زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لو علموا بقدراتي وإنجازاتي
من حقي ان اتباهى بإنجازاتي الضخمة، من بينها ركوب الطائرة وانا في سن الـ27، واستخدام الهاتف وأنا طالب في الصف الثالث في المرحلة الثانوية، واكتشافي لآيسكريم باسكن روبنز وأنا في الأربعين، ثم كان الإنجاز الباهر بزيارة مدينة ديزني في باريس حيث أمضيت 8 أيام ألعب وأقفز بعد وضع لثام على وجهي خوفا من ان ترني «أبله ظاظا» وتشمت فيّ.
وعطفا على تلك الإنجازات، لو كان صناع وتجار الكومبيوتر يعرفون أصول التسويق لاشتروا قصتي مع الكومبيوتر، للترويج لبضاعتهم. وحكايتي مع الكمبيوتر دليل على صحة مقولة «لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس»، فبسبب سوء ظني بالتكنولوجيا، لم ألمس الكومبيوتر الذي ظل قابعا على ركن مكتبي زهاء الست سنوات، في تسعينيات القرن الماضي، وكان وجوده ضروريًا لإضفاء قدر من الأهمية والوجاهة على منصبي، كمدير للعلاقات العامة والترجمة في شركة الاتصالات القطرية، وليظهر إلى جانبي كلما التقط صحفي لي صورة وأنا أمارس أعبائي الوظيفية.
ولكنني كنت أخاف الاختلاء به، وأحسب أنه سيصرخ في وجهي لو لامست أزراره، واعتبرته عدوّا سينتزع مني وظيفتي يومًا ما، فقد كنت أتزق من الترجمة لسنوات طويلة، وتواترت أنباء بأن الكومبيوتر أصبح قادرًا على ترجمة مختلف النصوص، وهكذا ما إن أعلن تلفزيون بي بي سي حاجته إلى صحفيين حتى قدمت أوراقي المزورة والأصلية، وبعد أن اجتزت الامتحانات الشفهية بنجاح أغلقت باب مكتبي ومددت لساني للكومبيوتر وقلت له: مبروك عليك الترجمة، هأنذا ذاهب إلى العمل في التلفزيون ولا سبيل لأن تحشر أنفك في عملي، ولاحقا اختبرت ترجمات غوغل واطمأن قلبي، لأنك تكتب جملة مفيدة سليمة لغويا، ويترجمها غوغل فتصبح كما أغنيات شعبولا.
ثم جاءتني أوراق التعيين من بي بي سي، ومعها سؤال عن سرعتي في الطباعة على الكومبيوتر، فأغلقت مكتبي مجددًا وشتمت الكومبيوتر وبصقت عليه، ثم جلست أتدرب على الطباعة وفي غضون أسابيع قليلة كانت سرعتي في الطباعة قد بلغت معدلا معقولا، وبعد ذهابي إلى لندن أصبح لزاما عليّ أن أؤدي جميع أعمالي باستخدام الكومبيوتر، الذي بلغ من جبروته في مجال التلفزيون أن استولى على وظيفة المصور وفني الإضاءة، وهكذا أصبحت مكرها على تحسين علاقتي بالكومبيوتر، وتلقي الدروس على يد عيالي وأدركت لأول مرة أن أبناء جيلي مظلومون، فعيال هذا الزمان يتعاملون مع الكومبيوتر بنفس البساطة التي كنا نتعامل بها مع الطين الذي كان المادة الأساسية لألعابنا، نصنع منه أشكالا مختلفة ثم نأكل بعضا منه.
ثم جاء الانترنت واضطررت إلى شراء كومبيوتر منزلي بملحقاته كافة، وهكذا وقعت في غرام الكومبيوتر (وما من محبة إلا بعد عداوة)، وتزامن استخدامي للإنترنت مع استعداد أكبر أولادي للالتحاق بالجامعة، فخاطبت عبر الانترنت نحو بضع ثلاثين جامعة في كل القارات، ومن الانترنت عرفت أن نيوزيلندا في نصف الكرة الجنوبي وأن الدراسة فيها تبدأ قبل الجامعات الأوروبية والأمريكية بثمانية أشهر، فأرسلته إلى هناك فتقدم على دفعته بعام دراسي كامل، ومنذ يومها والانترنت مستشاري في كل شيء، ومن يرَني أجلس إلى الكومبيوتر ليل نهار يحسب أنني مبتكر برمجيات مايكروسوفت!
وتوالت الطفرات الحضارية، فرغم كرهي الشديد للهواتف أكثر من كرهي لفاروق الفيشاوي (رحمه الله وغفر لي وله)، إلا أنني صرت أستخدم هاتفا من الموديلات الجديدة، رغم أنني أدرك أن هاتفي أكثر مني ذكاء، ولكن لم يصبني ذلك بعقد نفسية، لأنني كغيري أستفيد من ذكائه، وصرت أجري اتصالات هاتفية عابرة للقارات ببلاش، وكل من يراني كاشخا بآيفون إكس واي دبليو سي كيو يو، لن يعرف أنني قروي لم أتعامل مع الكهرباء ولم أستحمّ بالدُّش إلا بعد أن تجاوزت الخامسة عشرة.
ولكل هذه الأسباب مجتمعة فإنني أعتقد أنه لو اشترت شركات الكمبيوتر والهواتف الذكية قصة تجربتي مع منتجاتها، فإن ملايين القرويين الغلابة سيقولون: نحن مو أقل من أبو الجعافر ويبيعون مواشيهم، بل وحتى أراضيهم لشراء تلك المنتجات، ولن أشطح في المطالبة بعمولة ضخمة: 10 ملايين دولار تكفيني، فلست «مادي» النزعات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك