عالم يتغير
فوزية رشيد
خطاب الاعتذار لغزة!
{ «د. أسامة الغزالي حرب» أحد أبرز رموز التطبيع في مصر، نشر في 19 نوفمبر الجاري، رسالة «اعتذار» عن موقفه إزاء الصراع العربي «الإسرائيلي»، بعد أن أمضى نصف قرن من المعايشة ومئات الدراسات والأبحاث العلمية والمقالات الصحفية والمقابلات والزيارات الميدانية داخل الكيان الصهيوني، وبنى موقفه من «الكيان» وكما قال في رسالة اعتذاره، رغم تذكره وقائع «العدوان الثلاثي» على مصر عام 1956ورغم تذكره بالتفصيل أحداث الهزيمة المريرة عام 1967، ورغم أيام «حرب الاستنزاف»، التي أعقبتها حرب أكتوبر عام 1973، رغم كل ذلك فإنه أيّد بقوة «اتفاقيات كامب ديفيد» للسلام مع إسرائيل، وقام كما يقول عقب تلك المبادرة لزيارة للكيان الصهيوني مع وفد برئاسة الراحل «د. أسامة الباز»، وكان متفائلا، باتفاقيات السلام مع الأردن 1994، ومع منظمة التحرير بين ياسر عرفات واسحق رابين (أوسلو 1، أوسلو 2) برعاية أمريكية.
ويواصل د. أسامة بأنه تحمّل الكثير من الإدانات من «معارضي التطبيع» من المثقفين المصريين والنقابات المهنية وعلى رأسها «نقابة الصحفيين»، ولكنه تمسك بموقفه!
{ فما الذي حدث ليغيِّر موقفه الآن وبعد نصف قرن؟!
الذي حدث أنه شعر بالغضب والسخط والألم جرّاء ما حدث ويحدث من جرائم وفظائع في غزة، يندى لها جبين الإنسانية – كما يقول – وحيث قتل آلاف الأطفال الأبرياء والنساء، وتدمير المنازل والبيوت على رؤوس البشر، وجثث الأبرياء المتراكمة لا تجد من يدفنها، ولذلك والكلام له (أقول إني أعتذر عن حسن ظني بالإسرائيليين، الذين كشفوا عن روح عنصرية إجرامية بغيضة، أعتذر لشهداء غزة ولكل طفل وامرأة ورجل فلسطيني. إني أعتذر)! د. أسامة حرب نشر رسالته في جريدة الأهرام، وكرر اعتذاره مرات ومرات بل وبكى على الهواء، وهو يعتذر عن تأييده للتطبيع مع «إسرائيل» طوال السنوات الماضية، كما حدث في برنامج «في المساء مع قصواء»!
{ المفارقة التي توضح سبب التعليق على اعتذاره، أنه امتلك الشجاعة لذلك الاعتذار، رغم أنه كان من أكبر المروجين للتطبيع مع الكيان الصهيوني!، مثلما امتلك مشاعر الندم التي جعلته يبكي على الهواء مباشرة، وهو لا يزال في حالة الصدمة من أهوال العدوان على أهل غزة! فيما آخرون كثيرون من (المتصهينين العرب) ورغم كل ما يشاهدونه على مدار الساعة من جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة ضحاياها في الأغلب الأعم أطفال ونساء، ليس فقط لم يمتلكوا شجاعة الاعتذار والندم، وإنما (لم يشعروا أساسا) بأن كل ما يحدث، يجعلهم على الأقل إنصافاً لقول الحقيقة أن يدينوا جرائم الكيان الذي هم من المتحمسين له!
{ لا يزال هناك بين هؤلاء من يبرر للكيان جرائمه وإن بشكل موارب! ولا يزال هناك من يضع كل غضبه على «حماس» وحدها وعلى فصائل المقاومة المسلحة، رغم أنه يعرف أن هناك «احتلالا» وأن هناك ركاما من الجرائم ضد الإنسانية منذ 75 عاماً! هؤلاء تركوا عقولهم على الرف حين هم لا يساوون حتى بين الجلاد والضحية، والمساواة بينهما من قلة العقل! بل هم ينتصرون للجلاد وهم يضعون ثقل غضبهم على الضحية! وكأنهم في معادلة أخرى (مختلّة)، يجعلون من عدم تعاطفهم مع أهل غزة وأطفالها ونسائها، وهم يبادون، حجة لإدانة المقاومة فقط!
{ الصورة في العالم انقلبت ضد «الكيان الصهيوني» ولكنها بقيت كما كانت بالنسبة إلى المتصهينين العرب في كل مكان! بل الأدهى إنهم يشعرون بأن هذا الانكشاف العالمي لحقيقة الكيان هو وحده ما يضايقهم، لأنه ينسحب عليهم وعلى مواقفهم! ولذلك هم يملؤون وسائل التواصل الاجتماعي ووحدهم يفعلون ذلك، بقذف شتائمهم على فصائل المقاومة، واختلافهم الأيديولوجي مع «حماس» رغم أن حرب الإبادة تقتل في الأطفال أكثر ما تقتل وهي عدوان على المدنيين!
{ هؤلاء وكأنهم لا يدركون أن «الكيان الصهيوني» منذ نشوئه وتأسيسه 1948 هو في حقيقته (كيان بدور استعماري وظيفي للغرب) ولا فرق في من يكون على رأس حكومته! فلا فارق بين «الصقور والحمائم» كمسمى قديم لم يعد له مكان اليوم، لأنه من يقود الكيان لا يستطيع الخروج عن «الدور الوظيفي للكيان»! ولذلك الرهان على «نتنياهو» كان خاطئاً من الأساس، وكذلك الرهان على «غيره» قائم منذ البداية على أساس (تمزيق فلسطين واحتلالها بالكامل له وحده)! وكيان قائم منذ البداية وحتى ما لا نهاية على وظيفة (إضعاف العرب وتمزيق جغرافيتهم)! ولذلك وهو خاضع (للرؤية الغربية الاستعمارية) غير قابل للمهادنة أو التعايش، مثلما (هو غير قابل للسلام لأن السلام يُقوّض أسس وجوده!) حسب معتقده «التلمودي» وحسب الاستخدام الديني لتغطية الأطماع الاستعمارية في المنطقة!
{ اليوم وشعوب العالم كلها اكتشفت حقيقة هذا الكيان، وهمجيته وسبب وجوده! بقي أن يكتشف (المتصهينون العرب) حقيقة موقفهم الخاطئ من شعوبهم ومن التاريخ، لأنهم يعرفون جيداً حقيقة هذا الكيان كغيرهم، ولكنهم وحتى بعد فظائع الجرائم غير المسبوقة في غزة، التي حركت كل شعوب العالم رغم اختلاف المعتقدات والدين، فإنها لم تحرّك «الصهاينة العرب» أو موقفهم! أما المؤمنون حقيقة بالسلام داخل «الكيان الصهيوني» فهم أقلية لا تأثير لهم في (الدور الوظيفي للكيان) لأنهم بدورهم خاضعون للمنظور الصهيوني! وكل رسائل السلام في الكيان وفي أمريكا والغرب، فهي بروبوجندا صهيونية، ثبت عدم مصداقيتها، لأنها لعب على الوقت، ولتمييع المواقف العربية! هذا ما حدث ويحدث فهل من مُعتبر؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك