زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
بهائم حالها أفضل من حالنا
تربطني بنيوزيلندا وشائج وقرابة دم، لأنها منحت ابني الذي تلقى تعليمه الجامعي فيها، جواز السفر والجنسية النيوزيلندية، فصرنا نتباهى «يا بختنا مين زيِّنا، هناك خواجة في بيتنا»، وأعانه ذلك الجواز على الحصول على منحة مجانية للدراسات العليا في جامعة أسترالية، ومن ثم فإنني أرصد قدر المستطاع مجريات الأمور في نيوزيلندا، هربا من النكد الذي تسببه لي مجريات الأمور في بلدي (السودان).
هناك واقعة شهدتها نيوزيلندا وكان بطلها مهاجر عراقي أراد العام الماضي أن يحتفل بعيد الأضحى كما يليق بمسلم، فأتى بكبش فاخر، ثم استقبل القبلة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وجز عنق الكبش، في مدخل البيت فرآه بعض المارة، وأبلغوا الشرطة وجهاز المخابرات أن هناك إرهابيا أطلق هتافا داعشيا ثلاث مرات، ثم ذبح كبشا بريئا بطريقة بربرية، وأنهم يرجحون أن الإرهابي يتدرب على جز الرؤوس، ويخشون من ثم أن يتعرض جيرانه للذبح على الطريقة الداعشية.
أخذت السلطات علما بما حدث فتحركت قوات مكافحة الشغب ومعها كتيبة مدرعات وحاصرت بيت صاحبنا العراقي، وفرضت عليه حظرًا جويًا ونفطيًا، وشعر بالجوع فتفاوض مع الشرطة على صفقة النفط مقابل الغذاء، من منطلق أن عنده مخزونا نفطيا احتياطيا، لأن ظروف بلاده بعد عام 2003، علمته تكديس أي شيء قابل للتكديس، المهم أن الشرطة طالبته بتسليم السكين التي ذبح بها الخروف باعتبار أنها من أسلحة الدمار الشامل، ثم اقتادوه إلى القيادة العامة للقوات المسلحة النيوزيلندية، وجاء جماعة الاستخبارات العسكرية، وسألوه عن علاقته بالقاعدة وداعش، ولكنه أثبت لهم أنه مقيم في نيوزيلندا قبل ظهور القاعدة وداعش بسنوات وبالتالي فهو بريء من الدعدشة.
ورغم أن المحققين كانوا موقنين أنه إرهابي بالميلاد والوراثة إلا أنهم لم يجدوا دليلا على ارتباطه بأي تنظيم إرهابي، فصرفوا النظر عن تسليمه للولايات المتحدة لتستضيفه في فندق غوانتنامو، وهكذا مثل صاحبنا أمام محكمة عسكرية إيجازيه، حكمت عليه بغرامة قدرها عشرة آلاف دولار بعد إدانته بارتكاب جريمة «بشعة» تمثلت في ذبح خروف بريء دون تخديره، ودون الحصول على الموافقة بذبحه من أمه «النعجة»!! وهكذا دفع صاحبنا قيمة أضحيات 75 سنة مقابل كبش واحد، ثم رفع شكوى إلى الأمم المتحدة، ثم أدرك أن الشكوى لغير الله مذلة.
في هولندا والدنمارك ونيوزلندا وغيرها، لكل بقرة ونعجة ملف فيه شهادة الميلاد وشجرة النسب ووثيقة التأمين والشهادات المدرسية، وإذا ماتت البهيمة فلابد من الحصول على شهادة وفاة تشرح أسباب موتها وطريقة توزيع الميراث من روث وتبن على ذريتها، ولابد من تسجيل أي عملية بيع للمواشي كي تكون السلطات على علم بالمكان الذي انتقلت إليه البهيمة المباعة، وفي العالم العربي تحتجز السلطات آدميا فيظل أهله ينتقلون من سجن إلى مخفر بحثا عنه دون أن يعثروا على ورقة تشير إلى مكان احتجازه، وقد تقول السلطات إنه ليس محتجزا ثم تتصل بأسرته بعد ذلك ببضعة أيام لإبلاغها بأنه مات في السجن أثر نوبة قلبية أمهلته طويلا.
وقد سبق لي أن سردت حكاية السوداني الذي كان يقيم في لندن واستدرج الحمام ليعشش ويفرخ ويبيض في شرفة بيته فضمن لنفسه وجبات شهية من فراخ الحمام التي كان يذبحها ويتخلص من فضلاتها داخل دورة المياه، وكان جيرانه البريطانيون يحبونه لأنهم حسبوا أنه يحب الحمام «لله في لله» ولو علموا بأمره لذبحوه في الشارع ونثروا لحمه للحمام!
ولم يتألم العراقي – النيوزيلندي من ضخامة الغرامة قدر تألُمِه من أن الإنسان في وطنه الأم أقل شأنا من بهائم نيوزيلندا، وتذكر أنه لجأ إلى نيوزيلندا هربا من الذبح على قارعة الطريق، وحمد الله لأنه بعيد عن مرمى نيران الجيش العراقي الباسل الذي يستخدم ذخائر مصابة بالحَوَل، وكلما وجهوها صوب عناصر داعش دشدشت رؤوس مواطنين أبرياء يفترض أنه (الجيش) يقاتل ليوفر لهم الحماية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك