زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
أضاعوا رأس هذا ودجاج ذاك
يتشاجر عسكر السودان حاليا بالقذائف والصواريخ فوق رؤوس المواطنين بنفس أسلوب إسرائيل مع اهل غزة، وبدون فخر فقد شهد السودان سبع عشرة انقلابا ومحاولة انقلابية عسكرية، ولا يحدث ذلك في بلد ما، ما لم يكن عساكره يحسبون أن الجلوس في كراسي الحكم من أوجب واجباتهم.
وقد جرت عدة محاولات انقلابية لها للإطاحة بحكم الفيلد مارشال جعفر نميري (الفيلد مارشال هو الترجمة لرتبة مشير العربية، ونال نميري تلك الرتبة قفزا من «عقيد» دون أن يرى أي فيلد، فالفيلد هو ميدان المعركة أي أن تلك الرتبة ينالها الجنرالات بعد مشاركات متميزة في معارك وحروب واسعة النطاق بينما كانت حروب نميري ضد معارضيه من عامة السودانيين!) المهم أنه في واحدة من تلك المحاولات أصيبت قوات الأمن بالهلع، نسبة للمقاومة العنيفة التي أبداها الانقلابيون، وصارت تعتقل كل من يشتبه به، وبما أن مدنيين شاركوا في تلك المحاولة، فقد تم اعتقال المئات من عامة الشعب الذين لم يكونوا يعرفون وقتها أن البلاد نالت استقلالها.
وكان من بين من اعتقلوا جزافا واحد أسماه زملاؤه المعتقلون (رأس النيفة) والنيفة هنا هي رأس الخروف المحمر، والكلمة في ما أعتقد تحريف لـ (جيفة) التي تعني فيما تعني البهيمة الميتة (في المطاعم السودانية يسمون رأس الخروف «الباسم»، ربما لأن أسنانه تكون بارزة بعد إزالة الجلد منه)، وكان صاحبنا ذاك متشردا يدمن شم البنزين ورخيص الخمر في عشة في مقابر فاروق في الخرطوم (على اسم فاروق ملك مصر والسودان حتى عام 1952).
وعندما ساد الهرج والمرج خلال المحاولة الانقلابية، والتحرك المضاد لضربها، قام ذلك المتشرد بسرقة رأس خروف محمرة من مطعم شعبي ولفه بطرف جلبابه وولى هاربا، صوب المقابر، فرآه الجنود يجري وهو يخبئ شيئاً «مستدير الشكل» فقالوا: أكيد هذا من الخونة الذين تآمروا على الرئيس المفدى، ويخبئ قنبلة يدوية، فطاردوه، ولأن الحرامي على رأسه بطحة أو ريشة، فقد ظن الرجل أن قوات الأمن اكتشفت أمر سرقته رأس الخروف وأنها تحاول اعتقاله لاسترداد (الرأس)، فصار يجري في الأزقة حتى وصل إلى المقابر التي يعرف خباياها، ونجح في الاختفاء داخل قبر فارغ.
هنا أيقن الجنود أنهم يطاردون شخصاً خطيراً، وأن ما يخفيه لابد أن يكون ذخيرة أو سلاحا فتاكا، فاستنجدوا بقوات إضافية قامت بتطويق المقابر وتمشيطها شبرا، شبرا حتى عثروا على المتشرد الذي كان شرع في أكل رأس الخروف، بعد أن صار كل همه أن يدخل مركز الشرطة وبطنه ممتلئة. صاحوا فيه: أرفع يديك وسلم نفسك؟ ولكنه عض على الرأس بالنواجذ فأتاه جندي (فدائي) من خلفه وتمكن من شل حركة يديه كي يمنعه من استخدام «القنبلة».
بقية الحكاية معروفة. لم يعثر الجنود سوى على رأس الخروف وظلوا يقلبونه بحثا عن متفجرات بداخله، وصاحبنا يصيح (رأسي.. أدوني رأسي).. ورغم ان الجنود استنتجوا أنه مجرد متشرد سكير إلا أنهم اقتادوه إلى السجن كي لا يحاسبهم قادتهم على حشد فرقة كاملة في موقع واحد بغير مبرر، بينما كان القتال مستمرا بين الموالين للحكومة ومعارضيها في مناطق أخرى في المدينة. وبقي الرجل في السجن لعدة أشهر وهو يطالب بـ (رأسي).
ذلك ما كان من أمر حكومة نميري مع سارق رأس خروف اتهمته بمحاولة سرقة السلطة، فماذا عن حكومة الرجل المصحصح الرئيس الأمريكي الأسبق الأخرق جورج دبليو بوش؟ فقد قام جنوده البواسل باعتقال الباكستاني عبدالرحمن سيد في معتقل غوانتنامو منذ يناير 2002 باعتبار أنه كان نائب وزير خارجية حكومة طالبان في أفغانستان، وظل محبوسا هناك في قفص حديدي لعشر سنوات، ثم اكتشفوا حقيقة الأمر، وهي أن الرجل المعتقل كان بائع دجاج في بلاده بينما كان نائب وزير خارجية طالبان يحمل اسم عبدالرحمن زاهد، وذاك عبدالرحمن سيد.
سيد أو زاهد، كله سيم سيم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك