‬بكل‭ ‬حسن‭ ‬نية‭: ‬والنبي‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭ ‬لو‭ ‬طلع‭ ‬أبني‭ ‬من‭ ‬المشكلة‭ ‬دية‭ ‬أدبح‭ ‬سبع‭ ‬خرفان‭ ‬وأبحبحك‭ ‬أنت‭ ‬والتنابلة‭ ‬بتوعك‭ ‬دول‭ (‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬يجلسون‭ ‬حوله‭)!‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬جاء‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬اللوردات‭ ‬البريطاني‭ ‬لمناقشة‭ ‬قانون‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأجنة،‭ ‬وما‭ ‬باتت‭ ‬تخضع‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تلاعب‭ ‬باسم‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬ووقف‭ ‬اللورد‭ ‬هَنت‭ ‬أمام‭ ‬المجلس‭ ‬ليقول‭ ‬كلاماً‭ ‬علمياً‭ ‬مركزاً‭ ‬يشرح‭ ‬به‭ ‬إبعاد‭ ‬المسألة،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬القس‭ ‬ريتشارد‭ ‬هاريس‭ ‬أسقف‭ ‬أوكسفورد‭ ‬أن‭ ‬يُعقب‭ ‬على‭ ‬كلام‭ ‬هنت،‭ ‬وجاء‭ ‬دوره‭ ‬فتلفت‭ ‬اللوردات‭ ‬باحثين‭ ‬عنه‭ ‬وفوجئوا‭ ‬بأنه‭ ‬نائم‭ ‬نوم‭ ‬العوافي،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬اللائق‭ ‬إيقاظ‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬مكانته‭ ‬لمناقشة‭ ‬موضوع‭ ‬تافه،‭ ‬بل‭ ‬واكتشف‭ ‬الصحفيون‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلثي‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬كانوا‭ ‬نائمين،‭ ‬ولا‭ ‬يعود‭ ‬ذلك‭ ‬فقط‭ ‬لأن‭ ‬اللورد‭ ‬هنت‭ ‬كان‭  ‬متحدثا‭ ‬مملا،‭ ‬ولكن‭ ‬لكون‭ ‬التنابلة‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬النوم‭ ‬في‭ ‬الكراسي‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم‭ ‬المتوارثة،‭ ‬ويقال‭ ‬إنه‭ ‬وفي‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬لمجلس‭ ‬اللوردات‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬متحدث‭ ‬سخيف‭ ‬جهوري‭ ‬الصوت‭ ‬يقطع‭ ‬النوم‭ ‬على‭ ‬التنابلة‭ ‬بصياحه‭ ‬وانفعالاته،‭ ‬فقام‭ ‬لورد‭ ‬نزق‭ ‬من‭ ‬الصفوف‭ ‬الخلفية‭ ‬بإلقاء‭ ‬زجاجة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬المتحدث،‭ ‬ولكن‭ ‬الزجاجة‭ ‬أخطأته‭ ‬وضربت‭ ‬لورداً‭ ‬عجوزاً‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬فسقط‭ ‬أرضاً‭ ‬ثم‭ ‬صاح‭: ‬أضربني‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لأنني‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬أسمعه‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا