زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
نصائح أمريكانية للموظفين (2)
نبقى اليوم أيضا مع كتاب صاحبنا الأمريكي «قوانين السلطة الـ48»، الذي يوجه فيه النصح للموظفين كبارا وصغارا عن كيفية أداء العمل وعن علاقات العمل، ويتكلم غرين عن بيئة العمل وكأنها ساحة حرب: أنت في جبهة والعدو (زملاؤك) في جبهة مقابلة. والحرب خدعة، وعليك أن تجعل «العدو» محتارا في أمرك ومهموما ومشغولا بالتفكير فيما تخبئه، وهذا ما يعطيك مهلة كي تعمل «برواقة» لتحقق ما تصبو إليه. ومن أهم قوانين النجاح عند غرين عدم الإكثار من الكلام من منطلق أن اللسان حصان قابل للفلتان، وأن الكلام بالتفصيل عن كل شيء يجعلك كتابا مكشوفا وسهل الفهم أمام منافسيك في مكان العمل، ومن ثم عليك أن تكون قليل الكلام، وأن تكون عباراتك غامضة ومبهمة. فالمسألة بالنسبة إلى غرين معركة، الميكافيللية فيها مباحة، وربما يعرف الكثيرون أن ميكافيللي له مقولة معروفة «أن تكون مهابا خير من أن تكون محبوبا»، ومن ثم فإنه ينصحك بالحرص على تحسين وتعزيز سمعتك مع بذل كل الجهد للنيل من سمعة الآخرين (هذه في تقديري من أحقر الخصال في بيئة العمل).. ويقول غرين ان عليك أن تؤكد سمعتك كشخص متميز بالتركيز على خصلة واحدة: (مثلا) الحزم، أو الانضباط، أو الكرم، أو المكر، أو المهارة. تختار واحدة من هذه الخصال حتى لو لم تكن متأصلة فيك (فالمسألة عند غرين تمثيل في تمثيل، والمهم عنده هو أن تصل الى غايتك بنيل السلطات الوظيفية العليا).
وحتى لو كنا نختلف مع المؤلف في كثير مما ذهب إليه فإننا على الأقل سنكتشف أنه يتكلم عن نماذج موجودة بيننا من حيث انتهازيتها وطفيليتها، وهذه ليست خصالا سيئة في نظر غرين، الذي يقول إن عليك أن تحرص على لفت الانتباه اليك في الشركة او الإدارة، شريطة ألا يكون ذلك بالثرثرة، فالإكثار من الكلام في عرف غرين «لا يودي ولا يجيب» في مجال العمل، بل «يودي في داهية».
وربما كان من المناسب هنا استذكار ثورة الليبراليين ضد قيصر روسيا مطالبين بتحديث البلاد ومحاربة الفساد والنهضة الصناعية والزراعية، وفشلت الثورة واعتقل قادتها ونال أحدهم حكما بالإعدام، ووضعوا الأنشوطة حول رقبته وسحبوا المنصة التي كان يقف عليها لتنقصم رقبته ويموت ولكن الحبل انقطع، ولم يمت الرجل، وكان الاعتقاد السائد وقتها أن من ينجو من الموت بتلك الطريقة لا بد أن يكون مرضيا عنه من السماء، فيتم العفو عنه، وهكذا ما إن بلغ القيصر نبأ انقطاع حبل المشنقة، حتى طلب ورقة يصدر بموجبها عفوا عن الرجل، وقبل التوقيع على الورقة، رفع رأسه وسأل حاشيته: وهل قال هذا المتمرد شيئا بعد ان نجا من الموت؟ قالوا له إنه التفت إلى الجماهير وصاح: انظروا.. الحكومة الروسية لا تتقن حتى صنع الحبال، وكان ذلك ما قاله فعلا قائد الثورة الليبرالية، وهكذا غيّر القيصر رأيه وأمر بإعادة تنفيذ الحكم بالإعدام في الرجل وتم ذلك دون ان ينقطع الحبل!! هذه واقعة مدونة في كتب التاريخ ولعلها أبلغ دليل على صدق مقولة «لسانك حصانك. إن خنته خانك».
يؤمن غرين بأن لفت الانتباه الى النفس من مقومات النجاح في الوظيفة، بدرجة أنه ينصح القارئ بأن يحاول أن يعرض نفسه للإساءة والشتم للفت الانتباه اليه، إذا لم تكن لديه مواهب وقدرات خاصة تجعله محط الأنظار. ودليله على ذلك أن الكثيرين من المهرجين والأوباش يسعدون بأن يكونوا في مجالس علية القوم رغم أنهم يتعرضون للتهكم ويصبحون مادة للهزء والسخرية، ومن وجهة نظر غرين فلا ضير في ذلك لأن المهرج يكون في خاتمة المطاف «واصلا» وأغراضه مقضيَّة وطلباته مستجابة.
في رواية «تلك العتمة الباهرة»، للمغربي الطاهر بن جلون يقول بطل الرواية «الواقعية» إن والده كان مهرجا في الأوساط العليا، وبالتالي فقد تبرأ منه عندما دخل هو (بطل الرواية) السجن بتهمة معارضة الحكومة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك