زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لماذا يعادي الأطباء أطايب الطعام؟
ظللت موسوسا طوال الأسابيع الأخيرة بعد أن فقدت نحو عشرة كيلوجرامات من وزني، فقد قيل لي إنني على أعتاب مرض السكري فقمت بتقليل حصتي من الفاكهة وتجنبت السكر قدر المستطاع ولكنني لم أمارس الرجيم بالمعنى المتعارف عليه، وعلى كل حال فقد عقدت العزم بأن استرد تلك الكيلوهات خلال الشهر الأول من عام 2024 بإذن الله، وتحضرني هنا تجربة صديق لجأ إلى الأطباء بعد أن عانى طويلا من آلام في الصدر، فلم يترددوا في الإفتاء بأنه مصاب بعلة في القلب، وظلوا يخضعونه طول عدة أشهر لمختلف أنواع الفحوصات الإشعاعية حتى أصبح جسمه شفافا ومشعا، ولما خاب ظنهم ألقوا بالتهمة على الرئة مع ان صاحبنا عاش عمره بأكمله في بلد لا يتوافر فيه سوى الاكسجين، ولا يعرف الفرق بين التبغ الفرجيني والحشيش اللبناني، لأنه يجانب الاثنين، وحتى البخور لم يتعمد الاقتراب منه.
ولم يكن مرد التشخيص الطبي الخطأ الجهل العلمي، أو الإهمال المهني، فمن نظرة عابرة على صاحبنا كان جميع الأطباء الذين تعامل معهم يستنتجون أنه ذو قلب عليل، لا لسبب سوى أنه ضخم الجثة، وجسم كهذا في نظر الأطباء هو أس الداء! هكذا، وبكل بساطة: كل من هو بدين يكون بالضرورة ذا قلب عليل كليل. ولم تنته مشاكل صاحبنا بتحويله إلى تشيرنوبيل متحركة، بل تمادى الأطباء في إنهاكه بأن طلبوا منه إنقاص وزنه بنحو خمسين كيلوجراما.. أي أنهم حاولوا أن يجردوه من بنيته الاساسية. وعندما بلغني ذلك أدركت أن ثمة مؤامرة طبية لتصفية صديقي جسديا فبذلت له النصح خالصا لوجه الله ان يقطع علاقته بالطب والأطباء وصديقي هذا زاهد رغم أنفه، يأكل ما يأكله نظراؤه ومع ذلك فإنه يزداد ضخامة شهرا تلو آخر، وربما حسب البعض أن ذلك يعود إلى كونه كسولا خاملا، بينما لم يكن يملك حق التكاسل لأنه ينتمي إلى قبيلة من البشر يهرب منها الرزق كلما حاولوا الدنو منه فيتحتم عليه ان يظل في حالة لهاث مستمر لكي يجد «الكفاف». وبعبارة أخرى فإنه في حالة حركة مستمرة طلبا للعلم أو العمل أو الأمل أو الأمان، ومع ذلك فإنه يكسب بضعة جرامات بعد كل مجهود جسماني في حين ان الطب التقليدي يفترض أنه يفقد جرامات من وزنه بسبب الحركة والنشاط.
وقد قادني التفكير في حال صاحبي هذا إلى التفكير في ذلك البلاء المسمى «الرجيم» الذي استشرى على أيامنا هذه حتى أصبح الطعام والاصدقاء والأهل بلا طعم، فعندما تدعو جماعة إلى طعام تنقسم هذه الجماعة بحسب اصناف الطعام المتاحة؛ فهذا لا يقرب الخبز وذاك ينفر من الارز والمكرونة وثالث يلتهم الحلوى بعينيه ولا يملك الجرأة على مد يده إليها، وعندما يأتي الدور على الشاي والقهوة تتحول عملية تحليتها بالسكر إلى درس في الرياضيات والكسور. ماذا دها ابناء هذا الزمان؟ هل رأى أحدكم طبيبا نحيفا؟ هل رأى أحدكم طبيبا يفاضل بين نوع من الطعام وآخر؟ الإجابة هي: لا الغليظة؛ فالأطباء يشربون الشاي بالكيك ويأكلون الارز بالشطة، واللقيمات بالعسل؛ ولكنهم اتفقوا فيما بينهم على حرمان غيرهم من تلك الطيبات الحلال حتى يقل عليها الطلب فتنخفض اسعارها، فينالوا هم منها المزيد فتكتنز أوداجهم من النشويات والسكريات والدهنيات، وعندما نلجأ إليهم نحن عباد الله البسطاء لا يجدون علة إلا فيما نأكله ونشربه، ولا يبيحون لنا إلا اصنافا من الطعام يعرفون سلفا أن النفس السوية تعافها.
فلا يمكن لعاقل ان يعيش على شوربة الكوسة، ولا جدوى لطعام بدون ملح أو بهارات، وحتى عندما يتكرم الطبيب ويبيح لأحدنا حق تناول اللحوم فإنه يجعل ممارسة ذلك الحق أمرا مستحيلا لأنه يشترط ان يكون اللحم مشويا، والشواء مسألة مرهقة لا يستطيع الإنسان ممارستها إلا إذا كان متبطلا، لأن الشواء الذي يعنيه الاطباء هو ذلك الذي يكون بالفحم، وإذا لجأت إلى الفحم صاح العلماء بأن التوازن البيئي في خطر بسبب تناقص حجم الغابات، وإذا استخدمت فرن الميكروويف حذروك من انه قد يسبب السرطان تماما كما فعلوا مع المشروبات الغازية، فلما ظهرت منها أنواع غير محلاة بالسكر قالوا إن بدائل السكر تسبب أمراضا أخطر من «السكري».. فلا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك