زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تحية واحتراما يا نساء
من عاداتي الحميدة القليلة أنني لا أمارس رعي غنم ابليس كما يقال عن الشخص الذي يجلس ساهما محدقا في الفراغ، ومن ثم فإنني اتسلح بكتاب كلما ذهبت إلى موعد طبي أو جلست في مطار أو في جوف طائرة، وقبل بضعة أيام وأثناء انتظار دوري لمقابلة طبيب في عيادة خاصة، ولم أكن يومها مسلحا بكتاب كعادتي، عثرت على عدد قديم (وهل من عيادة فيها عدد جديد من مجلة أو جريدة؟)، من نشرة صحية تصدرها جهة تمارس ما يسمى بالتثقيف الصحي، ووجدت نفسي اقرأها من الغلاف إلى الغلاف لأن كل محتوياتها كانت تهمني كرب بيت وابن آدم وحواء، لأن هذا العدد بالذات كان مكرسا لقضايا البيئة والصحة.
وكان لافتا للنظر أن الموضوعات في هذا العدد الخاص ابتعدت عن التنظير المطلق وركزت على قضايا بيئية وصحية نعايشها يومًا بعد آخر. كما شد انتباهي مقال دسم، بقلم نسائي تناول أشكال تلوث الماء والهواء والغذاء ومخاطر النفايات وما إلى ذلك من أمور تتعلق بالبيئة المنزلية.
ومن يعرف عن صحة البيئة المنزلية أكثر من المرآة؟ والله لو تركوا لي أمور النظافة والنظام في بيتنا شهرا واحدا لتعرض بيتنا لحصار دولي وقصف أطلسي بوصفه مصدر خطر على البيئة والأوزون، بل ومن أوكار داعش، فكما هو حال معظم الرجال فإنني استخدم الطاولة أو التربيزة سلة للقمامة، بمعنى أنني أترك عليها أشياء مكانها سلة القمامة (أقسى شيء على قلبي هو التخلص من الأوراق بالتقطيع والصحف والمجلات بالرمي في الزبالة)، واعترف بكل خجل بأنه وبعد أن استحم تجد الحمام من بعدي وكأنه مغسلة سيارات: صابونة هنا.. وفوطة هناك.. وبرك ماء في كل مكان، وبالتالي يصبح الحمام خطرا على سلامة كل من يدخله بعدي (انزلاق غضروفي / كسر في الجمجمة / فتق في الحجاب الحاجز إلخ) وفي الحالات التي أحاول أن أمثل فيها دور الزوج العصري فأقوم بإعداد طبق بسيط لنفسي بتسخين مادة مطبوخة سلفا فإن المطبخ يبدو وكأنه تعرض لقصف بالبراميل المتفجرة من قبل طيران روسيا او أوكرانيا.
ولهذا تنتزع الزوجات في كل البيوت «العصمة» فيما يتعلق بالترتيب والنظافة، واعترف بلا أدني إحساس بالخجل بأنه كثيرا ما ارتديت ملابسي لأخرج من البيت، فأسمع صيحة: هاي طالع وين بالهدوم المبهدلة دي؟ ولا صوت يعلو فوق صوت أم المعارك، وقبل الزواج كانت أمي مسؤولة عن صحة البيئة، وصحتي: يا ولد قوم استحم.. يا ولد غير هدومك.. وحتى عهد الصبا كانت تقوم باعتقالي داخل طشت وتفرك فروتي بالصابون وتصب على جسمي عدة جرادل من المياه كي يطمئن قلبها إلى نظافتي.
الله. ما أجمل النساء حتى ولو كن من الصنف الذي لا يلهم الشعراء. فقد حباهن الله بحس جمالي غريزي، فتجدهن يعشقن الزهور ونباتات الزينة والألوان الجميلة ويتحلين بذوق رفيع في اختيار الملابس والعطور، ولهذا قد تدخل بيتا أهله رقيقو الحال أي قليلو المال، فتجده في منتهى الجمال من حيث تنسيق الأثاث والنظافة، فتدرك أن الجمال لا يشترى بالمال، بل خصلة مكتسبة ولكن الله خص معظم النساء بها.
وأحمد الله أنني استفدت كثيرا من الزجر والتأنيب والشرشحة والتأديب، وصرت أكثر حبا للنظام والترتيب، بدرجة أنني صرت اتضايق إذا رأيت قصاصة ورقية صغيرة ملقاة على أرضية غرفة، وصرت أضع ملابسي المتسخة في «سلة الغسيل»، وكنت من قبل أكوِّمها فوق بعضها البعض على الشماعة، بل صرت أتباهى في السنوات الأخيرة بأن مكتبي صار مرتبا، بعد أن تخلصت من عادة ردم الأوراق فوق بعضها البعض، ثم أدركت أن الترتيب الذي طرأ على المكتب، ليس بسبب حبي للنظام، بل لأن استخدام الكمبيوتر في العمل والمراسلات، نفى الحاجة إلى استخدام الورق (بالمناسبة ومع أنني قد لا أستخدم القلم طوال أسبوع كامل إلا أنني أحتفظ بقلم في جيبي على الدوام أينما ذهبت).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك