الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
من «هرطقات».. بعض المثقفين..!!
يتصور بعض المثقفين وأنصافهم، وربما بعض المفكرين العرب والخليجيين، أن الليبرالية والحداثة تعني «الحرية المنفلتة والمطلقة»، لدرجة الانسلاخ من الهوية الأصيلة، وحتى مهاجمة الثوابت الراسخة، النابعة من الدين الإسلامي والثقافة الخليجية، كي يقال عنهم إنهم «فئة منفتحة متطورة».
بالأمس القريب وقف مثقف خليجي خلال إحدى جلسات «منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية»، ليتحدث بامتعاض وسخرية من «دعاء السفر» على الخطوط الجوية الخليجية، عند إقلاع رحلات طائراتها، وقال إنه طلب من الخطوط الجوية في بلاده «التخلص» من دعاء السفر والحديث النبوي الشريف، لأنه يخيف المسافرين، ويذكّرهم بوعثاء السفر وكآبة المنظر..!!
وقد تصدت للمتحدث، إعلامية خليجية فاضلة، وقالت: من الغريب أن «دعاء السفر» يخيف هذا المتحدث قبل الطيران، أما التعليمات التي يلقيها على مسامع المسافرين أحد المضيفين أو المضيفات، عن كيفية التصرّف في حالات الطوارئ أو عند سقوط الطائرة، لا تخيفه ولا تثير تشاؤمه..!! وأضافت: نحن مسلمون بمرجعيات ثقافية إسلامية، ونحن نردّد «دعاء السفر» قبل الإقلاع بقلوبنا أصلاً، حتى في الطائرات التي لا تذيعه.
ثم قالت الإعلامية إنها ستقرأ ورقة المتحدث التي قدمها في الجلسة، والتي أخبر أنها تحتوي على ثمانية آلاف كلمة، لعلها تجد فيها شيئا يعيد قليلا من الثقة بمثقفينا العرب! والغريب أن ذلك المتحدث قال إنه لن يرد على التعليق «ترفعاً»، وإنه سبق أن دفع ثمن مواقفه غاليا كما ذكر، من دون أن نعرف ماذا يقصد بالثمن، في مسيرته العملية، الحافلة بالمناصب زاده الله منها.
وختمت الأستاذة الإعلامية حديثها إن هذا الموقف، على بساطته، مثال على أساليب بعض مثقفينا العرب في قراءة الواقع، ورصد المتغيّرات فيه، وفهمهم لمفهوم التراث والحداثة بهذا الشكل المضحك والغريب.
وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول عند السفر: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل».
ولدعاء السفر -كما جاء في حديث العلماء وما تم نشره في الكتب والوسائل الإعلامية- الكثير من المعاني والفضائل العظيمة، فهو ((يُذكّر المسافر بحقيقة التوفيق من الله تعالى وحده، وكذلك شعور المسافر بحفظ الله تعالى له في رحلته طالت أم قصرت، كما أن المسافر في دعائه يبقى على اتصال مع الله تعالى، كما أن الناظر الحاذق الذي يعي معاني دعاء السفر يجد فيها من الخير ما يستودع بها نفسه وأهله من الشرور، بجانب أن الطلب من الله تعالى بالبقاء على الطاعة في السفر من صفات المؤمن الذي يحب الله، ويلزم قربه في حلّه وترحاله)).
لذلك نقول: إن «هرطقات» بعض المثقفين.. لا مكان لها في الهوية الأصيلة، ولا علاقة لها بالليبرالية والحداثة العاقلة والمتزنة.. وأن هذا الاستفزاز يعد نوعا من التطرف الليبرالي الشاذ، الذي ابتليت به الأمة العربية، في الوقت الذي يجمع فيه ليبراليو الغرب أن تلك الثقافة العربية، هي التي تحمي المجتمعات الإسلامية وشبابها وأجيالها من كل المحاولات المشبوهة للانسلاخ من قيمهم وهويتهم.
فمتى «ينفطم» بعض ليبراليو العرب والخليج، خاصة ممن هم في أرذل العمر، ووعثاء العمل، وكآبة المنظر، وسوء اللسان، وخراب العقل..؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك