عالم يتغير
فوزية رشيد
محكمة العدل والعدالة المنتظرة!
{ تبدأ محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة اليوم الخميس (11 يناير ويوم غد)، بمناقشة الدعوى المقدمة من دولة جنوب إفريقيا ضدّ «الاحتلال الإسرائيلي» بتهمة ارتكاب جريمة (إبادة جماعية) ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة، مدعمة بالوثائق في (84 صفحة) تُقدّم فيها دلائل الإدانة، خاصة أن جنوب إفريقيا والكيان الصهيوني عضوان في الأمم المتحدة، وبالتالي هما ملزمتان بالنظام الأساسي للمحكمة، بما في ذلك (المادة 36) التي تنص على أن اختصاص المحكمة يشمل جميع المسائل المنصوص عليها خصيصًا في المعاهدات والاتفاقيات النافذة، إلى جانب أن جنوب إفريقيا والكيان الصهيوني طرفان في (اتفاقية الإبادة الجماعية) التي وقع عليها الكيان 1949، وهي الاتفاقية التي دخلت حيزّ التنفيذ في يناير 1951.
{ إن المرافعة التي قدمتها جنوب إفريقيا، تحمل من (الدلائل القاطعة) على جرائم الحرب التي قام بها الكيان الصهيوني، وجريمة الإبادة الجماعية، وبما شاهده العالم كله، وثارت شعوبه حتى في الكيان نفسه وفي أمريكا والغرب، ضدّ تلك الجرائم، التي تبدأ من الحصار وحرمان غزة من الدواء والغذاء والماء والوقود، لتصل إلى القتل المتعمد لمدنيين والأطفال والرضع، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، إلى جانب جرائم أخرى مثل تدمير المستشفيات وقصفها، وقتل النازحين من الشمال إلى الجنوب في القطاع، حيث بقي (14) مستشفى من إجمالي (36) وتعمل في ظروف صعبة من نقص المستلزمات والدواء ومواد التخدير، حتى وصل عدد من تم بتر أطرافهم من دون تخدير إلى 1000 طفل حتى نهاية ديسمبر 2023!
وأصبح القطاع ككل غير قابل للعيش بسبب التدمير والقصف الهمجي، مما يجعل حياة أكثر من (2 مليون) شخص من أهل غزة، بين الموت قصفًا أو مرضًا بسبب الأوبئة ونقص العلاج، أو الموت جوعًا! وكثيرة هي المآسي التي عايشها أهل غزة خلال ما يقارب الـ (100 يوم) من الوحشية المفرطة التي لم يشهد تاريخ الحروب في العالم لها مثيلا! بل ويعجز اللسان عن وصفها!
{ إن غزة التي كشفت الغياب الحقيقي للعدالة في العالم أمام تواطؤ «دول الفيتو» في مجلس الأمن مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وغياب دور كل المؤسسات الدولية والأممية سواء (الحقوقية أو الإنسانية أو القانونية) تجعل شعوب العالم كلها تنشد العدالة والمحاسبة والعقاب، لهذا الكيان الذي جعله (منطق القوة والفيتو الأمريكي) فوق القانون الدولي! ليرتكب أفظع المجازر وجرائم الحرب وحرب الإبادة والتطهير العِرقي والدفع نحو التهجير، الذي أفشله الصمود الأسطوري لأهل غزة رغم الكوارث غير المسبوقة التي حلت بهم وقائمتها طويلة، مما تم تقديم حيثياتها في الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية!
{ هذه الدعوى المقدمة كان من المفترض أن تحظى بدعم كل المؤسسات الحقوقية والبرلمانية والإنسانية (العربية والإسلامية والدولية) خاصة بعد أن تقاعس النظام العربي والجامعة العربية والمؤسسات العربية والإسلامية، عن تقديمها إلى محكمة العدل الدولية! إلى جانب فشل النظام العربي والإسلامي في الضغط على الولايات المتحدة أو مجلس الأمن لإيقاف العدوان على غزة! بل وحتى الفشل في إيصال المساعدات الطبية والغذائية الضرورية إلى غزة عن طريق معبر رفح، إلا القليل الذي تم السماح به من الطرف الصهيوني لاحقًا تحت الضغوط الشعبية العالمية!
{ ولعل سؤالاً مهما يلاحق الجميع: لماذا لم تتقدم أية دولة عربية أو إسلامية لرفع دعوى مماثلة سابقًا ضد جرائم الحرب «الإسرائيلية» ونحن الآن في الشهر الرابع من العدوان، ومشهد الكارثة يتجلى أمام الأنظار لحظة بلحظة؟! ولماذا لم يتم مشاركة جنوب إفريقيا في رفع الدعوى أو الانضمام إليها ضدّ الكيان الصهيوني وحرب الإبادة مستمرة حتى اللحظة أيضًا؟!
ولماذا تقاعست المنظمات والمؤسسات والبرلمانات العربية والمؤسسات الحقوقية والقانونية عن المشاركة، فيما شارك كمثال (100 محام) من تشيلي في دعم دعوى جنوب إفريقيا؟!
{ إن العدالة المفقودة في العالم بسبب جور «النظام الرأسمالي الاستعماري الغربي»، الذي كرسّ (منطق القوة) في العالم، حتى أصبح القانون الدولي مستباحًا!، ومثله أثبتت كل المؤسسات الدولية العالمية والأممية، أنها مجرد (واجهات مسيسة لمن يملك سطوة القوة والسيطرة) جعل من هذا العالم أمام مشهد الكارثة بل والكوارث الإنسانية في غزة، عالمًا مصابًا بالخواء والفوضى والسوداوية! فيما النفاق الأمريكي والغربي عبر التصريحات الزائفة يملأ مسامع العالم، ولكأن (النفاق السياسي والإنساني)، أصبح لعبة جديدة في المنظومة العالمية المهترئة!
{ بدءًا من اليوم وبعد سقوط كل المؤسسات العالمية، ستتجه الأنظار إلى (محكمة العدل الدولية) لتثبت شيئًا من مصداقية وجودها وخاصة أن جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان الصهيوني ضدّ أهل غزة، موثقة بالصور والفيديوهات التي انتشرت في العالم كله في الإعلام وعبر وسائل التواصل الإلكتروني، وحرّكت شعوبٌ في العالم ضميرها، وبقي خيط أمل للعدالة معلقًا على جدار هذه المحكمة، وكيفية تعاملها مع الدلائل الموثقة في الدعوى المقدمة من جنوب إفريقيا! لعل العرب والمسلمون يدركون في لحظة صحوة كم هو التقصير في طرق الأبواب المتاحة والدعوى لمحكمة العدل أحدها، والتي لم يطرقوها! فيما غضب شعوب العالم حتى الغربي منه يتصاعد ويتفاعل ضدّ هذا الكيان الغاصب، كما لم يحدث قط!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك