العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

للظروف الاقتصادية أحكام

هل‭ ‬أتتكم‭ ‬حكاية‭ ‬المرأة‭ ‬اليوغندية؟‭ ‬ويوغندا‭ ‬يا‭ ‬رعاك‭ ‬الله،‭ ‬جارة‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجنوبية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينفصل‭ ‬عنه‭ ‬الإقليم‭ ‬الجنوبي،‭ ‬وأعني‭ ‬هناك‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬اليوغندية‭ ‬التي‭ ‬مات‭ ‬زوجها‭ ‬فترملت‭ ‬وتبهدلت،‭ ‬ولأنها‭ ‬كانت‭ ‬تحبه‭ ‬كثيراً‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬تأكله‭. ‬وقد‭ ‬كان‭. ‬أي‭ ‬أكلته‭ ‬بالفعل‭ ‬‮«‬همهمهمهم‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬تترك‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬الرأس‭ ‬لخلوِّه‭ ‬من‭ ‬اللحم،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تنالها‭ ‬ألسنة‭ ‬السوء،‭ ‬أبلغت‭ ‬الأرملة‭ ‬الشرطة‭ ‬أنها‭ ‬أكلت‭ ‬جثة‭ ‬الزوج‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬نصيحة‭ ‬والده‭. ‬يعني‭ ‬أبو‭ ‬الزوج‭ ‬الميت‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أوعز‭ ‬إليها‭ ‬بالاستفادة‭ ‬من‭ ‬لحمه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتلف‭ ‬حتى‭ ‬تنتقل‭ ‬جيناته‭ ‬إليها‭. ‬يعني‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الوالد،‭ ‬كانت‭ ‬الزوجة‭ ‬أولى‭ ‬بلحم‭ ‬زوجها‭ ‬من‭ ‬ديدان‭ ‬الثرى‭.‬

وبالطبع‭ ‬سيقول‭ ‬المتحذلقون‭ ‬والمتنطعون‭ ‬والمتفلسفون‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬البربرية،‭ ‬فما‭ ‬رأي‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬اختفاء‭ ‬بضعة‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الكلاب‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فرضت‭ ‬الحكومة‭ ‬ضريبة‭ ‬عليها؟‭ ‬وتلك‭ ‬الكلاب‭ ‬لم‭ ‬تهاجر‭ ‬إلى‭ ‬هونغ‭ ‬كونغ‭ ‬أو‭ ‬كندا،‭ ‬بل‭ ‬اختفت‭ ‬لأن‭ ‬أصحابها‭ ‬أكلوها‭. ‬وكانوا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ومن‭ ‬وجهات‭ ‬نظرهم‭ ‬عمليين‭: ‬إما‭ ‬دفع‭ ‬الضرائب‭ ‬وإما‭ ‬السماح‭ ‬للشرطة‭ ‬بقتل‭ ‬الكلاب،‭ ‬وفي‭ ‬كلتا‭ ‬الحالتين‭ ‬كانت‭ ‬الكلاب‭ ‬‮«‬ستروح‭ ‬أوانطة‮»‬،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬سبيل‭ ‬أمامهم‭ ‬سوى‭ ‬أكلها‭. ‬وهنا‭ ‬أيضاً‭ ‬سيقول‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬ممارسة‭ ‬بربرية،‭ ‬أما‭ ‬عندما‭ ‬يعد‭ ‬الفرنسيون‭ ‬الشوربة‭ ‬من‭ ‬سيقان‭ ‬الضفادع‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬أنهم‭ ‬سادة‭ ‬التحضر‭ ‬والتمدن‭!‬

لظروف‭ ‬الناس‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أحكام،‭ ‬وأذكر‭ ‬هنا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬مصنعاً‭ ‬للأحذية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬واجه‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عشرة‭ ‬أعوام‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬السيولة‭ ‬النقدية‭ ‬فأعطى‭ ‬العاملين‭ ‬نصف‭ ‬رواتبهم‭ ‬نقداً‭..  ‬كاش‭ ‬داون‭..  ‬والنصف‭ ‬الآخر‭ ‬‮«‬جزم‭.. ‬جوتي‭.. ‬شوز‮»‬،‭ ‬يعني‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬العمال‭ ‬تقاضى‭ ‬200‭ ‬جنيه‭ ‬نقداً‭ ‬مع‭ ‬4‭ ‬أزواج‭ ‬أحذية‭ ‬برباط‭ ‬وثلاثة‭ ‬أزواج‭ ‬صندل‭ ‬و4‭ ‬أزواج‭ ‬شباشب‭. ‬المشكلة‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬انتاج‭ ‬المصنع‭ ‬قابلاً‭ ‬للتسويق‭ ‬لما‭ ‬عانى‭ ‬المصنع‭ ‬أصلاً‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬السيولة‭.‬

وما‭ ‬هو‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الارتداد‭ ‬إلى‭ ‬المقايضة،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬أصبحت‭ ‬فيه‭ ‬البطاقات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬تقوم‭ ‬مقام‭ ‬النقود،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬كهذا‭ ‬يذهب‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬سيبيريا‭ ‬حاملين‭ ‬معهم‭ ‬البيض،‭ ‬ويدفعون‭ ‬بيضتين‭ ‬مقابل‭ ‬تذكرة‭ ‬المقاعد‭ ‬الشعبية،‭ ‬وقياساً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬يريد‭ ‬مقعداً‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬القيمة‭ ‬دجاجة‭ ‬عالية‭ ‬الخصوبة،‭ ‬أما‭ ‬المقصورة‭ ‬الفاخرة‭ ‬‮«‬بلكون‮»‬‭ ‬فقيمتها‭ ‬تيس‭ ‬ذو‭ ‬كفاءة‭ ‬عالية‭ ‬وسليل‭ ‬حسب‭ ‬ونسب؛‭ ‬وسيبيريا‭ ‬هذه‭ ‬تضم‭ ‬مخزوناً‭ ‬هائلاً‭ ‬للبترول‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وهي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬جمهورية‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحمي‭ ‬الأيتام‭ ‬من‭ ‬أمثالنا‭ ‬من‭ ‬بطش‭ ‬واشنطن،‭ ‬الذي‭ ‬فككه‭ ‬وفتفته‭ ‬ذاك‭ ‬الموسوم‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬شامة‮»‬‭ ‬قبيحة‭ ‬على‭ ‬أم‭ ‬رأسه،‭ ‬ميخائيل‭ ‬غورباتشوف‭.. ‬لعنة‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬من‭ ‬أتوا‭ ‬من‭ ‬بعده،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬يلتسين‭ ‬الذي‭ ‬فتكت‭ ‬به‭ ‬الفودكا‭ ‬فأراحتنا‭ ‬من‭ ‬طلعته‭ ‬القميئة‭ ‬ثم‭ ‬جاءنا‭ ‬القبضاي‭ ‬بوتين‭ ‬قطع‭ ‬الله‭ ‬منه‭ ‬الوتين‭. ‬

لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬مقتنعاً‭ ‬تماماً‭ ‬بأن‭ ‬الاشتراكية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كلها‭ ‬شراً‭ ‬كما‭ ‬يذيع‭ ‬الذين‭ ‬شهروا‭ ‬سكاكينهم‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الثور‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬فلابد‭ ‬لكل‭ ‬أمة‭ ‬من‭ ‬جرعة‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬الاشتراكية‭ ‬لحماية‭ ‬الفقراء‭ ‬دون‭ ‬تحويل‭ ‬الشعب‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬فقراء‭ ‬فإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬الاشتراكية‭ ‬جرعة‭ ‬من‭ ‬الرأسمالية‭ ‬تكفل‭ ‬التنافس‭ ‬الحر،‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬توصلنا‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬الإشتمالية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬شرف‭ ‬إعدادها‭ ‬وإخراجها‭ ‬وإنتاجها‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬،‭ ‬ويطيب‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬بيع‭ ‬حقوق‭ ‬استخدام‭ ‬تلك‭ ‬النظرية‭ ‬لمن‭ ‬يرغب‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الدفع‭ ‬نقداً‭.. ‬يعني‭ ‬‮«‬بيض‮»‬‭ ‬لا‭.. ‬وأحذية،‭ ‬يفتح‭ ‬الله‭.. ‬وبصراحة‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أحبذ‭ ‬بيع‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬للدول‭ ‬الغلبانة‭ ‬لأنها‭ ‬جميعاً‭ ‬تؤمن‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الرأشمولية‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬الرأسمالية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬شمولي،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬أعترف‭ ‬على‭ ‬مضض‭ ‬بأن‭ ‬الرأشمولية‭ ‬أثبتت‭ ‬نجاحها‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬حيث‭ ‬تعزز‭ ‬مركز‭ ‬الرأسماليين‭ ‬بينما‭ ‬‮«‬شملت‮»‬‭ ‬الدولة‭ ‬بقية‭ ‬قطاعات‭ ‬الشعب‭ ‬برعايتها‭ ‬بأن‭ ‬وضعتها‭ ‬تحت‭ ‬عينها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تغمض‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا