العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لو علموا بقدراتي وإنجازاتي

من‭ ‬حقي‭ ‬ان‭ ‬اتباهى‭ ‬بإنجازاتي‭ ‬الضخمة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ركوب‭ ‬الطائرة‭ ‬وانا‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الـ27،‭ ‬واستخدام‭ ‬الهاتف‭ ‬وأنا‭ ‬طالب‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬واكتشافي‭ ‬لآيسكريم‭ ‬باسكن‭ ‬روبنز‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬الأربعين،‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬الإنجاز‭ ‬الباهر‭ ‬بزيارة‭ ‬مدينة‭ ‬ديزني‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬حيث‭ ‬أمضيت‭ ‬8‭ ‬أيام‭ ‬ألعب‭ ‬وأقفز‭ ‬بعد‭ ‬وضع‭ ‬لثام‭ ‬على‭ ‬وجهي‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬ترني‭ ‬‮«‬أبله‭ ‬ظاظا‮»‬‭ ‬وتشمت‭ ‬فيّ‭.‬

وعطفا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الإنجازات،‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬صناع‭ ‬وتجار‭ ‬الكومبيوتر‭ ‬يعرفون‭ ‬أصول‭ ‬التسويق‭ ‬لاشتروا‭ ‬قصتي‭ ‬مع‭ ‬الكومبيوتر،‭ ‬للترويج‭ ‬لبضاعتهم‭. ‬وحكايتي‭ ‬مع‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يأس‭ ‬مع‭ ‬الحياة،‭ ‬ولا‭ ‬حياة‭ ‬مع‭ ‬اليأس‮»‬،‭ ‬فبسبب‭ ‬سوء‭ ‬ظني‭ ‬بالتكنولوجيا،‭ ‬لم‭ ‬ألمس‭ ‬الكومبيوتر‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬قابعا‭ ‬على‭ ‬ركن‭ ‬مكتبي‭ ‬زهاء‭ ‬الست‭ ‬سنوات،‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وكان‭ ‬وجوده‭ ‬ضروريًا‭ ‬لإضفاء‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬والوجاهة‭ ‬على‭ ‬منصبي،‭ ‬كمدير‭ ‬للعلاقات‭ ‬العامة‭ ‬والترجمة‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬الاتصالات‭ ‬القطرية،‭ ‬وليظهر‭ ‬إلى‭ ‬جانبي‭ ‬كلما‭ ‬التقط‭ ‬صحفي‭ ‬لي‭ ‬صورة‭ ‬وأنا‭ ‬أمارس‭ ‬أعبائي‭ ‬الوظيفية‭.‬

ولكنني‭ ‬كنت‭ ‬أخاف‭ ‬الاختلاء‭ ‬به،‭ ‬وأحسب‭ ‬أنه‭ ‬سيصرخ‭ ‬في‭ ‬وجهي‭ ‬لو‭ ‬لامست‭ ‬أزراره،‭ ‬واعتبرته‭ ‬عدوّا‭ ‬سينتزع‭ ‬مني‭ ‬وظيفتي‭ ‬يومًا‭ ‬ما،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أتزق‭ ‬من‭ ‬الترجمة‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬وتواترت‭ ‬أنباء‭ ‬بأن‭ ‬الكومبيوتر‭ ‬أصبح‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬مختلف‭ ‬النصوص،‭ ‬وهكذا‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬أعلن‭ ‬تلفزيون‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬حاجته‭ ‬إلى‭ ‬صحفيين‭ ‬حتى‭ ‬قدمت‭ ‬أوراقي‭ ‬المزورة‭ ‬والأصلية،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اجتزت‭ ‬الامتحانات‭ ‬الشفهية‭ ‬بنجاح‭ ‬أغلقت‭ ‬باب‭ ‬مكتبي‭ ‬ومددت‭ ‬لساني‭ ‬للكومبيوتر‭ ‬وقلت‭ ‬له‭: ‬مبروك‭ ‬عليك‭ ‬الترجمة،‭ ‬هأنذا‭ ‬ذاهب‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬التلفزيون‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬لأن‭ ‬تحشر‭ ‬أنفك‭ ‬في‭ ‬عملي،‭ ‬ولاحقا‭ ‬اختبرت‭ ‬ترجمات‭ ‬غوغل‭ ‬واطمأن‭ ‬قلبي،‭ ‬لأنك‭ ‬تكتب‭ ‬جملة‭ ‬مفيدة‭ ‬سليمة‭ ‬لغويا،‭ ‬ويترجمها‭ ‬غوغل‭ ‬فتصبح‭ ‬كما‭ ‬أغنيات‭ ‬شعبولا‭.‬

ثم‭ ‬جاءتني‭ ‬أوراق‭ ‬التعيين‭ ‬من‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬ومعها‭ ‬سؤال‭ ‬عن‭ ‬سرعتي‭ ‬في‭ ‬الطباعة‭ ‬على‭ ‬الكومبيوتر،‭ ‬فأغلقت‭ ‬مكتبي‭ ‬مجددًا‭ ‬وشتمت‭ ‬الكومبيوتر‭ ‬وبصقت‭ ‬عليه،‭ ‬ثم‭ ‬جلست‭ ‬أتدرب‭ ‬على‭ ‬الطباعة‭ ‬وفي‭ ‬غضون‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬كانت‭ ‬سرعتي‭ ‬في‭ ‬الطباعة‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬معدلا‭ ‬معقولا،‭ ‬وبعد‭ ‬ذهابي‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬أصبح‭ ‬لزاما‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أؤدي‭ ‬جميع‭ ‬أعمالي‭ ‬باستخدام‭ ‬الكومبيوتر،‭ ‬الذي‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬جبروته‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التلفزيون‭ ‬أن‭ ‬استولى‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬المصور‭ ‬وفني‭ ‬الإضاءة،‭ ‬وهكذا‭ ‬أصبحت‭ ‬مكرها‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬علاقتي‭ ‬بالكومبيوتر،‭ ‬وتلقي‭ ‬الدروس‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬عيالي‭ ‬وأدركت‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي‭ ‬مظلومون،‭ ‬فعيال‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬الكومبيوتر‭ ‬بنفس‭ ‬البساطة‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نتعامل‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬الطين‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬المادة‭ ‬الأساسية‭ ‬لألعابنا،‭ ‬نصنع‭ ‬منه‭ ‬أشكالا‭ ‬مختلفة‭ ‬ثم‭ ‬نأكل‭ ‬بعضا‭ ‬منه‭.‬

ثم‭ ‬جاء‭ ‬الانترنت‭ ‬واضطررت‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬كومبيوتر‭ ‬منزلي‭ ‬بملحقاته‭ ‬كافة،‭ ‬وهكذا‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬غرام‭ ‬الكومبيوتر‭ (‬وما‭ ‬من‭ ‬محبة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬عداوة‭)‬،‭ ‬وتزامن‭ ‬استخدامي‭ ‬للإنترنت‭ ‬مع‭ ‬استعداد‭ ‬أكبر‭ ‬أولادي‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالجامعة،‭ ‬فخاطبت‭ ‬عبر‭ ‬الانترنت‭ ‬نحو‭ ‬بضع‭ ‬ثلاثين‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القارات،‭ ‬ومن‭ ‬الانترنت‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬في‭ ‬نصف‭ ‬الكرة‭ ‬الجنوبي‭ ‬وأن‭ ‬الدراسة‭ ‬فيها‭ ‬تبدأ‭ ‬قبل‭ ‬الجامعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والأمريكية‭ ‬بثمانية‭ ‬أشهر،‭ ‬فأرسلته‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬فتقدم‭ ‬على‭ ‬دفعته‭ ‬بعام‭ ‬دراسي‭ ‬كامل،‭ ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬والانترنت‭ ‬مستشاري‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ومن‭ ‬يرَني‭ ‬أجلس‭ ‬إلى‭ ‬الكومبيوتر‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬يحسب‭ ‬أنني‭ ‬مبتكر‭ ‬برمجيات‭ ‬مايكروسوفت‭!‬

وتوالت‭ ‬الطفرات‭ ‬الحضارية،‭ ‬فرغم‭ ‬كرهي‭ ‬الشديد‭ ‬للهواتف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كرهي‭ ‬لفاروق‭ ‬الفيشاوي‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وغفر‭ ‬لي‭ ‬وله‭)‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬صرت‭ ‬أستخدم‭ ‬هاتفا‭ ‬من‭ ‬الموديلات‭ ‬الجديدة،‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬هاتفي‭ ‬أكثر‭ ‬مني‭ ‬ذكاء،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يصبني‭ ‬ذلك‭ ‬بعقد‭ ‬نفسية،‭ ‬لأنني‭ ‬كغيري‭ ‬أستفيد‭ ‬من‭ ‬ذكائه،‭ ‬وصرت‭ ‬أجري‭ ‬اتصالات‭ ‬هاتفية‭ ‬عابرة‭ ‬للقارات‭ ‬ببلاش،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يراني‭ ‬كاشخا‭ ‬بآيفون‭ ‬إكس‭ ‬واي‭ ‬دبليو‭ ‬سي‭ ‬كيو‭ ‬يو،‭ ‬لن‭ ‬يعرف‭ ‬أنني‭ ‬قروي‭ ‬لم‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬الكهرباء‭ ‬ولم‭ ‬أستحمّ‭ ‬بالدُّش‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تجاوزت‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة‭.‬

ولكل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬مجتمعة‭ ‬فإنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬اشترت‭ ‬شركات‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬والهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬قصة‭ ‬تجربتي‭ ‬مع‭ ‬منتجاتها،‭ ‬فإن‭ ‬ملايين‭ ‬القرويين‭ ‬الغلابة‭ ‬سيقولون‭: ‬نحن‭ ‬مو‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬ويبيعون‭ ‬مواشيهم،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬أراضيهم‭ ‬لشراء‭ ‬تلك‭ ‬المنتجات،‭ ‬ولن‭ ‬أشطح‭ ‬في‭ ‬المطالبة‭ ‬بعمولة‭ ‬ضخمة‭: ‬10‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬تكفيني،‭ ‬فلست‭ ‬‮«‬مادي‮»‬‭ ‬النزعات‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا