العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

محكمة العدل والعدالة المنتظرة!

{‭ ‬تبدأ‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬اليوم‭ ‬الخميس‭ (‬11‭ ‬يناير‭ ‬ويوم‭ ‬غد‭)‬،‭ ‬بمناقشة‭ ‬الدعوى‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ضدّ‭ ‬‮«‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬بتهمة‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ (‬إبادة‭ ‬جماعية‭) ‬ضدّ‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬مدعمة‭ ‬بالوثائق‭ ‬في‭ (‬84‭ ‬صفحة‭) ‬تُقدّم‭ ‬فيها‭ ‬دلائل‭ ‬الإدانة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬عضوان‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬هما‭ ‬ملزمتان‭ ‬بالنظام‭ ‬الأساسي‭ ‬للمحكمة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ (‬المادة‭ ‬36‭) ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬اختصاص‭ ‬المحكمة‭ ‬يشمل‭ ‬جميع‭ ‬المسائل‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬خصيصًا‭ ‬في‭ ‬المعاهدات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬النافذة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أن‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬طرفان‭ ‬في‭ (‬اتفاقية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭) ‬التي‭ ‬وقع‭ ‬عليها‭ ‬الكيان‭ ‬1949،‭ ‬وهي‭ ‬الاتفاقية‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬حيزّ‭ ‬التنفيذ‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬1951‭.‬

{‭ ‬إن‭ ‬المرافعة‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ (‬الدلائل‭ ‬القاطعة‭) ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وجريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وبما‭ ‬شاهده‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬وثارت‭ ‬شعوبه‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الكيان‭ ‬نفسه‭ ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب،‭ ‬ضدّ‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم،‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬الحصار‭ ‬وحرمان‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬الدواء‭ ‬والغذاء‭ ‬والماء‭ ‬والوقود،‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬القتل‭ ‬المتعمد‭ ‬لمدنيين‭ ‬والأطفال‭ ‬والرضع،‭ ‬وهدم‭ ‬البيوت‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬ساكنيها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬جرائم‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬تدمير‭ ‬المستشفيات‭ ‬وقصفها،‭ ‬وقتل‭ ‬النازحين‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬حيث‭ ‬بقي‭ (‬14‭) ‬مستشفى‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ (‬36‭) ‬وتعمل‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬صعبة‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬المستلزمات‭ ‬والدواء‭ ‬ومواد‭ ‬التخدير،‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬تم‭ ‬بتر‭ ‬أطرافهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تخدير‭ ‬إلى‭ ‬1000‭ ‬طفل‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023‭!‬

وأصبح‭ ‬القطاع‭ ‬ككل‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للعيش‭ ‬بسبب‭ ‬التدمير‭ ‬والقصف‭ ‬الهمجي،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬حياة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ (‬2‭ ‬مليون‭) ‬شخص‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬غزة،‭ ‬بين‭ ‬الموت‭ ‬قصفًا‭ ‬أو‭ ‬مرضًا‭ ‬بسبب‭ ‬الأوبئة‭ ‬ونقص‭ ‬العلاج،‭ ‬أو‭ ‬الموت‭ ‬جوعًا‭! ‬وكثيرة‭ ‬هي‭ ‬المآسي‭ ‬التي‭ ‬عايشها‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الـ‭ (‬100‭ ‬يوم‭) ‬من‭ ‬الوحشية‭ ‬المفرطة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬تاريخ‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لها‭ ‬مثيلا‭! ‬بل‭ ‬ويعجز‭ ‬اللسان‭ ‬عن‭ ‬وصفها‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬كشفت‭ ‬الغياب‭ ‬الحقيقي‭ ‬للعدالة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أمام‭ ‬تواطؤ‭ ‬‮«‬دول‭ ‬الفيتو‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬مثل‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وغياب‭ ‬دور‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬والأممية‭ ‬سواء‭ (‬الحقوقية‭ ‬أو‭ ‬الإنسانية‭ ‬أو‭ ‬القانونية‭) ‬تجعل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬كلها‭ ‬تنشد‭ ‬العدالة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬والعقاب،‭ ‬لهذا‭ ‬الكيان‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ (‬منطق‭ ‬القوة‭ ‬والفيتو‭ ‬الأمريكي‭) ‬فوق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭! ‬ليرتكب‭ ‬أفظع‭ ‬المجازر‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬وحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬والتطهير‭ ‬العِرقي‭ ‬والدفع‭ ‬نحو‭ ‬التهجير،‭ ‬الذي‭ ‬أفشله‭ ‬الصمود‭ ‬الأسطوري‭ ‬لأهل‭ ‬غزة‭ ‬رغم‭ ‬الكوارث‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بهم‭ ‬وقائمتها‭ ‬طويلة،‭ ‬مما‭ ‬تم‭ ‬تقديم‭ ‬حيثياتها‭ ‬في‭ ‬الدعوى‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭!‬

{‭ ‬هذه‭ ‬الدعوى‭ ‬المقدمة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬بدعم‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والبرلمانية‭ ‬والإنسانية‭ (‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والدولية‭) ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تقاعس‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬والجامعة‭ ‬العربية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬عن‭ ‬تقديمها‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬فشل‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لإيقاف‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة‭! ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬المساعدات‭ ‬الطبية‭ ‬والغذائية‭ ‬الضرورية‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬معبر‭ ‬رفح،‭ ‬إلا‭ ‬القليل‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬السماح‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الصهيوني‭ ‬لاحقًا‭ ‬تحت‭ ‬الضغوط‭ ‬الشعبية‭ ‬العالمية‭!‬

{‭ ‬ولعل‭ ‬سؤالاً‭ ‬مهما‭ ‬يلاحق‭ ‬الجميع‭: ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تتقدم‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬إسلامية‭ ‬لرفع‭ ‬دعوى‭ ‬مماثلة‭ ‬سابقًا‭ ‬ضد‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬‮«‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬ونحن‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬العدوان،‭ ‬ومشهد‭ ‬الكارثة‭ ‬يتجلى‭ ‬أمام‭ ‬الأنظار‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة؟‭! ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬مشاركة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الدعوى‭ ‬أو‭ ‬الانضمام‭ ‬إليها‭ ‬ضدّ‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬مستمرة‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬أيضًا؟‭!‬

ولماذا‭ ‬تقاعست‭ ‬المنظمات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والبرلمانات‭ ‬العربية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والقانونية‭ ‬عن‭ ‬المشاركة،‭ ‬فيما‭ ‬شارك‭ ‬كمثال‭ (‬100‭ ‬محام‭) ‬من‭ ‬تشيلي‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬دعوى‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا؟‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬العدالة‭ ‬المفقودة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بسبب‭ ‬جور‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الاستعماري‭ ‬الغربي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬كرسّ‭ (‬منطق‭ ‬القوة‭) ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬مستباحًا‭!‬،‭ ‬ومثله‭ ‬أثبتت‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬العالمية‭ ‬والأممية،‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ (‬واجهات‭ ‬مسيسة‭ ‬لمن‭ ‬يملك‭ ‬سطوة‭ ‬القوة‭ ‬والسيطرة‭) ‬جعل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬أمام‭ ‬مشهد‭ ‬الكارثة‭ ‬بل‭ ‬والكوارث‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬عالمًا‭ ‬مصابًا‭ ‬بالخواء‭ ‬والفوضى‭ ‬والسوداوية‭! ‬فيما‭ ‬النفاق‭ ‬الأمريكي‭ ‬والغربي‭ ‬عبر‭ ‬التصريحات‭ ‬الزائفة‭ ‬يملأ‭ ‬مسامع‭ ‬العالم،‭ ‬ولكأن‭ (‬النفاق‭ ‬السياسي‭ ‬والإنساني‭)‬،‭ ‬أصبح‭ ‬لعبة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬العالمية‭ ‬المهترئة‭!‬

{‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬وبعد‭ ‬سقوط‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬العالمية،‭ ‬ستتجه‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ (‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭) ‬لتثبت‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬مصداقية‭ ‬وجودها‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ضدّ‭ ‬أهل‭ ‬غزة،‭ ‬موثقة‭ ‬بالصور‭ ‬والفيديوهات‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬وعبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬وحرّكت‭ ‬شعوبٌ‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ضميرها،‭ ‬وبقي‭ ‬خيط‭ ‬أمل‭ ‬للعدالة‭ ‬معلقًا‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة،‭ ‬وكيفية‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬الدلائل‭ ‬الموثقة‭ ‬في‭ ‬الدعوى‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭! ‬لعل‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمون‭ ‬يدركون‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬صحوة‭ ‬كم‭ ‬هو‭ ‬التقصير‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬الأبواب‭ ‬المتاحة‭ ‬والدعوى‭ ‬لمحكمة‭ ‬العدل‭ ‬أحدها،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬يطرقوها‭! ‬فيما‭ ‬غضب‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬الغربي‭ ‬منه‭ ‬يتصاعد‭ ‬ويتفاعل‭ ‬ضدّ‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا