العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

حكايات ابن المقرطع

من‭ ‬المؤكد‭ ‬ان‭ ‬ابن‭ ‬المقفع‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ ‬كليلة‭ ‬ودمنة‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬نسج‭ - ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ - ‬حكايات‭ ‬شخوصها‭ ‬حيوانات‭ ‬تنطق‭ ‬وتتصرف‭ ‬كما‭ ‬البشر،‭ ‬ويقول‭ ‬ابن‭ ‬‮«‬المطرقع‮»‬‭ ‬المعاصر‭ ‬إن‭ ‬الغراب‭ ‬كان‭ ‬جالسا‭ ‬فوق‭ ‬شجرة،‭ ‬والانبساط‭ ‬باد‭ ‬عليه،‭ ‬فمر‭ ‬به‭ ‬أرنب‭ ‬وسأله‭:  ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬يا‭ ‬غراب‭ ‬فوق‭ ‬الشجرة؟‭  ‬فرد‭ ‬الغراب‭: ‬لا‭ ‬شيء،‭ ‬فقط‭ ‬أجلس‭ ‬وأتمتع‭ ‬بمشاهدة‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬حولي،‭ ‬وقد‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬الكسل‭ ‬والاسترخاء‭ ‬هما‭ ‬قمة‭ ‬المتعة،‭ ‬فتشكك‭ ‬الأرنب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المنطق‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت،‭ ‬فأضاف‭ ‬الغراب‭:  ‬النشاط‭ ‬والعمل‭ ‬يعطيان‭ ‬نتائج‭ ‬مستقبلية‭ ‬أما‭ ‬الكسل‭ ‬فنتائجه‭ ‬فورية،‭ ‬وعملا‭ ‬بتلك‭ ‬النصيحة‭ ‬تمدد‭ ‬الأرنب‭ ‬ورقد‭ ‬تحت‭ ‬الشجرة‭ ‬فمر‭ ‬به‭ ‬ثعلب‭ ‬وأكله‭. ‬والدرس‭ ‬المستخلص‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬كي‭ ‬يتسنى‭ ‬لك‭ ‬الجلوس‭ ‬أو‭ ‬الرقاد‭ ‬دون‭ ‬فعل‭ ‬شيء،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تجلس‭ ‬في‭ ‬العلالي‭..  ‬فوق‭...  ‬ويفسر‭ ‬هذا‭ ‬كيف‭ ‬يتسنى‭ ‬لكبار‭ ‬الموظفين‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بوظائفهم‭ ‬ومزاياهم‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يفعلون‭ ‬شيئاً‭ ‬بينما‭ ‬صغار‭ ‬الموظفين‭ ‬يذوقون‭ ‬الويل‭ ‬إذا‭ ‬تكاسلوا‭ ‬أو‭ ‬قصروا‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬واجباتهم‭.‬

تذكرت‭ ‬نشيدا‭ ‬درسناه‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭: ‬رأى‭ ‬الغراب‭ ‬جبنة‭ ‬في‭ ‬دار‭/ ‬لبعض‭ ‬قوم‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬اليسار‭/ ‬فاستل‭ ‬منها‭ ‬قطعة‭ ‬وطارا‭/ ‬كأنه‭ ‬قد‭ ‬ملك‭ ‬الإمارة‭/  ‬وحينما‭ ‬حط‭ ‬على‭ ‬إحدى‭ ‬الشجر‭/ ‬رآه‭ ‬ثعلب‭ ‬فأحدق‭ ‬النظر‭/ ‬فقال‭ ‬يا‭ ‬غراب‭ ‬لي‭ ‬سنة‭ ‬لم‭ ‬أراك‭/ ‬لأسمع‭ ‬الجميل‭ ‬من‭ ‬غناك‭/ ‬فامتثل‭ ‬الغراب‭ ‬لقول‭ ‬الثعلب‭/  ‬فصار‭ ‬يشدو‭ ‬بالغناء‭ ‬المطرب‭/ ‬فوقعت‭ ‬الجبنة‭ ‬من‭ ‬منقاره‭/ ‬غنيمة‭ ‬باردة‭ ‬لجاره،‭ ‬فقال‭ ‬يا‭ ‬غراب‭ ‬ما‭ ‬ظلمتك‭/ ‬بمثل‭ ‬ما‭ ‬عاملت‭ ‬قد‭ ‬عاملتك‭ (‬هنا‭ ‬انتصر‭ ‬الذكاء‭ ‬على‭ ‬الغباء‭).‬

وكان‭ ‬أرنب‭ ‬آخر‭ ‬يتابع‭ ‬ما‭ ‬دار‭ ‬بين‭ ‬الغراب‭ ‬والأرنب‭ ‬المسكين،‭ ‬فقرر‭ ‬أن‭ ‬ينعم‭ ‬بالخمول‭ ‬والكسل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعرض‭ ‬حياته‭ ‬للخطر،‭ ‬ولكن‭ ‬بالجلوس‭ ‬أعلى‭ ‬الشجرة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الثعالب،‭ ‬فتوجه‭ ‬إلى‭ ‬ثور‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬قريب‭ ‬واستشاره‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬الطيران،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬الثور‭:  ‬إذا‭ ‬أكلت‭ ‬من‭ ‬روثي‭ (‬بعري‭) ‬فإنك‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تطير‭ ‬وأن‭ ‬تجلس‭ ‬أعلى‭ ‬الشجرة،‭ ‬فلم‭ ‬يتردد‭ ‬الأرنب‭ ‬وانهمك‭ ‬يأكل‭ ‬في‭ ‬فضلات‭ ‬الثور،‭ ‬وبعد‭ ‬قليل‭ ‬جرب‭ ‬الطيران،‭ ‬واكتشف‭ ‬أنه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحلق‭ ‬لارتفاع‭ ‬مترين،‭ ‬فواصل‭ ‬أكل‭ ‬الروث‭ ‬وأعاد‭ ‬المحاولة‭ ‬فطار‭ ‬لقرابة‭ ‬أربعة‭ ‬أمتار،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أكل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الحظيرة‭ ‬من‭ ‬روث،‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬يطير‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬الشجرة،‭ ‬فجلس‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬فروعها،‭ ‬وهو‭ ‬يحس‭ ‬بالسعادة،‭ ‬وشعر‭ ‬بالرضا‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬وبالأمان‭ ‬ولكن‭ ‬صيادا‭ ‬رآه‭ ‬وأطلق‭ ‬عليه‭ ‬النار‭ ‬وصرعه‭..  ‬والدرس‭ ‬المستفاد‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أكل‭ ‬****‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أقوى‭ ‬منك‭ ‬قد‭ ‬يوصلك‭ ‬إلى‭ ‬القمة‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يضمن‭ ‬لك‭ ‬البقاء‭ ‬فيها،‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬أصلا‭ ‬قليل‭ ‬الحيلة‭.‬

وهناك‭ ‬ذلك‭ ‬الأرنب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬منهمكا‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬فمر‭ ‬به‭ ‬ثعلب‭ ‬وسأله‭:  ‬ماذا‭ ‬تكتب‭ ‬يا‭ ‬أرنوب،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬لكسب‭ ‬الرزق؟‭ ‬فرد‭ ‬الأرنب‭ ‬أنه‭ ‬يكتب‭ ‬دراسة‭ ‬عن‭ ‬كيف‭ ‬يأكل‭ ‬الأرنب‭ ‬الثعلب،‭ ‬فضحك‭ ‬الثعلب‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬هل‭ ‬تستخدم‭ ‬الجزر‭ ‬أم‭ ‬الخيار‭ ‬في‭ ‬الكتابة؟‭ ‬ولكن‭ ‬الأرنب‭ ‬قال‭ ‬له‭: ‬إنني‭ ‬أكتب‭ ‬فعلا‭ ‬عن‭ ‬طريقتي‭ ‬في‭ ‬صيد‭ ‬الثعالب،‭ ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬تصدقني‭ ‬أدخل‭ ‬معي‭ ‬إلى‭ ‬بيتي،‭ ‬فتبعه‭ ‬الثعلب‭ ‬إلى‭ ‬الجحر،‭ ‬وبعد‭ ‬قليل‭ ‬خرج‭ ‬الأرنب‭ ‬وهو‭ ‬ممسك‭ ‬برأس‭ ‬الثعلب،‭ ‬ثم‭ ‬واصل‭ ‬الكتابة‭ ‬فمر‭ ‬به‭ ‬ذئب‭ ‬فدار‭ ‬نفس‭ ‬الحوار‭ ‬بينهما‭ ‬وزعم‭ ‬الأرنب‭ ‬أنه‭ ‬يعد‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬كيف‭ ‬يأكل‭ ‬الأرنب‭ ‬الذئب،‭ ‬وبالطبع‭ ‬ضحك‭ ‬الذئب‭ ‬وصاح‭: ‬أنت‭ ‬يا‭  ‬صاحب‭ ‬الأذنين‭ ‬الأطول‭ ‬من‭ ‬إيريال‭ ‬التلفزيون‭ ‬القديم‭ ‬تقتل‭ ‬ذئبا‭ ‬وتأكله؟‭ ‬ولكن‭ ‬الأرنب‭ ‬قال‭ ‬له‭:  ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬تريد‭ ‬الدليل‭ ‬فادخل‭ ‬معي‭ ‬إلى‭ ‬بيتي‭..  ‬وهكذا‭ ‬دخلا‭..  ‬وخرج‭ ‬الأرنب‭ ‬بعد‭ ‬قليل‭ ‬وهو‭ ‬يجر‭ ‬رأس‭ ‬الذئب‭ ‬وراءه،‭ ‬وتكرر‭ ‬نفس‭ ‬الوضع‭ ‬مع‭ ‬الدب‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬بيت‭ ‬الأرنب‭ ‬ليجد‭ ‬أسداً‭ ‬يجلس‭ ‬بداخله‭. ‬والعظة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬موضوع‭ ‬بحثك‭ ‬تافهاً‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬منطقي،‭ ‬أو‭ ‬أنك‭ ‬هزيل‭ ‬وكحيان‭ ‬طالما‭ ‬أنك‭ ‬‮«‬مسنود‮»‬‭ ‬بمن‭ ‬بيده‭ ‬أدوات‭ ‬البطش‭.‬

وحتى‭ ‬وأنت‭ ‬مسنود‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬الأسد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يسندك‭ ‬يفوز‭ ‬بمعظم‭ ‬الغنيمة‭ ‬ويترك‭ ‬لك‭ ‬‮«‬الرأس‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا