زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
في تمجيد الضحك والابتسام (2)
كنت من كتاب جريدة الوطن السعودية منذ عددها الأول (صدرت عام 2000)، وكان لي فيها عمود يومي بمسمى «زاوية منفرجة»، وهذه الصحيفة ومجلة المجلة هما اللتان كفلتا لي الذيوع والانتشار ودرجة طيبة من القبول، وذات مرة التقيت بالبروفيسر السعودي أحمد البدني (تخصص أدب فارسي)، وقال لي: لو كتبت جنس مقالاتك هذه قبل 15 سنة لتعرضت للضرب بالنعال، ولكن الدنيا وأمزجة الناس تغيرت الآن فوجدت الترحاب
وعطفا على مقالي ليوم أمس في تمجيد الضحك، استعين بشهادة وزارة الصحة في الأرجنتين، التي قامت بإنشاء أقساما للضحك في المستشفيات، بالاستعانة بمهرجي السيرك وفرق الكوميديا، بعد أن أثبتت تجارب في بعض مستشفيات استراليا أن الضحك يفيد المرضى، ويعينهم على الشفاء بوتيرة أسرع مما لو اكتفوا بالعلاج التقليدي، ودراسة صدرت عن جامعة بالتيمور الأمريكية، تفيد بأن الضحك يساعد على ضخ كميات كبيرة من الأوكسجين إلى القلب، وبالتالي فالضحك الصادر من القلب لعدة مرات يوميا، له نفس التأثير الإيجابي المتأتي عن ممارسة الرياضة على القلب، (وهذه تناسب أمثالي الذين لا يملكون قدرات رياضية، أو يحسبون أن الرياضة – مثل الرياضيات - تسبب خللا في الدماغ والجهاز الهضمي)، كما أن الضحك يسهم في رفع نسبة الإندورفين في الجسم فيكون من ضحك لدقيقة واحدة كمن استرخى 45 دقيقة (الإندورفين مادة كيميائية موجودة في الجسم يساعد تحفيزها على تخفيف التوتر والقلق).
ثم هل يستطيع شخص عاقل، سَوِيّ أن يصادق شخصا دائم العبوس، أو غبيا تقول له إن شخصا خاض الانتخابات ووعد الناخبين بأنه «سيعمل البلد كلها زفت/ قار وزلط»، فيقول بدوره: هذا مرشح كذاب، فتفكر لبرهة في أن تعضه في أذنه، ثم تتراجع عن الفكرة خوف انتقال عدوى الغباء إليك عن طريق الملامسة. وتسمع كثيرا في بيئات العمل: جابوا لنا مدير زفت، مكشر طول اليوم ويلعن خاشنا بسبب أو بلا سبب (تساءلت مرارا: ما هو «الخاش» الذي يلعنه بعضنا وشخصيا لا أغضب إذا لعن شخص ما خاشي لأنني اعتقد أنه ليست لي خاش، وحتى لو كان عندي خاش فطالما أنا لا أعرف ما يكون فإذن ذلك يعني أنه عديم الأهمية).
وبالمقابل تسمع آخرين يرددون: جابوا لنا مدير سُكّرة، مهذب ودائما باسم وضاحك (من أجمل توصيفات الشخصية في السودان قول إن فلان «صباح خير». تأمل جمال وبلاغة الكلمتين، وستتذكر شخصا تحبه، وتتمنى أن تصطبح بوجهه كل يوم، ليكون أول من يلقي عليك تحية الصباح)، وعلى مستوى زملاء العمل أو الدراسة أو شلة الجيران سيكون هناك شخص أو أكثر يستحق وصف «قرادة»، والقراد حشرة طفيلية مزعجة، تمتص من الدم الكثير وبالتالي يفترض أن دمها ثقيل «وزناً».
الضحك يا جماعة هو أقصر مسافة بين شخصين، فلو التقيت بشخص لأول مرة، ووجدته فكِهاً ضحوكا، فإنك ستحرص على التعرف عليه، وهكذا فإن النكتة / الطرفة الذكية، وحسن استقبالها، يجعلها جسر مودة، وكان كثير من معارفي في الخرطوم بحري يتعجبون لأن حلاقا في السوق يحمل اسم «أبو الهول»، واسمه الحقيقي محمد ادريس، كان من أقرب الناس الى قلبي، ويقولون «أنت زول مثقف، لماذا تجلس أمام دكان حلاق وتضحك على قارعة الطريق؟»، وكان ردي بما معناه: الإجابة وردت في سؤالكم. اضحك على قارعة الطريق. هل هناك ما هو أمتع من هذا؟ ثم من خولكم تلبيسي لقب «مثقف» الذي يتطلب في تقديركم حرماني من مجالسة أحد أظرف خلق الله؟
ولم يحدث قط ان سمحت لأبو الهول أن يقص شعري، لأن الزبون الواحد كان يجلس عنده لنحو 3 ساعات ليحلق شعره زيرو، فلأن أبو الهول كان يعرف جميع سكان المدينة تقريبا وهم يحبونه، فقد كان يربط الزبون بفوطة الحلاقة (ليضمن أنه لن يفرفر)، ثم يخرج الى الشارع: وينك يا أبو السيد.. أنا مش طالبك فلوس.. ليه مقاطعني.. يا خالتي زينب ما تيجي أقص ليك شعيراتك الطائرات على جبهتك لأنها تخليك تشبهي «صقر الجديان» والأطرف من كل ذلك أن أبو الهول الحلاق لم يكن يستخدم المشط أو يقص شعره إلا نحو مرتين في السنة (صقر الجديان له نحو ثلاث شعرات في قمة رأسه).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك