العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أضاعوا رأس هذا ودجاج ذاك

يتشاجر‭ ‬عسكر‭ ‬السودان‭ ‬حاليا‭ ‬بالقذائف‭ ‬والصواريخ‭ ‬فوق‭ ‬رؤوس‭ ‬المواطنين‭ ‬بنفس‭ ‬أسلوب‭ ‬إسرائيل‭ ‬مع‭ ‬اهل‭ ‬غزة،‭ ‬وبدون‭ ‬فخر‭ ‬فقد‭ ‬شهد‭ ‬السودان‭ ‬سبع‭ ‬عشرة‭ ‬انقلابا‭ ‬ومحاولة‭ ‬انقلابية‭ ‬عسكرية،‭ ‬ولا‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬ما،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عساكره‭ ‬يحسبون‭ ‬أن‭ ‬الجلوس‭ ‬في‭ ‬كراسي‭ ‬الحكم‭ ‬من‭ ‬أوجب‭ ‬واجباتهم‭.‬

وقد‭ ‬جرت‭ ‬عدة‭ ‬محاولات‭ ‬انقلابية‭ ‬لها‭ ‬للإطاحة‭ ‬بحكم‭ ‬الفيلد‭ ‬مارشال‭ ‬جعفر‭ ‬نميري‭ (‬الفيلد‭ ‬مارشال‭ ‬هو‭ ‬الترجمة‭ ‬لرتبة‭ ‬مشير‭ ‬العربية،‭ ‬ونال‭ ‬نميري‭ ‬تلك‭ ‬الرتبة‭ ‬قفزا‭ ‬من‭ ‬‮«‬عقيد‮»‬‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬أي‭ ‬فيلد،‭ ‬فالفيلد‭ ‬هو‭ ‬ميدان‭ ‬المعركة‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الرتبة‭ ‬ينالها‭ ‬الجنرالات‭ ‬بعد‭ ‬مشاركات‭ ‬متميزة‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬وحروب‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬حروب‭ ‬نميري‭ ‬ضد‭ ‬معارضيه‭ ‬من‭ ‬عامة‭ ‬السودانيين‭!) ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭ ‬أصيبت‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬بالهلع،‭ ‬نسبة‭ ‬للمقاومة‭ ‬العنيفة‭ ‬التي‭ ‬أبداها‭ ‬الانقلابيون،‭ ‬وصارت‭ ‬تعتقل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يشتبه‭ ‬به،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬مدنيين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المحاولة،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬اعتقال‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬عامة‭ ‬الشعب‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يعرفون‭ ‬وقتها‭ ‬أن‭ ‬البلاد‭ ‬نالت‭ ‬استقلالها‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬اعتقلوا‭ ‬جزافا‭ ‬واحد‭ ‬أسماه‭ ‬زملاؤه‭ ‬المعتقلون‭ (‬رأس‭ ‬النيفة‭) ‬والنيفة‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬رأس‭ ‬الخروف‭ ‬المحمر،‭ ‬والكلمة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أعتقد‭ ‬تحريف‭ ‬لـ‭ (‬جيفة‭) ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬فيما‭ ‬تعني‭ ‬البهيمة‭ ‬الميتة‭ (‬في‭ ‬المطاعم‭ ‬السودانية‭ ‬يسمون‭ ‬رأس‭ ‬الخروف‭ ‬‮«‬الباسم‮»‬،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬أسنانه‭ ‬تكون‭ ‬بارزة‭ ‬بعد‭ ‬إزالة‭ ‬الجلد‭ ‬منه‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬صاحبنا‭ ‬ذاك‭ ‬متشردا‭ ‬يدمن‭ ‬شم‭ ‬البنزين‭ ‬ورخيص‭ ‬الخمر‭ ‬في‭ ‬عشة‭ ‬في‭ ‬مقابر‭ ‬فاروق‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ (‬على‭ ‬اسم‭ ‬فاروق‭ ‬ملك‭ ‬مصر‭ ‬والسودان‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1952‭).‬

وعندما‭ ‬ساد‭ ‬الهرج‭ ‬والمرج‭ ‬خلال‭ ‬المحاولة‭ ‬الانقلابية،‭ ‬والتحرك‭ ‬المضاد‭ ‬لضربها،‭ ‬قام‭ ‬ذلك‭ ‬المتشرد‭ ‬بسرقة‭ ‬رأس‭ ‬خروف‭ ‬محمرة‭ ‬من‭ ‬مطعم‭ ‬شعبي‭ ‬ولفه‭ ‬بطرف‭ ‬جلبابه‭ ‬وولى‭ ‬هاربا،‭ ‬صوب‭ ‬المقابر،‭ ‬فرآه‭ ‬الجنود‭ ‬يجري‭ ‬وهو‭ ‬يخبئ‭ ‬شيئاً‭ ‬‮«‬مستدير‭ ‬الشكل‮»‬‭ ‬فقالوا‭: ‬أكيد‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬الخونة‭ ‬الذين‭ ‬تآمروا‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬المفدى،‭ ‬ويخبئ‭ ‬قنبلة‭ ‬يدوية،‭ ‬فطاردوه،‭ ‬ولأن‭ ‬الحرامي‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬بطحة‭ ‬أو‭ ‬ريشة،‭ ‬فقد‭ ‬ظن‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬اكتشفت‭ ‬أمر‭ ‬سرقته‭ ‬رأس‭ ‬الخروف‭ ‬وأنها‭ ‬تحاول‭ ‬اعتقاله‭ ‬لاسترداد‭ (‬الرأس‭)‬،‭ ‬فصار‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الأزقة‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬المقابر‭ ‬التي‭ ‬يعرف‭ ‬خباياها،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬الاختفاء‭ ‬داخل‭ ‬قبر‭ ‬فارغ‭.‬

هنا‭ ‬أيقن‭ ‬الجنود‭ ‬أنهم‭ ‬يطاردون‭ ‬شخصاً‭ ‬خطيراً،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يخفيه‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذخيرة‭ ‬أو‭ ‬سلاحا‭ ‬فتاكا،‭ ‬فاستنجدوا‭ ‬بقوات‭ ‬إضافية‭ ‬قامت‭ ‬بتطويق‭ ‬المقابر‭ ‬وتمشيطها‭ ‬شبرا،‭ ‬شبرا‭ ‬حتى‭ ‬عثروا‭ ‬على‭ ‬المتشرد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬شرع‭ ‬في‭ ‬أكل‭ ‬رأس‭ ‬الخروف،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬كل‭ ‬همه‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬مركز‭ ‬الشرطة‭ ‬وبطنه‭ ‬ممتلئة‭. ‬صاحوا‭ ‬فيه‭: ‬أرفع‭ ‬يديك‭ ‬وسلم‭ ‬نفسك؟‭ ‬ولكنه‭ ‬عض‭ ‬على‭ ‬الرأس‭ ‬بالنواجذ‭ ‬فأتاه‭ ‬جندي‭ (‬فدائي‭) ‬من‭ ‬خلفه‭ ‬وتمكن‭ ‬من‭ ‬شل‭ ‬حركة‭ ‬يديه‭ ‬كي‭ ‬يمنعه‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬‮«‬القنبلة‮»‬‭.‬

بقية‭ ‬الحكاية‭ ‬معروفة‭. ‬لم‭ ‬يعثر‭ ‬الجنود‭ ‬سوى‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الخروف‭ ‬وظلوا‭ ‬يقلبونه‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬متفجرات‭ ‬بداخله،‭ ‬وصاحبنا‭ ‬يصيح‭ (‬رأسي‭.. ‬أدوني‭ ‬رأسي‭)..  ‬ورغم‭ ‬ان‭ ‬الجنود‭ ‬استنتجوا‭ ‬أنه‭ ‬مجرد‭ ‬متشرد‭ ‬سكير‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬اقتادوه‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يحاسبهم‭ ‬قادتهم‭ ‬على‭ ‬حشد‭ ‬فرقة‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬واحد‭ ‬بغير‭ ‬مبرر،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬القتال‭ ‬مستمرا‭ ‬بين‭ ‬الموالين‭ ‬للحكومة‭ ‬ومعارضيها‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المدينة‭. ‬وبقي‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬لعدة‭ ‬أشهر‭ ‬وهو‭ ‬يطالب‭ ‬بـ‭ (‬رأسي‭).‬

ذلك‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬حكومة‭ ‬نميري‭ ‬مع‭ ‬سارق‭ ‬رأس‭ ‬خروف‭ ‬اتهمته‭ ‬بمحاولة‭ ‬سرقة‭ ‬السلطة،‭ ‬فماذا‭ ‬عن‭ ‬حكومة‭ ‬الرجل‭ ‬المصحصح‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬الأخرق‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش؟‭ ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬جنوده‭ ‬البواسل‭ ‬باعتقال‭ ‬الباكستاني‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬سيد‭ ‬في‭ ‬معتقل‭ ‬غوانتنامو‭ ‬منذ‭ ‬يناير‭ ‬2002‭ ‬باعتبار‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬نائب‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬حكومة‭ ‬طالبان‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وظل‭ ‬محبوسا‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬قفص‭ ‬حديدي‭ ‬لعشر‭ ‬سنوات،‭ ‬ثم‭ ‬اكتشفوا‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬المعتقل‭ ‬كان‭ ‬بائع‭ ‬دجاج‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬نائب‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬طالبان‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬زاهد،‭ ‬وذاك‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬سيد‭.‬

‭ ‬سيد‭ ‬أو‭ ‬زاهد،‭ ‬كله‭ ‬سيم‭ ‬سيم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا