عالم يتغير
فوزية رشيد
التهجير القسري إلى التهجير الطوعي!
{ يمارس الاحتلال الصهيوني (التهجير القسري) من شمال ووسط غزة إلى جنوبها، لدفعهم بعد ذلك إلى كارثة الازدحام والظروف اللاإنسانية، خاصة مع دخول الشتاء! حيث لا مأوى ولا مأكل ولا علاج ولا حتى ملابس تقيهم من تقلبات الطقس، فقد تدمَّر كل ما يملكونه أثناء قصف بيوتهم! ورغم كل ذلك لم ينجُ «الجنوب» في القطاع من القصف أيضا والقتل، يدفعهم إلى حالة اليأس المطلق! وكان المخطط دفعهم إلى «سيناء» وهو ما رفضته مصر رفضا قاطعا، ومثلها فعلت الأردن، وقد انتقلت وحشية الاعتقال والقتل من الجنود الصهاينة والمستوطنين المتطرفين، إلى الفلسطينيين في «الضفة الغربية» لإجبارهم على النزوح نحو الأردن! ما اعتبره «العاهل الأردني» أن ذلك بمثابة إعلان حرب! من الواضح أن «الكيان الصهيوني»، (يريد غزة أرضا محروقة وخالية من سكانها)! ومثلها الضفة الغربية! بل وكما أعلن «نتنياهو» يريد إعادة الاحتلال والسيطرة الكاملة على أرض غزة!
{ وفيما شعوب العالم كلها تثور اليوم ضد سياسات ووحشية الكيان الصهيوني غير المسبوقة في تاريخ الحروب كلها، (من حيث التطهير العرقي والعقاب الجماعي وحرب الإبادة والجرائم ضد الإنسانية)! وفيما ثورة الشعوب تتصاعد في كل مدن العالم على المستوى الإعلامي والأكاديمي والسياسي بل وحتى الدبلوماسي، وكمثال تقديم «عريضة» من (400 موظف) في الخارجية الأمريكية واستقالات ضد الحرب وانحياز الإدارة الأمريكية! بل وللمرة الأولى وبشكل غير مسبوق كل (سفراء فرنسا في الشرق الأوسط) يقدمون احتجاجهم على السياسة الفرنسية وصناع القرار من الحرب على غزة! ويقدم محامون في الغرب (عرائض وبيانات) للدفاع عن الشعب الفلسطيني، ومحاكمة «قادة» الكيان الصهيوني! إلى تصاعد احتجاجات مختلفة حول العالم من مفكرين وكتّاب وفنانين وإعلاميين وصحفيين وبرلمانيين حتى في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ضد ما يدور من مجازر بل وتزايد ضغوط «عائلات الأسرى» ومؤيديهم في الكيان الصهيوني، وخروجهم إلى تظاهرات حاشدة ضد نتنياهو ومجلس حربه! كل ذلك وقادة العالم مصابون ببلادة غريبة في اتخاذ (موقف عملي) لإيقاف مأساة العصر والدموية الغربية، التي لم ير العالم لها مثيلا!
{ في ظل هذا المشهد الذي لا يتوقف فيه الاحتجاج الشعبي العالمي، فإن الكيان الصهيوني يواصل وحشيته بدم بارد وكأنه وحده في العالم! ويواصل بهمجية تفوق الخيال! بما يقوم به من مخططات الإبادة! وابتكار وسائل التضييق والقتل البطيء لأهالي غزة، وتحويلها إلى «مقبرة جماعية»! وبعد قصف المستشفيات وحصارها ونقص الأدوية، قام باقتحام «مستشفى الشفاء» بحجة أن «حماس والرهائن» تحت بلاط أرضها! فيفشل في إثبات ذلك! ليقوم هذه المرة بقتل المرضى والرضع والخدج، وحيث توفي كل مرضى العناية المركزة! هل سبق وأن رأى العالم مثل هذا الذي يحدث؟!
{ كل ذلك من أجل إجبار «أهل غزة» على (الهجرة الطوعية) بعد فشل «التهجير القسري»! والذي من آلياته دخول الجنود الصهاينة داخل البيوت المهدمة في شمال غزة ووسطها، وقتلهم بالرصاص، فيما الاتصالات مقطوعة! ومع فبركة الفيديوهات في «مستشفى الشفاء» والأكاذيب التي أزكمت الأنوف في العالم كله، تأتي تصريحات الصهاينة بأن (على دول العالم أن تتحمل مسؤوليتها في «توازع» الفلسطينيين! وليكن لكل بلد 10 آلاف فلسطيني)! بل وأضافوا (نقول ذلك لدواع إنسانية)! أية صفاقة منقطعة النظير هذه؟! خاصة تعبيره «دواعٍ إنسانية»!
{ يتم إغراء «أهل غزة» بـ(الهجرة الطوعية) بعد أن أوصلهم الكيان – لدواع إنسانية – إلى الاختيار بين الموت أو الهجرة! وعلى هذا فإن سيناريو «التهجير» مستمر وكل مرة بصيغة مختلفة! والهدف إخلاء غزة والضفة من أهلها «وتصفية القضية» وجعل فلسطين كلها أرضاً خالصة للصهاينة! وتصريح «نتنياهو» بتلك السيناريوهات وإعادة احتلال «غزة»، تم رفضه من الولايات المتحدة وإن «ظاهريا»! ومن الشعب الفلسطيني نفسه وفصائل مقاومته بالطبع! ورغم مرور أكثر من «45 يوما» على العدوان على غزة، والدعم الأمريكي والغربي المطلق لإنجاز «المهمة القذرة»، من قتل المدنيين والأطفال بحجة القضاء على «حماس» وتحرير الأسرى والرهائن، فإن لا شيء من تلك الحجة قد تحقق!، ما عدا الأكاذيب وفبركة الفيديوهات، أما الذي تحقق هو (تحويل أطفال غزة إلى جثث وأشلاء مفحمة، وقتل المدنيين في البيوت والشوارع وقتل المرضى في المستشفيات! ويا له من إنجاز هو وصمة عار على جبين العالم كله!
{ الصمود الذي أبداه أهل غزة، صمود بطولي لا مثيل له! بل هو أشبه بالصمود (المستحيل) لدى كل من يشاهد أهوال الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، التي يرتكبها الكيان في كل لحظة! صمود أذهل العالم، وأفشل حتى الآن كل المخططات والرهانات، التي راهن عليها الكيان ضدهم، وأفشل رهانه في صناعة «نكبة ثانية»، عبر القتل والترويع والحصار والقصف المكثف الأعمى لكل ما يتحرك! بل واقتحام المستشفيات وحصارها ومنع الوقود عنها، ليزداد عدد من يستشهد منهم، ومن أطفال رضع ومصابين تعدادهم بالآلاف مازالوا تحت الأنقاض! فيما الجثث تملأ الشوارع، ورائحة الموت تُزكم الأنوف في كل مكان! ولا يتمكن الأهالي حتى من دفن موتاهم!
{ المجتمع الدولي الذي تعرّى بالكامل أمام مرآة غزة، وأثبت سقوطه في كل شيء حتى الجوانب الأخلاقية والإنسانية، لايزال يقف متفرجا رغم كل المآسي النوعية غير المسبوقة، ولكأنه لا يزال يراهن على (انهزام) الشعب الفلسطيني في غزّة! ولأنه لم ينهزم فإن هذا المجتمع الدولي مُصاب اليوم بالارتباك والانكشاف مع طول مدة «الإبادة الجماعية» والصمود الفلسطيني رغم كل الظروف القاهرة، ودمار كل مقومات الحياة! وبقي لقادة الدول أن يقولوا للشعب الفلسطيني (انهزم وخلِصنا)! وهم يدركون جيداً أنهم هم الذين انهزموا تماما أمام ما تبقى من إنسانيتهم إن كانوا بشرا! وأمام الضمير الشعبي العالمي، ولم يبق شيء يستر عوراتهم! لقد هزمتهم جثث وأشلاء الأطفال! وهزمهم الدم الفلسطيني وفضحهم، حتى لم يبق في أجسادهم كقادة إلا الأقنعة التي يلبسونها ليختبئوا خلفها! مثل هذا الشعب لا ينهزم! فيما التاريخ يسجل كل المواقف، والله شاهد على كل شيء!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك