العدد : ١٦٨٤٦ - الثلاثاء ٠٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٦ - الثلاثاء ٠٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٥هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

من «هرطقات».. بعض المثقفين..!!

يتصور‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬وأنصافهم،‭ ‬وربما‭ ‬بعض‭ ‬المفكرين‭ ‬العرب‭ ‬والخليجيين،‭ ‬أن‭ ‬الليبرالية‭ ‬والحداثة‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬الحرية‭ ‬المنفلتة‭ ‬والمطلقة‮»‬،‭ ‬لدرجة‭ ‬الانسلاخ‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬الأصيلة،‭ ‬وحتى‭ ‬مهاجمة‭ ‬الثوابت‭ ‬الراسخة،‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬والثقافة‭ ‬الخليجية،‭ ‬كي‭ ‬يقال‭ ‬عنهم‭ ‬إنهم‭ ‬‮«‬فئة‭ ‬منفتحة‭ ‬متطورة‮»‬‭.‬

بالأمس‭ ‬القريب‭ ‬وقف‭ ‬مثقف‭ ‬خليجي‭ ‬خلال‭ ‬إحدى‭ ‬جلسات‭ ‬‮«‬منتدى‭ ‬دراسات‭ ‬الخليج‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية‮»‬،‭ ‬ليتحدث‭ ‬بامتعاض‭ ‬وسخرية‭ ‬من‭ ‬‮«‬دعاء‭ ‬السفر‮»‬‭ ‬على‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الخليجية،‭ ‬عند‭ ‬إقلاع‭ ‬رحلات‭ ‬طائراتها،‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬‮«‬التخلص‮»‬‭ ‬من‭ ‬دعاء‭ ‬السفر‭ ‬والحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬لأنه‭ ‬يخيف‭ ‬المسافرين،‭ ‬ويذكّرهم‭ ‬بوعثاء‭ ‬السفر‭ ‬وكآبة‭ ‬المنظر‭..!!‬

وقد‭ ‬تصدت‭ ‬للمتحدث،‭ ‬إعلامية‭ ‬خليجية‭ ‬فاضلة،‭ ‬وقالت‭: ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬‮«‬دعاء‭ ‬السفر‮»‬‭ ‬يخيف‭ ‬هذا‭ ‬المتحدث‭ ‬قبل‭ ‬الطيران،‭ ‬أما‭ ‬التعليمات‭ ‬التي‭ ‬يلقيها‭ ‬على‭ ‬مسامع‭ ‬المسافرين‭ ‬أحد‭ ‬المضيفين‭ ‬أو‭ ‬المضيفات،‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬التصرّف‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬سقوط‭ ‬الطائرة،‭ ‬لا‭ ‬تخيفه‭ ‬ولا‭ ‬تثير‭ ‬تشاؤمه‭..!! ‬وأضافت‭: ‬نحن‭ ‬مسلمون‭ ‬بمرجعيات‭ ‬ثقافية‭ ‬إسلامية،‭ ‬ونحن‭ ‬نردّد‭ ‬‮«‬دعاء‭ ‬السفر‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬الإقلاع‭ ‬بقلوبنا‭ ‬أصلاً،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الطائرات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تذيعه‭.‬

ثم‭ ‬قالت‭ ‬الإعلامية‭ ‬إنها‭ ‬ستقرأ‭ ‬ورقة‭ ‬المتحدث‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬في‭ ‬الجلسة،‭ ‬والتي‭ ‬أخبر‭ ‬أنها‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬ثمانية‭ ‬آلاف‭ ‬كلمة،‭ ‬لعلها‭ ‬تجد‭ ‬فيها‭ ‬شيئا‭ ‬يعيد‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬بمثقفينا‭ ‬العرب‭! ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬المتحدث‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬لن‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬التعليق‭ ‬‮«‬ترفعاً‮»‬،‭ ‬وإنه‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬دفع‭ ‬ثمن‭ ‬مواقفه‭ ‬غاليا‭ ‬كما‭ ‬ذكر،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬ماذا‭ ‬يقصد‭ ‬بالثمن،‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬العملية،‭ ‬الحافلة‭ ‬بالمناصب‭ ‬زاده‭ ‬الله‭ ‬منها‭.‬

وختمت‭ ‬الأستاذة‭ ‬الإعلامية‭ ‬حديثها‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف،‭ ‬على‭ ‬بساطته،‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬أساليب‭ ‬بعض‭ ‬مثقفينا‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الواقع،‭ ‬ورصد‭ ‬المتغيّرات‭ ‬فيه،‭ ‬وفهمهم‭ ‬لمفهوم‭ ‬التراث‭ ‬والحداثة‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬المضحك‭ ‬والغريب‭.‬

وكان‭ ‬النبي‭ ‬الكريم‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يقول‭ ‬عند‭ ‬السفر‭: ‬‮«‬الله‭ ‬أكبر،‭ ‬الله‭ ‬أكبر،‭ ‬الله‭ ‬أكبر،‭ ‬سبحان‭ ‬الّذي‭ ‬سخّر‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬وما‭ ‬كنّا‭ ‬له‭ ‬مقرنين‭ ‬وإنّا‭ ‬إلى‭ ‬ربّنا‭ ‬لمنقلبون،‭ ‬اللهم‭ ‬إنا‭ ‬نسألك‭ ‬في‭ ‬سفرنا‭ ‬هذا‭ ‬البرّ‭ ‬والتقوى،‭ ‬ومن‭ ‬العمل‭ ‬ما‭ ‬ترضى،‭ ‬اللهم‭ ‬هون‭ ‬علينا‭ ‬سفرنا‭ ‬هذا‭ ‬واطو‭ ‬عنا‭ ‬بعده،‭ ‬اللهم‭ ‬أنت‭ ‬الصاحب‭ ‬في‭ ‬السفر،‭ ‬والخليفة‭ ‬في‭ ‬الأهل،‭ ‬اللهم‭ ‬إني‭ ‬أعوذ‭ ‬بك‭ ‬من‭ ‬وعثاء‭ ‬السفر،‭ ‬وكآبة‭ ‬المنظر‭ ‬وسوء‭ ‬المنقلب‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬والأهل‮»‬‭.‬

ولدعاء‭ ‬السفر‭ -‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬العلماء‭ ‬وما‭ ‬تم‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬والوسائل‭ ‬الإعلامية‭- ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬والفضائل‭ ‬العظيمة،‭ ‬فهو‭ ((‬يُذكّر‭ ‬المسافر‭ ‬بحقيقة‭ ‬التوفيق‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وحده،‭ ‬وكذلك‭ ‬شعور‭ ‬المسافر‭ ‬بحفظ‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬طالت‭ ‬أم‭ ‬قصرت،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المسافر‭ ‬في‭ ‬دعائه‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الناظر‭ ‬الحاذق‭ ‬الذي‭ ‬يعي‭ ‬معاني‭ ‬دعاء‭ ‬السفر‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬ما‭ ‬يستودع‭ ‬بها‭ ‬نفسه‭ ‬وأهله‭ ‬من‭ ‬الشرور،‭ ‬بجانب‭ ‬أن‭ ‬الطلب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بالبقاء‭ ‬على‭ ‬الطاعة‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬المؤمن‭ ‬الذي‭ ‬يحب‭ ‬الله،‭ ‬ويلزم‭ ‬قربه‭ ‬في‭ ‬حلّه‭ ‬وترحاله‭)). ‬

لذلك‭ ‬نقول‭: ‬إن‭ ‬‮«‬هرطقات‮»‬‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭.. ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬الأصيلة،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالليبرالية‭ ‬والحداثة‭ ‬العاقلة‭ ‬والمتزنة‭.. ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الاستفزاز‭ ‬يعد‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التطرف‭ ‬الليبرالي‭ ‬الشاذ،‭ ‬الذي‭ ‬ابتليت‭ ‬به‭ ‬الأمة‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬فيه‭ ‬ليبراليو‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحمي‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬وشبابها‭ ‬وأجيالها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬المشبوهة‭ ‬للانسلاخ‭ ‬من‭ ‬قيمهم‭ ‬وهويتهم‭.‬

فمتى‭ ‬‮«‬ينفطم‮»‬‭ ‬بعض‭ ‬ليبراليو‭ ‬العرب‭ ‬والخليج،‭ ‬خاصة‭ ‬ممن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬أرذل‭ ‬العمر،‭ ‬ووعثاء‭ ‬العمل،‭ ‬وكآبة‭ ‬المنظر،‭ ‬وسوء‭ ‬اللسان،‭ ‬وخراب‭ ‬العقل‭..‬؟

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا