زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
نصائح أمريكانية للموظفين (1)
ظللت لحين طويل من الزمان، وما زلت- إلى حد ما- أحسب أن لي خبرة طيبة عن بيئات العمل وأساليب أداء العمل، ليس لأنني عبقري أو دارس لعلوم الإدارة، ولكن بحكم أنني عملت في مجالات مختلفة في بلدان مختلفة، مع أشخاص ينتمون إلى بلدان مختلفة، ثم كان أن عثرت على كتاب قوانين السلطة الـ48 The 48 Laws of Power الذي أصدره الأمريكي روبرت غرين في عام 1998، وكان الكتاب قد لقي رواجا منقطع النظير، وقد صدرت منه ست طبعات حتى الآن. وعثرت على الكتاب أول مرة قبل نحو تسع سنوات وقرأت منه نحو 15 صفحة وألقيت به جانبا بعد أن أثار في نفسي الشعور بالتقزز، وقبل يومين أو ثلاثة، أصابني أرق حملني على ترك الفراش، ومن تجربة طويلة في طرق استدراج النوم أعرف أن عليك وأنت تسعى لأن تنام عدم قراءة كتاب جاد، أو القيام بأي جهد يتطلب نشاطا ذهنيا (القنوات التلفزيونية العربية الرسمية لها قدرة عجيبة على إصابتي بالنعاس).
المهم تذكرت كتاب غرين وعثرت عليه، وبدأت أقرأه على عجل: أقرأ سطرا وأترك سطرين، حتى وجدت نفسي مستغرقا في القراءة بتأن، وجاء الصباح وأنا صاح.. نقطة نظام: السلطة والقوة التي يتكلم عنها الكتاب لا علاقة لها بالحكم بل ببيئة العمل، أي إنه ينصح القارئ بالأساليب الواجب اتِّباعها كي يرتقي سلم السلطة الوظيفية، ويصبح عالي «الدرجة» ومن أصحاب الحل والربط.. المؤلف أمريكي وبالتالي فإن نصائحه تلك تتعلق في معظمها بالعمل في الشركات، فالأمريكان والغربيون عموما، وبعكسنا، لا يحبون العمل الحكومي.
النصيحة الأولى في الكتاب هي: لا تحاول أبدا أن تتفوق على رئيسك سواء في مجال الأفكار أو الإنجاز أو حتى في عرض وجهات النظر، بل أعطه دائما الإحساس بأنه ينبوع الحكمة، وحتى لو كانت لديك أفكار وإنجازات متميزة فانسبها إلى رئيسك. طبعا هذا ما نسميه نحن بالعامية «البكش» وبالفصحى التملق، وهي صفات مرذولة، ولكن هناك الكثيرون بيننا يمارسونها، فتجد «الدكتور» الذي نال شهادته عن جدارة واستحقاق يستمع في أدب إلى تخاريف مديره الذي لا يحمل سوى شهادة متوسطة «مزورة»، ثم يقول للمدير: لا أدري وش كنا راح نسوي من دونك.
روبرت غرين يبرر ضرورة عدم التفوق على رؤساء العمل، بأن معظمهم لا يحسون بالأمان. وهذا صحيح فما لا يدركه معظمنا هو أنه كلما علت مرتبة الإنسان الوظيفية، كان معرضا لمخاطر الطرد والشرشحة. لأنك وكلما صرت صاحب وظيفة كبيرة اقتربت من مراقي السلطة العليا التي ليس فيها «يَمَّه ارحميني».. وفوق هذا فعندما يحس مديرك أو رئيسك بأنك متفوق وحريص على إثبات ذلك التفوق، يزداد خوفا على مركزه: الملعون هذا يريد يجلس مكاني!.. ومع النصح بعدم إعطاء رئيسك في العمل الإحساس بالدونية، يقول لك غرين: لا تعول على كونه يحبك و«تاخد راحتك على الآخر».. لا عيوني، فمهما كان رئيسك يحبك فإنه يتضايق من رفع التكليف بينك وبينه.. أثبت له أنك تقدر محبته لك بمزيد من الاحترام، حتى لو لم يكن جديرا بالاحترام، فالمسألة أكل عيش (أذكرك هنا بأن هذه أفكار روبرت غرين وليس أفكار أبو الجعافر).
ولابد من التذكير بأنني لا أتفق مع معظم ما جاء في ذلك الكتاب من «نصائح»، ولكنني أجد نفسي متفقا، إلى حد كبير، معه في أمر عدم توظيف الأصدقاء، فقط لأنهم أصدقاء. منطق غرين هنا هو أنك تريد حولك موظفين ذوي كفاءة، وأنه ينبغي عليك مساءلة ومحاسبة كل مقصر، وبالتالي فقد «يعشم» أصدقاؤك في صداقتك ويقصرون «رقبتك»، أي «يفشلونك».. وفي رأيه فلا مجال للمجاملات على حساب العمل. خذوا في الاعتبار أن روبرت غرين هذا يتكلم عن بيئة العمل في الولايات المتحدة، ومن ثم لا تستغرب نصيحته لك بالاحتفاظ بمسافة معقولة بينك وبين بقية الموظفين، بل ينصحك بالتحديد بعدم كشف أوراقك أمام زملائك في العمل، ويمضي إلى أبعد من ذلك ويقول لك: أعطهم إشارات مضللة، ولا تجعلهم يعرفون نواياك ومقترحاتك ومشاريعك وخططك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك