العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

في تمجيد الضحك والابتسام (3)

أواصل‭ ‬اليوم‭ ‬مرافعتي‭ ‬لإثبات‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬قلة‭ ‬الأدب‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يستهدف‭ ‬شخصا‭ ‬أو‭ ‬شعبا‭ ‬بكلام‭ ‬جارح‭ ‬أو‭ ‬مسيء،‭ ‬وتقول‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬عن‭ ‬النبي‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬‮«‬كان‭ ‬ألين‭ ‬الناس‭ ‬وأكرم‭ ‬الناس‭ ‬وكان‭ ‬رجلا‭ ‬من‭ ‬رجالكم،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ضحّاكا‭ ‬بسّاما‮»‬‭.‬

هناك‭ ‬شاعر‭ ‬سوداني‭ ‬يكتب‭ ‬بالعامية،‭ ‬ذائع‭ ‬الصيت‭ ‬اسمه‭ ‬هاشم‭ ‬صدِّيق،‭ ‬اشتهر‭ ‬بشعره‭ ‬السياسي،‭ ‬ولم‭ ‬تأت‭ ‬حكومة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬إلا‭ ‬وبشع‭ ‬بها‭ ‬ومسح‭ ‬بها‭ ‬الأرض،‭ ‬وأكثر‭ ‬الأناشيد‭ ‬الوطنية‭ ‬ذيوعا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬تأليفه،‭ ‬ولكنه‭ ‬كتب‭ ‬بعض‭ ‬القصائد‭ ‬العاطفية‭ ‬التي‭ ‬تغنى‭ ‬بها‭ ‬مطربو‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬مطرب‭ ‬ملتزم‭ ‬ومنضبط‭ ‬اسمه‭ ‬أبو‭ ‬عركي،‭ ‬ومن‭ ‬أكثر‭ ‬أغنيات‭ ‬هذا‭ ‬المطرب‭ ‬ذيوعا‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬هاشم‭ ‬صديق‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬للحبيبة‭: ‬اضحكي،‭ ‬تضوي‭ ‬نجمات‭ ‬المحنّة‭ / ‬اضحكي‭ ‬يرجع‭ ‬الحب‭ ‬ل‭ ‬زمننا‭ / ‬ضحكك‭ ‬شرح‭ ‬قلب‭ ‬السما‭ / ‬لون‭ ‬سحاب‭ ‬كل‭ ‬الفضا‭ / ‬هزَ‭ ‬وتر‭ ‬الأزمنة‭.. ‬اضحكي‮ ‬تضحك‭ ‬الدنيا‭ ‬وتفيض‭/ ‬تصحى‭ ‬الكهارب في‭ ‬الشوارع‮ ‬‭/ ‬وينكسر‭ ‬سور‭ ‬الموانع‮ ‬‭/ ‬وتبدأ‭ ‬أعياد‭ ‬المزارع والمصانع‮ ‬‭/ ‬وتوصل‭ ‬الناس‭ ‬الروائع‭.. ‬تضحك‭ ‬الدنيا‭ ‬وتفيض‮ ‬‭/ ‬اضحكي‭ ‬يغسل‭ ‬النغم‭ ‬المآسي‭/ ‬اضحكي‭ ‬تهدأ‭ ‬أمواج‭ ‬القواسي‭ (‬انظر‭ ‬جزالة‭ ‬العبارة‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬يفترض‭ ‬أنه‭ ‬عامي‭ ‬وسيحس‭ ‬القارئ‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن،‭ ‬مِن‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬أتى،‭ ‬أنه‭ ‬كلام‭ ‬جميل‭ ‬ومفهوم‭ ‬ويبعث‭ ‬على‭ ‬التفاؤل‭).‬

زبدة‭ ‬كلامي‭ ‬عن‭ ‬الضحك‭ ‬لخصها‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭: ‬اضحكي‭ ‬يغسل‭ ‬النغم‭ ‬المآسي‭/ ‬اضحكي‭ ‬تهدأ‭ ‬أمواج‭ ‬القواسي،‭ (‬القواسي‭ ‬هي‭ ‬الشدائد‭ ‬القاسية‭ ‬على‭ ‬النفس‭) ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬نثرا‭ ‬الدكتورة‭ ‬سوزان‭ ‬ستيبوم‭ ‬مديرة‭ ‬مركز‭ ‬النساء‭ ‬للقلب‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬لينوكس‭ ‬هيل‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬بأن‭ ‬الضحك‭ ‬يثبط‭ ‬هرمونات‭ ‬التوتر‭ ‬والقلق،‭ ‬ويرفع‭ ‬معدلات‭ ‬الكولسترول‭ ‬الحميد‭ (‬إتش‭. ‬دي‭. ‬إل‭)‬،‭ ‬ويحد‭ ‬من‭ ‬التهاب‭ ‬الشرايين،‭ ‬وفوائده‭ ‬على‭ ‬القلب‭ ‬فورية،‭ ‬ويوافقها‭ ‬الرأي‭ ‬البروفسر‭ ‬باري‭ ‬جيكوبس‭ ‬الناطق‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬جمعية‭ ‬القلب‭ ‬الأمريكية‭ ‬بأن‭ ‬النكديين‭ ‬العبوسين‭ ‬العدوانيين‭ ‬ترتفع‭ ‬عندهم‭ ‬احتمالات‭ ‬الإصابة‭ ‬بأمراض‭ ‬القلب‭ ‬بنسبة‭ ‬40‭% ‬مقارنة‭ ‬بالبشوشين‭ ‬الضحوكين‭.‬

أتى‭ ‬جيكوبس‭ ‬بمجموعتين‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬مزودين‭ ‬بأجهزة‭ ‬قياس‭ ‬الضغط‭ ‬والدورة‭ ‬الدموية،‭ ‬وشاهدت‭ ‬مجموعة‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬إنقاذ‭ ‬الجندي‭ ‬رايان‮»‬،‭ ‬Saving Private Rayan الذي تدور وقائعه خلال الحرب العالمية الثانية، ويواجه رايان (قام بدوره توم هانكس) مخاطر جمة،  أقلها شأناً الوقوع في الأسر، ويحاول زملاؤه إنقاذه، والرصاص والقذائف تنهال عليهم، بينما شاهدت المجموعة الأخرى الفيلم الكوميدي «شيء ما عن ميري Something about Mary»، وعانى‭ ‬مشاهدو‭ ‬الفيلم‭ ‬الحربي‭ ‬من‭ ‬ضيق‭ ‬في‭ ‬الأوعية‭ ‬وبطء‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الدموية،‭ ‬بينما‭ ‬سجلت‭ ‬الأوعية‭ ‬الدموية‭ ‬لمن‭ ‬ضحكوا‭ ‬مع‭ ‬الفيلم‭ ‬الكوميدي‭ ‬توسعا‭ ‬وكان‭ ‬معدل‭ ‬تدفق‭ ‬الدم‭ ‬عندهم‭ ‬عاليا‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمجموعة‭ ‬الأولى‭.‬

دعني‭ ‬أستأنس‭ ‬برأيك‭ ‬حول‭ ‬الضحك‭ ‬وتأثيره‭ ‬الإيجابي‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭: ‬ألم‭ ‬تكره‭ ‬مادة‭ ‬أكاديمية‭ ‬معينة،‭ ‬لأن‭ ‬المعلم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدرسها‭ ‬كان‭ ‬فظا‭ ‬أو‭ ‬سخيفا‭ ‬أو‭ ‬ثقيل‭ ‬الظل‭ ‬والدم؟‭ ‬ألم‭ ‬يمر‭ ‬بك‭ ‬مدرس‭ ‬كانت‭ ‬لديه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تنويمك‭ ‬مغناطيسيا‭ ‬لأنه‭ ‬بلا‭ ‬روح‭ ‬ومجرد‭ ‬‮«‬ريكوردر‭/ ‬مسجل‮»‬‭ ‬يفرغ‭ ‬الشريط‭ ‬المقرر‭ ‬في‭ ‬رتابة‭ ‬‮«‬تهدهدك‮»‬،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬هدهدة‭ ‬الأطفال‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الترديد‭ ‬الرتيب‭ ‬لجمل‭ ‬مفرداتها‭ ‬منغومة،‭ ‬ومهما‭ ‬اختلفت‭ ‬مفردات‭ ‬أغنيات‭ ‬الهدهدة‭ ‬يبقى‭ ‬لحنها‭ ‬سيم‭ ‬سيم‭.‬

تسبب‭ ‬مدرس‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الوسطى،‭ ‬في‭ ‬الطلاق‭ ‬البائن‭ ‬بينونة‭ ‬كبرى‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬الرياضيات،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬عبوسا،‭ ‬زفر‭ ‬اللسان‭ ‬وطويل‭ ‬اليد،‭ ‬وفي‭ ‬السنة‭ ‬النهائية‭ ‬من‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬البدهي‭ ‬أن‭ ‬استبعد‭ ‬الرياضيات‭ ‬من‭ ‬خيارات‭ ‬مواد‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬من‭ ‬يقرر‭ ‬عدم‭ ‬الجلوس‭ ‬لمادة‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية،‭ ‬ألا‭ ‬يحضر‭ ‬الحصص‭ ‬المخصصة‭ ‬لها،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬يدرسها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬أستاذنا‭ ‬الحبوب‭ ‬عمر‭ ‬حسن‭ ‬مدثر‭ (‬عمر‭ ‬ماث‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬حلو‭ ‬الروح‭ ‬واللسان‭ ‬وتخرج‭ ‬الطرفة‭ ‬والملاحظات‭ ‬اللماحة‭ ‬الفكهة‭ ‬من‭ ‬لسانه‭ ‬بعفوية،‭ ‬فأقرقر‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬طوال‭ ‬حصة‭ ‬الرياضيات‭ ‬وأنا‭ ‬‮«‬شاهد‭ ‬ما‭ ‬فهمش‭ ‬حاجة‮»‬،‭ ‬فيلتفت‭ ‬نحوي‭: ‬اطلع‭ ‬بره،‭ ‬فأرد‭: ‬مش‭ ‬طالع‭. ‬فيقول‭: ‬خليك‭ ‬قاعد‭ ‬لأنك‭ ‬حتبقى‭ ‬لي‭ ‬سبب‭ ‬أسيب‭ ‬الشغلانة‭ ‬دي‭ (‬التدريس‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا