العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

نصائح أمريكانية للموظفين (1)

ظللت‭ ‬لحين‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬وما‭ ‬زلت‭- ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭- ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬لي‭ ‬خبرة‭ ‬طيبة‭ ‬عن‭ ‬بيئات‭ ‬العمل‭ ‬وأساليب‭ ‬أداء‭ ‬العمل،‭ ‬ليس‭ ‬لأنني‭ ‬عبقري‭ ‬أو‭ ‬دارس‭ ‬لعلوم‭ ‬الإدارة،‭ ‬ولكن‭ ‬بحكم‭ ‬أنني‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مختلفة،‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬مختلفة،‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬عثرت‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬قوانين‭ ‬السلطة‭ ‬الـ48‭ ‬The‭ ‬48‭ ‬Laws of Power‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬الأمريكي‭ ‬روبرت‭ ‬غرين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1998،‭ ‬وكان‭ ‬الكتاب‭ ‬قد‭ ‬لقي‭ ‬رواجا‭ ‬منقطع‭ ‬النظير،‭ ‬وقد‭ ‬صدرت‭ ‬منه‭ ‬ست‭ ‬طبعات‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬وعثرت‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬تسع‭ ‬سنوات‭ ‬وقرأت‭ ‬منه‭ ‬نحو‭ ‬15‭ ‬صفحة‭ ‬وألقيت‭ ‬به‭ ‬جانبا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أثار‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬الشعور‭ ‬بالتقزز،‭ ‬وقبل‭ ‬يومين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة،‭ ‬أصابني‭ ‬أرق‭ ‬حملني‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬الفراش،‭ ‬ومن‭ ‬تجربة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬استدراج‭ ‬النوم‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬عليك‭ ‬وأنت‭ ‬تسعى‭ ‬لأن‭ ‬تنام‭ ‬عدم‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬جاد،‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬جهد‭ ‬يتطلب‭ ‬نشاطا‭ ‬ذهنيا‭ (‬القنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬العربية‭ ‬الرسمية‭ ‬لها‭ ‬قدرة‭ ‬عجيبة‭ ‬على‭ ‬إصابتي‭ ‬بالنعاس‭).‬

المهم‭ ‬تذكرت‭ ‬كتاب‭ ‬غرين‭ ‬وعثرت‭ ‬عليه،‭ ‬وبدأت‭ ‬أقرأه‭ ‬على‭ ‬عجل‭: ‬أقرأ‭ ‬سطرا‭ ‬وأترك‭ ‬سطرين،‭ ‬حتى‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬مستغرقا‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬بتأن،‭ ‬وجاء‭ ‬الصباح‭ ‬وأنا‭ ‬صاح‭.. ‬نقطة‭ ‬نظام‭: ‬السلطة‭ ‬والقوة‭ ‬التي‭ ‬يتكلم‭ ‬عنها‭ ‬الكتاب‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالحكم‭ ‬بل‭ ‬ببيئة‭ ‬العمل،‭ ‬أي‭ ‬إنه‭ ‬ينصح‭ ‬القارئ‭ ‬بالأساليب‭ ‬الواجب‭ ‬اتِّباعها‭ ‬كي‭ ‬يرتقي‭ ‬سلم‭ ‬السلطة‭ ‬الوظيفية،‭ ‬ويصبح‭ ‬عالي‭ ‬‮«‬الدرجة‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬أصحاب‭ ‬الحل‭ ‬والربط‭.. ‬المؤلف‭ ‬أمريكي‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬نصائحه‭ ‬تلك‭ ‬تتعلق‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬بالعمل‭ ‬في‭ ‬الشركات،‭ ‬فالأمريكان‭ ‬والغربيون‭ ‬عموما،‭ ‬وبعكسنا،‭ ‬لا‭ ‬يحبون‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭.‬

النصيحة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬هي‭: ‬لا‭ ‬تحاول‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬تتفوق‭ ‬على‭ ‬رئيسك‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأفكار‭ ‬أو‭ ‬الإنجاز‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬وجهات‭ ‬النظر،‭ ‬بل‭ ‬أعطه‭ ‬دائما‭ ‬الإحساس‭ ‬بأنه‭ ‬ينبوع‭ ‬الحكمة،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬لديك‭ ‬أفكار‭ ‬وإنجازات‭ ‬متميزة‭ ‬فانسبها‭ ‬إلى‭ ‬رئيسك‭. ‬طبعا‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ ‬نحن‭ ‬بالعامية‭ ‬‮«‬البكش‮»‬‭ ‬وبالفصحى‭ ‬التملق،‭ ‬وهي‭ ‬صفات‭ ‬مرذولة،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬الكثيرون‭ ‬بيننا‭ ‬يمارسونها،‭ ‬فتجد‭ ‬‮«‬الدكتور‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬نال‭ ‬شهادته‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬واستحقاق‭ ‬يستمع‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬إلى‭ ‬تخاريف‭ ‬مديره‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬سوى‭ ‬شهادة‭ ‬متوسطة‭ ‬‮«‬مزورة‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬يقول‭ ‬للمدير‭: ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬وش‭ ‬كنا‭ ‬راح‭ ‬نسوي‭ ‬من‭ ‬دونك‭.‬

روبرت‭ ‬غرين‭ ‬يبرر‭ ‬ضرورة‭ ‬عدم‭ ‬التفوق‭ ‬على‭ ‬رؤساء‭ ‬العمل،‭ ‬بأن‭ ‬معظمهم‭ ‬لا‭ ‬يحسون‭ ‬بالأمان‭. ‬وهذا‭ ‬صحيح‭ ‬فما‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬معظمنا‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬علت‭ ‬مرتبة‭ ‬الإنسان‭ ‬الوظيفية،‭ ‬كان‭ ‬معرضا‭ ‬لمخاطر‭ ‬الطرد‭ ‬والشرشحة‭. ‬لأنك‭ ‬وكلما‭ ‬صرت‭ ‬صاحب‭ ‬وظيفة‭ ‬كبيرة‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬مراقي‭ ‬السلطة‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬يَمَّه‭ ‬ارحميني‮»‬‭.. ‬وفوق‭ ‬هذا‭ ‬فعندما‭ ‬يحس‭ ‬مديرك‭ ‬أو‭ ‬رئيسك‭ ‬بأنك‭ ‬متفوق‭ ‬وحريص‭ ‬على‭ ‬إثبات‭ ‬ذلك‭ ‬التفوق،‭ ‬يزداد‭ ‬خوفا‭ ‬على‭ ‬مركزه‭: ‬الملعون‭ ‬هذا‭ ‬يريد‭ ‬يجلس‭ ‬مكاني‭!.. ‬ومع‭ ‬النصح‭ ‬بعدم‭ ‬إعطاء‭ ‬رئيسك‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الإحساس‭ ‬بالدونية،‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬غرين‭: ‬لا‭ ‬تعول‭ ‬على‭ ‬كونه‭ ‬يحبك‭ ‬و«تاخد‭ ‬راحتك‭ ‬على‭ ‬الآخر‮»‬‭.. ‬لا‭ ‬عيوني،‭ ‬فمهما‭ ‬كان‭ ‬رئيسك‭ ‬يحبك‭ ‬فإنه‭ ‬يتضايق‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬التكليف‭ ‬بينك‭ ‬وبينه‭.. ‬أثبت‭ ‬له‭ ‬أنك‭ ‬تقدر‭ ‬محبته‭ ‬لك‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الاحترام،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬جديرا‭ ‬بالاحترام،‭ ‬فالمسألة‭ ‬أكل‭ ‬عيش‭ (‬أذكرك‭ ‬هنا‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬أفكار‭ ‬روبرت‭ ‬غرين‭ ‬وليس‭ ‬أفكار‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭).‬

ولابد‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬بأنني‭ ‬لا‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬معظم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬‮«‬نصائح‮»‬،‭ ‬ولكنني‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬متفقا،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬عدم‭ ‬توظيف‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬فقط‭ ‬لأنهم‭ ‬أصدقاء‭. ‬منطق‭ ‬غرين‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أنك‭ ‬تريد‭ ‬حولك‭ ‬موظفين‭ ‬ذوي‭ ‬كفاءة،‭ ‬وأنه‭ ‬ينبغي‭ ‬عليك‭ ‬مساءلة‭ ‬ومحاسبة‭ ‬كل‭ ‬مقصر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فقد‭ ‬‮«‬يعشم‮»‬‭ ‬أصدقاؤك‭ ‬في‭ ‬صداقتك‭ ‬ويقصرون‭ ‬‮«‬رقبتك‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬‮«‬يفشلونك‮»‬‭.. ‬وفي‭ ‬رأيه‭ ‬فلا‭ ‬مجال‭ ‬للمجاملات‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العمل‭. ‬خذوا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬روبرت‭ ‬غرين‭ ‬هذا‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬تستغرب‭ ‬نصيحته‭ ‬لك‭ ‬بالاحتفاظ‭ ‬بمسافة‭ ‬معقولة‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬بقية‭ ‬الموظفين،‭ ‬بل‭ ‬ينصحك‭ ‬بالتحديد‭ ‬بعدم‭ ‬كشف‭ ‬أوراقك‭ ‬أمام‭ ‬زملائك‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬ويمضي‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ويقول‭ ‬لك‭: ‬أعطهم‭ ‬إشارات‭ ‬مضللة،‭ ‬ولا‭ ‬تجعلهم‭ ‬يعرفون‭ ‬نواياك‭ ‬ومقترحاتك‭ ‬ومشاريعك‭ ‬وخططك‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا