زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
كلام خشن بعض الشيء
أطالع بين الحين والآخر جولات قديمة لمقدم البرامج الحوارية الأمريكية جاي لينو في شوارع المدن الكبرى وهو يختبر معلومات الجمهور الأمريكي، ويسأل الناس عن ديانة اهل إسرائيل فيقول معظمهم انها الإسلام، وفي أي قارة يوجد العراق، فيقول البعض: في تركيا؛ وكنت أضحك على صاحبي الذي كلما زعل من شخص قال له: أصبر الأيام «بينما»، وعلى بنتي التي سمعت كلمة فلافل أول مرة وسألتني: الفلافل حيوان وللا نبات، (نحن نسميها طعمية) وكشفت عن ضحالة ثقافتها الدينية عندما اتضح أنها تحسب إمساكية رمضان قائمة بالأطعمة التي تسبب الإمساك للصائم. وعندما سألتها عن التيمم قالت إنه الوضوء بالتراب.
ثم طالعت استطلاع رأي أجرته صحيفة عربية، وهناك من قال إن جمال عبدالناصر يلعب مهاجما في نادي الزمالك (يعني ما زال حيا). أما المناضل الفذ كاسترو آخر العمالقة في زمن الأقزام فقد قيل إنه نوع من زيت الخروع (ربما لأن اسمه يسبب الإسهال للمسؤولين الأمريكيين)، والرئيس الفرنسي الأسبق ديغول أصبح الكلمة الفرنسية لحارس المرمى في لعبة كرة القدم (غول؟). وسئل البعض عن الشيخ محمد عبده فردوا في تهكم: منذ متى صار المطربون شيوخا؟ كارتر تحول إلى شركة طيران أمريكية، ورابعة العدوية هي أول امرأة تتبوأ منصبا وزاريا في اليمن (أشمعني اليمن؟ الله أعلم)، وجهاز المخابرات الإسرائيلي الشين بيت كان عند البعض اسم حي البغاء في تل أبيب (لا بأس بهذا التخريج فهو على كل حال بيت شين وسيء السمعة)، والهستامين هو اتحاد العمال الإسرائيلي، وهنغاريا التي هي المجر، أصبحت الكلمة اللاتينية للمجاعة، في حين أن البنكرياس هو البنك المركزي في اليونان، والحجاب الحاجز هو تعويذة تمنع عنك العين الحاسدة وكيد الأعداء، وماركس آند سبنسر هما مفكران من جامعة أوكسفورد وضعا أسس اقتصاد السوق، والألفية الجديدة قصيدة تحوي تعديلات على قواعد النحو.
بعد أن قرأت خلاصة استطلاعات الرأي تلك لم أعد أضحك كلما تذكرت حكاية الطفل السوداني في أحد رياض الأطفال في دولة خليجية، الذي طلبت منه المعلمة أن يؤدي النشيد الوطني لبلاده وكانت المفاجأة التي أسعدته أن جميع الأطفال من حوله كانوا يحفظون النشيد: كده كده يا التريللا، سايقها قندرانو، وما لم يكن يعرفه ذلك الطفل هو أن كبار السن من العرب يحسبون أن النشيد الوطني لبلاده هو: المامبو السوداني.. مامبو، وأن كسلا مدينة سودانية لا يقوم أهلها بأي عمل أي أنهم يحترفون النوم. وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإنني أعجب لاعتقاد سائد في دول الخليج بأن السودانيين قوم كسولون ولهم في ذلك نكات عجيبة.
ولكن أن يأتي اتهامهم بالكسل من الإخوة العرب فهذه تو ماتش، too much بالمصري، كتيرة وواسعة قوي. يعني ما شاء الله العرب أهل همة ونشاط ومن فرط حبهم لبذل الجهد والعرق فإنهم لا يكتفون بالسجائر العادية بل يجعلون بين كل دكان ودكان مقهى، للتشييش، وقد قبل سنوات في الزميلة «الشرق الأوسط» تقريرًا يقول أنه بعد حظر الشيشة في أبو ظبي ابتكرت المقاهي نظام التسليم في المنازل، ألو معاك حسان حسون من الخالدية، أرجوك تجيب لي واحد شيشة بنكهة الفراولة.. لحظة من فضلك، عايزة أيه يا أم حسنين؟ لو سمحت أديني شيشة تانية بنكهة التفاح.. قلت إيه يا حسنين؟.. طيب خليهم ثلاثة والثالثة بنكهة الخس، وبعد دقائق يأتيك الرفيق الركن كومار حاملا «الطلبات».
والإنسان العربي من فرط قوته الجسدية يحرص على قيادة السيارة ذات نظام التعشيق الأوتوماتيكي برجل واحدة ويرفع رجله اليسرى على المقعد بالطريقة التي يجلس بها على كرسي مكتبه وهو يتسامر مع الأصدقاء حول نتائج مباريات كرة القدم وتصفيات الكنكان الليلة الماضية، وفي مباريات كرة القدم يتساقط اللاعبون كأوراق الخريف بعد نصف ساعة من بداية المباراة ويتنرفزون إذا لم يحتسب الحكم ضربة جزاء لصالحهم إذا دخلت حشرة في أذن أحدهم وهو في منتصف الملعب، ويتهمون الحكم بالخيانة الزوجية وتهريب البشر. وما يؤكد عروبة السودان أن كل ما قلته أعلاه فيهم أيضًا وإن كانوا يتفوقون على بقية العرب بشغفهم بالجدل السياسي وباتخاذهم الحوار السياسي ذريعة لتأجيل أعمال اليوم إلى الأبد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك