العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

نصائح أمريكانية للموظفين (2)

نبقى‭ ‬اليوم‭ ‬أيضا‭ ‬مع‭ ‬كتاب‭ ‬صاحبنا‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬قوانين‭ ‬السلطة‭ ‬الـ48‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬فيه‭ ‬النصح‭ ‬للموظفين‭ ‬كبارا‭ ‬وصغارا‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬أداء‭ ‬العمل‭ ‬وعن‭ ‬علاقات‭ ‬العمل،‭ ‬ويتكلم‭ ‬غرين‭ ‬عن‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬وكأنها‭ ‬ساحة‭ ‬حرب‭: ‬أنت‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬والعدو‭ (‬زملاؤك‭) ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬مقابلة‭. ‬والحرب‭ ‬خدعة،‭ ‬وعليك‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬‮«‬العدو‮»‬‭ ‬محتارا‭ ‬في‭ ‬أمرك‭ ‬ومهموما‭ ‬ومشغولا‭ ‬بالتفكير‭ ‬فيما‭ ‬تخبئه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعطيك‭ ‬مهلة‭ ‬كي‭ ‬تعمل‭ ‬‮«‬برواقة‮»‬‭ ‬لتحقق‭ ‬ما‭ ‬تصبو‭ ‬إليه‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬قوانين‭ ‬النجاح‭ ‬عند‭ ‬غرين‭ ‬عدم‭ ‬الإكثار‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬اللسان‭ ‬حصان‭ ‬قابل‭ ‬للفلتان،‭ ‬وأن‭ ‬الكلام‭ ‬بالتفصيل‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يجعلك‭ ‬كتابا‭ ‬مكشوفا‭ ‬وسهل‭ ‬الفهم‭ ‬أمام‭ ‬منافسيك‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬العمل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قليل‭ ‬الكلام،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬عباراتك‭ ‬غامضة‭ ‬ومبهمة‭. ‬فالمسألة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬غرين‭ ‬معركة،‭ ‬الميكافيللية‭ ‬فيها‭ ‬مباحة،‭ ‬وربما‭ ‬يعرف‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬ميكافيللي‭ ‬له‭ ‬مقولة‭ ‬معروفة‭ ‬‮«‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مهابا‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬محبوبا‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنه‭ ‬ينصحك‭ ‬بالحرص‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬وتعزيز‭ ‬سمعتك‭ ‬مع‭ ‬بذل‭ ‬كل‭ ‬الجهد‭ ‬للنيل‭ ‬من‭ ‬سمعة‭ ‬الآخرين‭ (‬هذه‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬من‭ ‬أحقر‭ ‬الخصال‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭).. ‬ويقول‭ ‬غرين‭ ‬ان‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تؤكد‭ ‬سمعتك‭ ‬كشخص‭ ‬متميز‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬خصلة‭ ‬واحدة‭: (‬مثلا‭) ‬الحزم،‭ ‬أو‭ ‬الانضباط،‭ ‬أو‭ ‬الكرم،‭ ‬أو‭ ‬المكر،‭ ‬أو‭ ‬المهارة‭. ‬تختار‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخصال‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متأصلة‭ ‬فيك‭ (‬فالمسألة‭ ‬عند‭ ‬غرين‭ ‬تمثيل‭ ‬في‭ ‬تمثيل،‭ ‬والمهم‭ ‬عنده‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬غايتك‭ ‬بنيل‭ ‬السلطات‭ ‬الوظيفية‭ ‬العليا‭).‬

وحتى‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬نختلف‭ ‬مع‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬فإننا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬سنكتشف‭ ‬أنه‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬نماذج‭ ‬موجودة‭ ‬بيننا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬انتهازيتها‭ ‬وطفيليتها،‭ ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬خصالا‭ ‬سيئة‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬غرين،‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬اليك‭ ‬في‭ ‬الشركة‭ ‬او‭ ‬الإدارة،‭ ‬شريطة‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬بالثرثرة،‭ ‬فالإكثار‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬عرف‭ ‬غرين‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يودي‭ ‬ولا‭ ‬يجيب‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل،‭ ‬بل‭ ‬‮«‬يودي‭ ‬في‭ ‬داهية‮»‬‭.‬

وربما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المناسب‭ ‬هنا‭ ‬استذكار‭ ‬ثورة‭ ‬الليبراليين‭ ‬ضد‭ ‬قيصر‭ ‬روسيا‭ ‬مطالبين‭ ‬بتحديث‭ ‬البلاد‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفساد‭ ‬والنهضة‭ ‬الصناعية‭ ‬والزراعية،‭ ‬وفشلت‭ ‬الثورة‭ ‬واعتقل‭ ‬قادتها‭ ‬ونال‭ ‬أحدهم‭ ‬حكما‭ ‬بالإعدام،‭ ‬ووضعوا‭ ‬الأنشوطة‭ ‬حول‭ ‬رقبته‭ ‬وسحبوا‭ ‬المنصة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقف‭ ‬عليها‭ ‬لتنقصم‭ ‬رقبته‭ ‬ويموت‭ ‬ولكن‭ ‬الحبل‭ ‬انقطع،‭ ‬ولم‭ ‬يمت‭ ‬الرجل،‭ ‬وكان‭ ‬الاعتقاد‭ ‬السائد‭ ‬وقتها‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬ينجو‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬بتلك‭ ‬الطريقة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مرضيا‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬فيتم‭ ‬العفو‭ ‬عنه،‭ ‬وهكذا‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬بلغ‭ ‬القيصر‭ ‬نبأ‭ ‬انقطاع‭ ‬حبل‭ ‬المشنقة،‭ ‬حتى‭ ‬طلب‭ ‬ورقة‭ ‬يصدر‭ ‬بموجبها‭ ‬عفوا‭ ‬عن‭ ‬الرجل،‭ ‬وقبل‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬الورقة،‭ ‬رفع‭ ‬رأسه‭ ‬وسأل‭ ‬حاشيته‭: ‬وهل‭ ‬قال‭ ‬هذا‭ ‬المتمرد‭ ‬شيئا‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬الموت؟‭ ‬قالوا‭ ‬له‭ ‬إنه‭ ‬التفت‭ ‬إلى‭ ‬الجماهير‭ ‬وصاح‭: ‬انظروا‭.. ‬الحكومة‭ ‬الروسية‭ ‬لا‭ ‬تتقن‭ ‬حتى‭ ‬صنع‭ ‬الحبال،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬فعلا‭ ‬قائد‭ ‬الثورة‭ ‬الليبرالية،‭ ‬وهكذا‭ ‬غيّر‭ ‬القيصر‭ ‬رأيه‭ ‬وأمر‭ ‬بإعادة‭ ‬تنفيذ‭ ‬الحكم‭ ‬بالإعدام‭ ‬في‭ ‬الرجل‭ ‬وتم‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬ينقطع‭ ‬الحبل‭!! ‬هذه‭ ‬واقعة‭ ‬مدونة‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬ولعلها‭ ‬أبلغ‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬صدق‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬لسانك‭ ‬حصانك‭. ‬إن‭ ‬خنته‭ ‬خانك‮»‬‭.‬

يؤمن‭ ‬غرين‭ ‬بأن‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬الى‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬الوظيفة،‭ ‬بدرجة‭ ‬أنه‭ ‬ينصح‭ ‬القارئ‭ ‬بأن‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يعرض‭ ‬نفسه‭ ‬للإساءة‭ ‬والشتم‭ ‬للفت‭ ‬الانتباه‭ ‬اليه،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لديه‭ ‬مواهب‭ ‬وقدرات‭ ‬خاصة‭ ‬تجعله‭ ‬محط‭ ‬الأنظار‭. ‬ودليله‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬المهرجين‭ ‬والأوباش‭ ‬يسعدون‭ ‬بأن‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬مجالس‭ ‬علية‭ ‬القوم‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬يتعرضون‭ ‬للتهكم‭ ‬ويصبحون‭ ‬مادة‭ ‬للهزء‭ ‬والسخرية،‭ ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬غرين‭ ‬فلا‭ ‬ضير‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬المهرج‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬خاتمة‭ ‬المطاف‭ ‬‮«‬واصلا‮»‬‭ ‬وأغراضه‭ ‬مقضيَّة‭ ‬وطلباته‭ ‬مستجابة‭.‬

في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬تلك‭ ‬العتمة‭ ‬الباهرة‮»‬،‭ ‬للمغربي‭ ‬الطاهر‭ ‬بن‭ ‬جلون‭ ‬يقول‭ ‬بطل‭ ‬الرواية‭ ‬‮«‬الواقعية‮»‬‭ ‬إن‭ ‬والده‭ ‬كان‭ ‬مهرجا‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬العليا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فقد‭ ‬تبرأ‭ ‬منه‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬هو‭ (‬بطل‭ ‬الرواية‭) ‬السجن‭ ‬بتهمة‭ ‬معارضة‭ ‬الحكومة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا