العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ولدي تفرنج

كتبت‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬عشقي‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬وأن‭ ‬حبي‭ ‬لها‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬طويل‭ ‬جفاء‭ ‬بيننا،‭ ‬تسببت‭ ‬فيه‭ ‬دروس‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة‭ ‬وتحديدا‭ ‬‮«‬الإعراب‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬عرفت‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬واكتشفت‭ ‬أن‭ ‬لهذه‭ ‬اللغة‭ ‬قدرة‭ ‬هائلة‭ ‬على‭ ‬التصوير‭ ‬البديع‭ ‬لمختلف‭ ‬الأمور،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فمن‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تحز‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬أن‭ ‬لؤي،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬أصغر‭ ‬عيالي،‭ ‬‮«‬مستشرق‮»‬،‭ ‬وإلمامه‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬ضعيف،‭ ‬فقد‭ ‬شاءت‭ ‬الأقدار‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الروضة‭ ‬والمدرسة‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬ثم‭ ‬يواصل‭ ‬تعليمه‭ ‬بعد‭ ‬عودتنا‭ ‬إلى‭ ‬قطر‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬بريطانية،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تشجيع‭ ‬التلاميذ‭ ‬على‭ ‬التخاطب‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬طوال‭ ‬وجودهم‭ ‬داخل‭ ‬مباني‭ ‬المدرسة،‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬جامعة‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬التدريس‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬وهكذا‭ ‬صار‭ ‬يمارس‭ ‬الأُنس‭ ‬مع‭ ‬أصدقائه‭ ‬وزملاء‭ ‬الدراسة‭ ‬‮«‬العرب‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عند‭ ‬التزاور‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬بتلك‭ ‬اللغة،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬عرضة‭ ‬للبهدلة‭ ‬من‭ ‬جانبي‭ ‬كلما‭ ‬ضبطته‭ ‬بجرم‭ ‬التحدث‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬وببعض‭ ‬الجهد‭ ‬والتشجيع‭ ‬تحسنت‭ ‬لغته‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬ولكن‭ ‬إلمامه‭ ‬بالعامية‭ ‬السودانية‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬ضعيفا،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحكم‭ ‬والأمثال‭ ‬والمفردات‭ ‬البلدية‭ ‬والعبارات‭ ‬المستجدة‭.‬

أنا‭ ‬أيضاً‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬اللغة‭ ‬الدارجة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فعندما‭ ‬تسمع‭ ‬شاباً‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬فتاة‭ ‬ويصفها‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬فردة‮»‬‭ ‬تفترض‭ ‬أنه‭ ‬يكرهها،‭ ‬لأن‭ ‬كلمة‭ ‬فردة‭ ‬مرتبطة‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬بأحد‭ ‬زوجي‭ ‬الحذاء،‭ ‬فنحن‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬الفردة‭ ‬الشمال‭ ‬واليمين،‭ ‬أي‭ ‬الحذاء‭ ‬الخاص‭ ‬بهذه‭ ‬القدم‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬ولكن‭ ‬‮«‬فردة‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬سودان‭ ‬اليوم‭ ‬‮«‬الحبيبة‭/‬الحبيب،‭ ‬والصديق‭/ ‬الصديقة‮»‬،‭ ‬فهي‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬الجنسين‭. ‬وتستنكر‭ ‬استخدام‭ ‬تلك‭ ‬الكلمة‭ ‬لوصف‭ ‬شخص‭ ‬له‭ ‬مكانة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المتكلم‭ ‬فيقول‭ ‬لك‭ ‬إنها‭ ‬تعني‭ ‬أننا‭ ‬‮«‬زوجان‭/ ‬جوز‮»‬‭ ‬يكمل‭ ‬أحدهما‭ ‬الآخر‭ (‬فتقول‭ ‬في‭ ‬سرك‭: ‬يعني‭ ‬لم‭ ‬تجدا‭ ‬كلمة‭ ‬سوى‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬منكما‭ ‬فردة‭ ‬حذاء‭..‬جوتي‭.. ‬كندرة‭.. ‬شوز؟‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬عجائب‭ ‬العامية‭ ‬السودانية‭ ‬أن‭ ‬كلمة‭ ‬نابية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬تافه‮»‬‭ ‬تستخدم‭ ‬كثيراً‭ ‬لوصف‭ ‬شخص‭ ‬ظريف‭ ‬ولماح‭ ‬وسريع‭ ‬البديهة‭ ‬ولاذع‭ ‬اللسان‭ ‬حلوه،‭ ‬فـ«فلان‭ ‬تافه‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬أنه‭ ‬حاضر‭ ‬البديهة‭ ‬وحلو‭ ‬الروح‭ ‬ويتمتع‭ ‬بالخبث‭ ‬‮«‬الحميد‮»‬‭.‬

نعود‭ ‬إلى‭ ‬لؤي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينام‭ ‬أو‭ ‬يأكل‭ ‬الطعام‭ ‬إذا‭ ‬خسر‭ ‬نادي‭ ‬مانشستر‭ ‬يونايتد‭ ‬البريطاني‭ ‬مباراة،‭ ‬وكان‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬يشاهد‭ ‬مباراة‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬عندما‭ ‬سمع‭ ‬المعلق‭ ‬العربي‭ ‬يقول‭ ‬لضيفه‭ ‬خلال‭ ‬استراحة‭ ‬بين‭ ‬شوطي‭ ‬المباراة‭ ‬‮«‬كان‭ ‬التعادل‭ ‬وشيكا‮»‬،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬‭ ‬مثل‭ ‬المصريين‭ ‬نسمي‭ ‬الوجه‭ ‬‮«‬وش‮»‬‭. ‬فلان‭ ‬وش‭ ‬نحس‭ ‬أو‭ ‬وش‭ ‬سعد،‭ ‬وللتصغير‭ ‬والتحقير‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬للمخاطب‭ ‬‮«‬وشِيك‮»‬‭ ‬بكسر‭ ‬الشين‭ ‬تحويرا‭ ‬لـ‮«‬وجيه‮»‬‭ ‬لتصغير‭ ‬كلمة‭ ‬وجه‭.‬

وفي‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬يعني‭ ‬التعبير‭ ‬‮«‬زي‭ ‬وشَّك‭/‬مثل‭ ‬وجهك‮»‬‭ ‬أن‭ ‬الشيء‭ ‬لا‭ ‬يسر‭ ‬ويبعث‭ ‬السرور‭/ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬وش‭ ‬أي‭ ‬وجه‭ ‬المخاطب‭ ‬يسبب‭ ‬النكد،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فقد‭ ‬حسب‭ ‬لؤي‭ ‬أن‭ ‬المعلق‭ ‬سيء‭ ‬الأدب‭ ‬وأنه‭ ‬يقول‭ ‬أن‭ ‬التعادل‭ ‬بين‭ ‬الفريقين‭ ‬كان‭ ‬شؤماً‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬وش‮»‬‭ ‬الضيف‭. ‬وطبعاً‭ ‬إذا‭ ‬قلت‭ ‬لهيفاء‭ ‬وهبي‭ ‬إن‭ ‬‮«‬مستقبلك‭ ‬زي‭ ‬وشك‮»‬‭ ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬تقصد‭ ‬أن‭ ‬مستقبلها‭ ‬جميل،‭ ‬بل‭ ‬تقال‭ ‬العبارة‭ ‬عند‭ ‬الغضب‭ ‬للإيحاء‭ ‬للمغضوب‭ ‬عليه‭ ‬بأن‭ ‬وجهه‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬القبح‭ ‬‮«‬يقطع‭ ‬الخميرة‮»‬‭.‬

أتذكرون‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬السيدة‭ ‬المصرية‭ ‬خريجة‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والتي‭ ‬تعمل‭ ‬مترجمة‭ ‬ورفعت‭ ‬دعوى‭ ‬على‭ ‬زوجها‭ ‬الطبيب‭ ‬طالبة‭ ‬الطلاق‭ ‬منه‭ ‬لأنه‭ ‬‮«‬متخلف‮»‬،‭ ‬ويصر‭ ‬على‭ ‬التحدث‭ ‬معها‭ ‬بالعربية؟‭ ‬للحكاية‭ ‬نهاية‭ ‬سعيدة‭: ‬وقع‭ ‬الطلاق‭ ‬بحكم‭ ‬المحكمة،‭ ‬وربما‭ ‬تشتم‭ ‬القاضي‭ ‬بحسبان‭ ‬أنه‭ ‬قضى‭ ‬بالطلاق‭ ‬لسبب‭ ‬تافه،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬أصدر‭ ‬حكماً‭ ‬عادلاً‭ ‬وحكيماً‭ ‬لصالح‭ ‬الزوج‭ ‬الطبيب،‭ ‬فامرأة‭ ‬بتلك‭ ‬الهيافة‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬زوجة‭ ‬لأحد،‭ ‬ولا‭ ‬تحسب‭ ‬‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭/ ‬القارئة‭- ‬أنها‭ ‬أمريكانية‭ ‬التنشئة‭ ‬والتربية‭ ‬والثقافة،‭ ‬وتجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التخاطب‭ ‬بالعربية‭! ‬لا‭ ‬هي‭ ‬مصرية‭ ‬100%‭ ‬والجامعة‭ ‬‮«‬الأمريكية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬درست‭ ‬فيها‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭.‬

شخصياً‭ ‬أنصح‭ ‬كل‭ ‬شاب‭ ‬طموح‭ ‬ببذل‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬لإتقان‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بوصفها‭ ‬أداة‭ ‬للمعرفة‭ ‬والعلم‭ ‬وليس‭ ‬القنزحة‭ ‬و«الاستعراض‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬بالتأكيد‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا