العدد : ١٦٨٤٦ - الثلاثاء ٠٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٦ - الثلاثاء ٠٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٥هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

إسرائيل تستهدف «قتل التاريخ» كذلك..!!

يقول‭ ‬تيودور‭ ‬هرتزل،‭ ‬مؤسس‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬حصلنا‭ ‬يوما‭ ‬على‭ ‬القدس،‭ ‬وكنت‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬حيا‭ ‬وقادرا‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬شيء،‭ ‬فسوف‭ ‬أزيل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ليس‭ ‬مقدّسا‭ ‬لدى‭ ‬اليهود‭ ‬فيها،‭ ‬وسوف‭ ‬أدمر‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬مرّت‭ ‬عليها‭ ‬القرون‮»‬‭.‬

ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬والصهاينة‭ ‬يواصلون‭ ‬إزالة‭ ‬أي‭ ‬أمر‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بحقيقة‭ ‬التاريخ‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ويسعون‭ ‬إلى‭ ‬التزوير‭ ‬وطمس‭ ‬الحقائق،‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬والوسائل،‭ ‬حتى‭ ‬بالهدم‭ ‬ومسح‭ ‬ومحو‭ ‬التاريخ‭ ‬الأصيل‭.‬

وبالأمس‭ ‬قامت‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬باستهداف‭ ‬المسجد‭ ‬العُمري‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ضمن‭ ‬103‭ ‬مساجد‭ ‬وثلاث‭ ‬كنائس،‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬الأستاذ‭ ‬سليمان‭ ‬جودة،‭ ‬مقالا‭ ‬رائعا‭ ‬حول‭ ‬الحادثة،‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭: ((‬سوف‭ ‬يكتب‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬كان‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬المسجد‭ ‬العُمري‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وأن‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬استهدفته‭ ‬وهي‭ ‬تعرف‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬وماذا‭ ‬أيضًا‭ ‬تستهدف؟‭.. ‬فالمسجد‭ ‬العُمري‭ ‬يظل‭ ‬يمثل‭ ‬رمزية‭ ‬خاصة‭ ‬لدى‭ ‬الغزاويين،‭ ‬لأنه‭ ‬المسجد‭ ‬الأكبر‭ ‬والأقدم‭ ‬في‭ ‬مُدن‭ ‬القطاع‭ ‬كلها،‭ ‬ولأنه‭ ‬ارتبط‭ ‬عبر‭ ‬تاريخه‭ ‬بالخليفة‭ ‬الراشد‭ ‬الثاني‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬ولأنه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬دار‭ ‬للعبادة،‭ ‬ولكنه‭ ‬قطعة‭ ‬حية‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬فلسطين‭.. ‬قطعة‭ ‬حية‭ ‬يتوارثها‭ ‬الأبناء،‭ ‬عن‭ ‬الآباء،‭ ‬عن‭ ‬الأجداد،‭ ‬ويجد‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬جيل‭ ‬شيئًا‭ ‬يخصه‭ ‬ويتصل‭ ‬بوجدانه‭.‬

وعندما‭ ‬نقلت‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬رويترز‮»‬‭ ‬للأخبار‭ ‬نبأ‭ ‬استهدافه،‭ ‬فإنها‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬وهي‭ ‬تلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المسجد‭ ‬ليس‭ ‬كأي‭ ‬مسجد‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وأن‭ ‬قيمته‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬كل‭ ‬غزاوي‭ ‬عن‭ ‬قيمة‭ ‬كل‭ ‬دار‭ ‬عبادة‭ ‬أخرى‭ ‬سواه،‭ ‬وأن‭ ‬الاحتلال‭ ‬وهو‭ ‬يستهدفه‭ ‬كان‭ ‬يستهدف‭ ‬تاريخ‭ ‬فلسطين،‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يستهدف‭ ‬مجرد‭ ‬مبنى‭ ‬بجدرانه،‭ ‬ونقوشه،‭ ‬وقبابه،‭ ‬ومآذنه‭.‬

إن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬يتخيلون‭ ‬أن‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬أرض‭ ‬الميعاد‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬توافدوا‭ ‬إليها‭ ‬منذ‭ ‬‮«‬وعد‭ ‬بلفور‮»‬‭ ‬1917،‭ ‬ومنذ‭ ‬مؤتمر‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬إليه‭ ‬‮«‬تيودور‭ ‬هرتزل‮»‬‭ ‬في‭ ‬‮«‬بازل‮»‬‭ ‬السويسرية‭ ‬1897‭.‬

جاء‭ ‬اليهود‭ ‬بعد‭ ‬المؤتمر،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬الوعد،‭ ‬وفي‭ ‬خيالهم‭ ‬أوهام‭ ‬الميعاد‭ ‬تداعب‭ ‬سرابًا‭ ‬في‭ ‬داخلهم،‭ ‬وقد‭ ‬خلطوا‭ ‬الدين‭ ‬بالسياسة‭ ‬يوم‭ ‬جاءوا‭ ‬ولا‭ ‬يزالون،‭ ‬ولكن‭ ‬دوافع‭ ‬الدين‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬المجيء،‭ ‬ربما‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬السياسة‭ ‬نفسها،‭ ‬لأن‭ ‬السياسة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬دارت‭ ‬حول‭ ‬فكرة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬وطن‭ ‬بديل‭ ‬لهم،‭ ‬فالدين‭ ‬كان‭ ‬يصور‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هي‭ ‬أرضهم‭ ‬لأسباب‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬ديانتهم‭ ‬القديمة‭ ‬يوم‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭.‬

وأعمال‭ ‬الحفر‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتوقفون‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬الهيكل‭ ‬المزعوم،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬ظل‭ ‬من‭ ‬ظلال‭ ‬الميعاد‭ ‬الذي‭ ‬عاشوا‭ ‬ويعيشون‭ ‬عليه‭.. ‬إنهم‭ ‬يطاردونه‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬وفي‭ ‬كامل‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬العموم،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬أنفسهم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬أرضهم،‭ ‬وأنها‭ ‬أرض‭ ‬لها‭ ‬صاحب‭ ‬حقيقي،‭ ‬وأن‭ ‬صاحبها‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬فلسطيني‭ ‬من‭ ‬عكا‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الشمال،‭ ‬إلى‭ ‬النقب‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الجنوب‭.‬

ولهذا‭.. ‬يؤرقهم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لصاحب‭ ‬الأرض‭ ‬تاريخ‭ ‬على‭ ‬أرضه،‭ ‬ويقض‭ ‬مضجعهم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬شواهد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ،‭ ‬ويؤلمهم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الشواهد‭ ‬ذات‭ ‬تاريخ‭ ‬ممتد‭ ‬مثل‭ ‬المسجد‭ ‬العمري،‭ ‬أو‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬كنيسة‭ ‬القيامة‭ ‬في‭ ‬القدس،‭ ‬أو‭ ‬كنيسة‭ ‬المهد‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬لحم،‭ ‬أو‭ ‬كنيسة‭ ‬البشارة‭ ‬في‭ ‬الناصرة،‭ ‬حيث‭ ‬وُلد‭ ‬المسيح‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬وعاش‭.. ‬يؤرقهم‭ ‬هذا،‭ ‬ويؤلمهم،‭ ‬ويقض‭ ‬مضجعهم،‭ ‬ولكنها‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬تنطق‭ ‬بها‭ ‬شواهد‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬المسجد‭ ‬العُمري،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬استهدفوه‭ ‬مئة‭ ‬مرة‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا