العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

احترامي لهذا الحرامي

للشاعر‭ ‬السعودي‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بن‭ ‬مساعد‭ ‬قصيدة‭ ‬ذائعة‭ ‬الصيت‭ ‬والانتشار‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬مطلعها‭: ‬احترامي‭ ‬للحرامي‭ / ‬صاحب‭ ‬المجد‭ ‬العصامي‭ / ‬صبر‭ ‬مع‭ ‬حنكة‭ ‬وحيطة‭ / ‬وابتدا‭ ‬بسرقة‭ ‬بسيطة‭ / ‬وبعدها‭ ‬سرقة‭ ‬بسيطة‭ / ‬وبعدها‭ ‬تَعدى‭ ‬محيطه‭ / ‬وصار‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الأمامي‭.‬

وأحدثكم‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬حرامي‭ ‬احترمت‭ ‬فيه‭ ‬أمرا‭ ‬‮«‬إنسانيته‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬وقع‭ ‬صاحبنا‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وحقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬رهن‭ ‬الاعتقال،‭ ‬بعد‭ ‬ضبطه‭ ‬داخل‭ ‬بيت‭ ‬اقتحمه‭ ‬بغرض‭ ‬السرقة،‭ ‬وأتمنى‭ ‬لو‭ ‬أنني‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬عنوانه‭ ‬لأجمع‭ ‬بعض‭ ‬المال‭ ‬له،‭ ‬ليحل‭ ‬مشكلاته‭ ‬المالية،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬غارقاً‭ ‬في‭ ‬الديون‭ ‬وفشل‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المال‭ ‬اللازم‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬الشريفة،‭ ‬فاستسلم‭ ‬لإغراء‭ ‬‮«‬المال‭ ‬السهل‮»‬،‭ ‬فالحصول‭ ‬على‭ ‬المال‭ ‬بأساليب‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬السهولة،‭ ‬تقتحم‭ ‬بيتا‭ ‬وأهله‭ ‬غائبون‭ ‬أو‭ ‬نائمون‭ ‬وتسرق‭ ‬أشياء‭ ‬ثمينة‭... ‬تضع‭ ‬توقيعك‭ ‬أو‭ ‬توقيع‭ ‬غيرك‭ ‬على‭ ‬ورقة‭ ‬وتحصل‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬طائلة‭.. ‬يكلفونك‭ ‬بالإشراف‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬فتضع‭ ‬جانبا‭ ‬من‭ ‬مخصصاته‭ ‬في‭ ‬جيبك‭.‬

نعود‭ ‬إلى‭ ‬الشاب‭ ‬التونسي‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬لكسر‭ ‬نافذة‭ ‬أحد‭ ‬البيوت‭ ‬بغرض‭ ‬سرقة‭ ‬محتوياته‭ ‬ونجحت‭ ‬الخطة‭ ‬ودخل‭ ‬البيت‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحس‭ ‬به‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬سكانه‭ ‬الخمسة،‭ ‬ومشى‭ ‬اللص‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬أصابعه،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يستيقظ‭ ‬أصحاب‭ ‬البيت‭ ‬ولكنه‭ ‬اصطدم‭ ‬مصادفة‭ ‬بجسم‭ ‬صلب،‭ ‬سقط‭ ‬محدثاً‭ ‬دوياً‭ ‬هائلاً،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يوقظ‭ ‬أصحاب‭ ‬البيت‭ ‬فاحتار‭ ‬اللص‭ ‬الهاوي‭: ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬إني‭ ‬أرى‭ ‬داخل‭ ‬الغرف‭ ‬خمسة‭ ‬أشخاص‭ ‬ممدين،‭ ‬فهل‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬جميعا‭ ‬سكارى؟‭ ‬هذا‭ ‬احتمال‭ ‬ضعيف‭ ‬لأني‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬اثنين‭ ‬منهم‭ ‬ذوو‭ ‬أحجام‭ ‬صغيرة‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنهم‭ ‬أطفال‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬المنطقي‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬سكارى‭.‬

توقف‭ ‬اللص‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬متوجسا،‭ ‬وانتبه‭ ‬فجأة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬رائحة‭ ‬غير‭ ‬طبيعية‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬أدرك‭ ‬أنها‭ ‬رائحة‭ ‬غاز،‭ ‬واستنتج‭ ‬أن‭ ‬أصحاب‭ ‬البيت‭ ‬دخلوا‭ ‬في‭ ‬غيبوبة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استنشقوه‭ ‬وهم‭ ‬نائمون‭. ‬هنا‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬اللص‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬نوافذ‭ ‬البيت‭ ‬وإغلاق‭ ‬أنبوب‭ ‬الغاز،‭ ‬ثم‭ ‬شرع‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الإسعافات‭ ‬لأصحاب‭ ‬البيت‭. ‬نسي‭ ‬ديونه‭ ‬ونسي‭ ‬أن‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬البيت‭ (‬جريمة‭) ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يسرق‭ ‬منه‭ ‬شيئاً‭. ‬ولأنه‭ ‬كان‭ ‬لصا‭ ‬هاويا،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬باب‭ ‬الجيران‭ ‬طالباً‭ ‬منهم‭ ‬استدعاء‭ ‬الإسعاف،‭ ‬فجاء‭ ‬المسعفون‭ ‬ومعهم‭ ‬الشرطة‭ ‬ونجا‭ ‬أفراد‭ ‬تلك‭ ‬العائلة‭ ‬من‭ ‬موت‭ ‬محقق،‭ ‬وسألت‭ ‬الشرطة‭ ‬الشاب‭ ‬عن‭ ‬علاقته‭ ‬بالعائلة‭ ‬فقال‭ ‬بدون‭ ‬تردد‭ ‬إنه‭ ‬دخل‭ ‬البيت‭ ‬بغرض‭ ‬السرقة،‭ ‬ولكنه‭ ‬فوجئ‭ ‬بسكانه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬غيبوبة‭ ‬فصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬السرقة،‭ ‬وقرر‭ ‬بذل‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬ممكن‭ ‬لإنقاذهم‭ ‬رغم‭ ‬علمه‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬سيؤدي‭ ‬حتماً‭ ‬إلى‭ ‬اعتقاله‭.‬

حكاية‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تذكرنا‭ ‬بأننا‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬نقسو‭ ‬على‭ ‬أناس‭ ‬ارتكبوا‭ ‬جرائم‭ ‬وأخطاء‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬ضعف،‭ ‬فنظل‭ ‬ننظر‭ ‬إليهم‭ ‬باحتقار،‭ ‬ولا‭ ‬تتغير‭ ‬نظرتنا‭ ‬إليهم‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتأكد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬ارتكب‭ ‬هفوة‭ ‬واحدة‭ ‬وتاب‭ ‬وثاب‭ ‬إلى‭ ‬رشده‭ ‬وندم‭ ‬واستغفر‭. ‬الله‭ ‬يعفو‭ ‬ويغفر‭ ‬كل‭ ‬الذنوب‭ (‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يُشرك‭ ‬به‭)‬،‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فإذا‭ ‬قررنا‭ ‬أن‭ ‬فلاناً‭ (‬حرامي‭) ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نسقط‭ ‬ذلك‭ ‬اللقب‭ ‬عنه‭ ‬مهما‭ ‬استقام‭. ‬ألا‭ ‬ترون‭ ‬معي‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬التونسي‭ ‬–في‭ ‬التحليل‭ ‬الأخير–‭ ‬شخص‭ ‬نبيل‭ ‬بدليل‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬ووجه‭ ‬بموقف‭ ‬إنساني‭ ‬قرر‭ ‬التضحية‭ ‬بحريته‭ ‬–أي‭ ‬قرر‭ ‬أنه‭ ‬يستحق‭ ‬العقاب–‭ ‬لإنقاذ‭ ‬حياة‭ ‬خمسة‭ ‬أشخاص‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬ضحاياه‭.‬

الفقر‭ ‬والدين‭ ‬جعلا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ (‬مشروع‭ ‬مجرم‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬عفا‭ ‬عنه‭ ‬القاضي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تنازل‭ ‬من‭ ‬أنقذ‭ ‬حياتهم‭ ‬عن‭ ‬الدعوى،‭ ‬ولكنه‭ ‬سيظل‭ ‬فقيراً‭ ‬ومديوناً،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬دخل‭ ‬مطرب‭ ‬مصري‭ ‬اسمه‭ ‬تامر‭ ‬حسني‭ ‬السجن‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬بعد‭ ‬تزويره‭ ‬أوراقاً‭ ‬تثبت‭ ‬أنه‭ ‬جامعي‭ (‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬جامعياً‭) ‬وأنه‭ ‬أدى‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإلزامية‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يؤدها،‭ ‬وفي‭ ‬مواقع‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬ارتفعت‭ ‬ملصقات‭ ‬عليها‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬وحشتنا‭ ‬يا‭ ‬تامر‮»‬،‭ ‬وأجرة‭ ‬كل‭ ‬ملصق‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬جنيه؛‭ ‬ولعل‭ ‬بعضكم‭ ‬يذكر‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬التي‭ ‬طلقها‭ ‬زوجها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رفضت‭ ‬خلع‭ ‬ثياب‭ ‬الحداد‭ ‬السوداء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬تامر‭ ‬من‭ ‬السجن‭. ‬قيمة‭ ‬ملصق‭ ‬تامري‭ ‬واحد‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬ستمنع‭ ‬ذلك‭ ‬التونسي‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬الخطأ‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا