عالم يتغير
فوزية رشيد
قبل فوات الأوان: من إسقاط العراق إلى إسقاط فلسطين!
{ في كل مرة تتحرك فيها (الأجندة الأمريكية الصهيونية) تحركًا كبيرًا واستراتيجيًا، فإنه لا بد من أرضية انطلاق قوية لها تبرر كل آليات الحرب العسكرية والإعلامية والسياسية التي ستقوم بها! وهي عادة تمهد قبل سنوات لتمهيد تلك الأرضية، (أو أنها تنتهز فرصة متاحة تقوم سريعًا بتوظيفها) ونقلها نقلة «نوعية» تحمل حركاتها «الشطرنجية» لفرض واقع جديد! حدث ذلك حين كانت الأجندة أو «المخطط المبيت» هو استهداف العراق وتدمير قوته واخراجه من (معادلة القوة العربية) وفرض قيام قواعد جديدة وكبيرة لأمريكا في المنطقة، إلى جانب جلب الكثير من قواتها العسكرية! والمعلن في حينه كان هو «حماية الخليج»!
(فيما المضمر اتضح بعد ذلك) وبعد سنوات من احتلال العراق، ثم تدميره! ثم تبني «الفوضى الخلاقة»، بحسب التعبير الأمريكي، وإدخال دول المنطقة في مشهدها! لتسقط بعد العراق دول عربية أخرى، وكان بين أهداف الإسقاط دول الخليج وأنظمتها! وفي فترة بداية التسعينيات إلى سنوات أخرى دار سجال عالمي وإقليمي وعربي حول السبب! وتمت شيطنة «صدام» كهدف لإسقاط العراق! وفي التسعينيات شارك مثقفون وسياسيون عرب آنذاك في الترويج (للمنطق الأمريكي) وأنه سيجلب الديمقراطية والحريات للمنطقة! وأن (إسقاط النظام العراقي أمر ملحّ لتستعيد المنطقة سلامها واستقرارها وهدوءها)! ولكن الذي حدث والعبرة بالنتائج هو العكس! وأن سقوط بغداد والعراق (كان سقوطًا وخطأ جيوسياسيا واستراتيجيا كبيرا لكل المنطقة العربية)! تلاشت معه كل الوعود الأمريكية، والمحفزات الخادعة! فالقصة منذ بدايتها بإغراء صدام بغزو الكويت (عبر السفيرة الأمريكية) كانت بداية اللعبة الكبيرة التي وقع في فخها قادة عرب وساسة ومثقفون ومفكرون!
{ اليوم ومن خلال العمل على جرف «غزة» (بشرًا وحجرًا من الخارطة)! و(تهويد فلسطين بأكملها كدولة يهودية ولليهود فقط)! فإن مفاعيل ذات اللعبة التي تمت ما بين التسعينيات وبداية العقد الثاني من الألفية الجديدة (من 1991 إلى 2011) تعاد ترتيب أوراقها مجددًا! والهدف الذي لم يكتمل في «الخريف العربي» يراد استكماله الآن ومن خلال البدء بـ«غزة»!
ذات الأساليب يتم اتباعها:
أولا- شيطنة حماس وأنها السبب وراء ما يحدث اليوم من حرب إبادة! كما تمت شيطنة النظام العراقي و«صدّام» وأنه إرهاب ويمتلك أسلحة دمار شامل إلخ... الأكاذيب هي الأساس في الهجمة والبرمجة الإعلامية والسياسية! لأن في كلا الحالتين هو وضع الشماعة!
ثانيًا- تضخيم خطر النظام العراقي على استقرار المنطقة، والآن تضخيم خطر «حماس» وإرهابه وتضخيم عامل «الأنفاق» لتبرير وحشية التدمير لكامل «البنية التحتية» لغزة! كما تم تضخيم أسلحة الدمار الشامل في زمن صدام، لتدمير العراق بشكل كامل والنتائج بعد ذلك معروفة! ونتائج بعد غزة ستكون لاحقًا معروفة!
ثالثًا- الهدف ما بعد إسقاط العراق اتضح بالكامل بعد ذلك، ولا داعي لإعادة سرده هنا! والهدف فيما بعد إسقاط غزة هو إسقاط فلسطين بالكامل أولاً كجغرافيا خالصة لليهود «الدولة اليهودية» تم بعد ذلك التفرغ لاستكمال (خارطة التقسيم) للدول العربية! و«نتنياهو» حمل الخارطة الجديدة للشرق الأوسط في الأمم المتحدة وبشكل علني!
والأكاذيب الإعلامية والسياسية هي ذاتها وهنا (حل الدولتين!) مع عدم وجود الجغرافيا الفلسطينية لذلك! وإشاعة الاستقرار والسلام في المنطقة بعد التخلص من إرهاب «حماس» (الداعشية!) والمقصود تبرير القضاء على أي «مقاومة فلسطينية» بحجة القضاء على حماس! وإشراك العرب في تحقيق هذا الهدف! ولن يكون هناك سلام أو استقرار!
رابعًا- أي حرب تأخذ أهميتها وقيمتها الاستراتيجية من النتائج التي يحققها طرف محارب ضدّ طرف آخر! وهنا نحن وبشكل مكشوف أمام (حرب الصهيونية على العرب وليس على فلسطين وحدها)!
ولا بأس أن نشير إلى ذلك الآن، وقبل أن تحقق أمريكا والغرب عبر «الكيان الصهيوني» أهدافها الحقيقية! والتي تخفيها بدهاء في إطار تلاعبها الإعلامي والسياسي والدبلوماسي، (وتصوير الأمور على غير حقيقتها للعرب!) رغم أن «الحقيقة المخفية» هي أن القضاء على «المقاومة الفلسطينية» وتصفية القضية وتهويد فلسطين، سيفتح الباب واسعًا للقضاء أو تدمير دولاً عربية أخرى، كانت هدفًا سابقًا وممتدًا منذ إدارة أوباما! وهي تعود اليوم بلباس جديد وبأكاذيب جديدة وبأقنعة مختلفة!
{ إن «الحرب التدميرية» التي يشنها «العدو الصهيوني» هذه المرة على غزة وعلى الضفة بل وعلى فلسطين أو عرب «إسرائيل»، تحمل في داخلها وملفاتها ذات «المشاريع التصفوية القديمة» للإجهار على القضية الفلسطينية تمامًا (كما يحلم الكيان) ثم فتح البابا للتوسع والهيمنة بعد ذلك (سواء بالخضوع العربي والتراضي السلمي بقبول الهيمنة)! أو «بحرب شاملة» تكون هي الحرب النهائية لقيام (إسرائيل الكبرى) وكما يحلم الكيان وصهاينة العالم أيضًا! وهذا يضع العرب أمام «الأسئلة الشائكة» ويجب الإجابة عنها (قبل فوات الأوان):
1- هل هذا العدو المزروع في المنطقة من جانب قوى إمبريالية استعمارية ومدعوم منها (أمريكا وبريطانيا والغرب الصهيوني كله) قابل للسلام؟! «بايدن» بعد «طوفان الأقصى»، قال بصراحة «نحن صنعنا (إسرائيل) وعلينا الحفاظ عليها للإبقاء على مصالحنا! ولو لم تكن موجودة لأوجدناها»! ومصالح الامبريالية الأمريكية، هي هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة، ليتم التفرغ للمواجهة الأمريكية الاستراتيجية مع الصين وروسيا!
ولذلك يتم «التهجير» وتدمير المكان في غزة والضفة كهدف عسكري!
والجغرافيا العربية هي الضحية التالية!
2- هل مطلوب من العرب مجاراة (السردية الصهيونية الأمريكية) حول غزة فلسطين أم كشفها ومجابهتها وتفنيد أكاذيبها والأهداف الخفية فيها؟! وهل القضاء على «المقاومة الفلسطينية» هو في صالح العرب أم العكس؟!
3- 75 عامًا والصهيونية تعمل على طمس حقيقة القضية الفلسطينية، وتتلاعب بها عبر أوهام المفاوضات وسراب السلام! واليوم وفجأة انقلبت الصورة عالميًا على مستوى الشعوب، وانطلقت القضية وحقيقة الكيان وحقيقة الصهيونية، كما لم يحدث منذ بداية النكبة الأولى! انكشفت الصورة الحقيقية أمام العالم كله، وتوحدت شعوب العالم ضد الوحشية «الإسرائيلية» والسرديات الصهيونية الكاذبة إعلاميًا وسياسيًا! فهل بعد هذا ستقبل الشعوب العربية بالكيان الصهيوني بعد ما عايشته من جرائم ضد الإنسانية في غزة، حتى إن واصل بعض العرب ودولهم تشبثهم بالسلام والتعايش مع هذا الوحش الصهيوني، الذي أظهر وجهه الحقيقي جهارًا للعالم كله!
هي أسئلة نتمنى من دولنا وشعوبنا التأمل فيها، والمصارحة حولها، وتوضيح ما هو خاطئ في فحواها!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك