العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

من يراهن على الأمريكان خسران

مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أُذكر‭ ‬من‭ ‬يقرأون‭ ‬لي،‭ ‬بأنني‭ ‬لا‭ ‬أخوض‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية،‭ ‬لأنني‭ ‬كالخباز‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشتهي‭ ‬رغيف‭ ‬الخبز،‭ ‬وكالطاهي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يميل‭ ‬الى‭ ‬أكل‭ ‬ما‭ ‬يطهو،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬عملي‭ ‬الرسمي‭ ‬يتطلب‭ ‬متابعة‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬نكد‭ ‬وغم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فقد‭ ‬ظل‭ ‬عمودي‭ ‬هذا‭ ‬نشازا،‭ ‬وكنت‭ ‬أغرد‭ ‬خارج‭ ‬السرب،‭ ‬بينما‭ ‬كل‭ ‬ذو‭ ‬ضمير‭ ‬حي‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬القلم‭ ‬ظل‭ ‬منفعلا‭ ‬بحرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬الغاشمة‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬أعتبر‭ ‬دم‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬دمي،‭ ‬وهمّهم‭ ‬همي،‭ ‬ولا‭ ‬أعتبر‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬‮«‬هجومية‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬أتت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الدفاع‭ ‬المشروع‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬غزة‭ ‬تئن‭ ‬تحت‭ ‬الحصار‭ ‬ويتعرض‭ ‬سكانها‭ ‬للبطش‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2005‭.‬

وتفاصيل‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الهمجي‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬مبذولة‭ ‬ومتاحة‭ ‬عبر‭ ‬كل‭ ‬الوسائط،‭ ‬وليس‭ ‬عندي‭ ‬جديد‭ ‬أضيفه‭ ‬إليها،‭ ‬وما‭ ‬أود‭ ‬أقوله‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬إنني‭ ‬استهجن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الأمريكان‭ ‬يكيلون‭ ‬بمكيالين‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بإسرائيل‭ ‬وضحاياها‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬لأنهم‭ ‬يدينون‭ ‬القتيل‭ ‬وينصرون‭ ‬القاتل،‭ ‬بينما‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬للأمريكان‭ ‬مكيالا‭ ‬واحدا،‭ ‬فهم‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬مع‭ ‬الباغي‭ ‬المعتدي‭ ‬العُتُل‭ ‬الزنيم،‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬شن‭ ‬يوافق‭ ‬طبقة‮»‬،‭ ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشكلها‭ ‬الحالي‭ ‬هي‭ ‬النموذج‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬عليه‭ ‬إسرائيل‭: ‬يتدفق‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأوروبيين‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬بها‭ ‬سكان‭ ‬أصليون،‭ ‬يشبعونهم‭ ‬قتلا‭ ‬وتهجيرا‭ ‬وتشريدا،‭ ‬ويستولون‭ ‬على‭ ‬أرضهم‭ ‬ويقيمون‭ ‬فيها‭ ‬مستوطنات‭ ‬تحولت‭ ‬لاحقا‭ ‬إلى‭ ‬مدن،‭ ‬ثم‭ ‬جيء‭ ‬بعبيد‭ ‬من‭ ‬إفريقيا‭ ‬ساموهم‭ ‬سوء‭ ‬العذاب،‭ ‬وطوال‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬ظل‭ ‬البيض‭ ‬الذين‭ ‬وفدوا‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬تعرف‭ ‬بـ«الأمريكية‮»‬‭ ‬يقاتلون‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬بالحديد‭ ‬والنار‭  ‬للفوز‭ ‬بمناجم‭ ‬الذهب‭ ‬أو‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬وفور‭ ‬إعلان‭ ‬استقلال‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬انفجرت‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬بين‭ ‬شمال‭ ‬وجنوب‭ ‬البلاد‭ ‬هلك‭ ‬فيها‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭.‬

وهكذا‭ ‬قامت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬جماجم‭ ‬من‭ ‬أسموهم‭ ‬بالهنود‭ ‬الحمر،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فالعنف‭ ‬الدموي‭ ‬أمر‭ ‬أصيل‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬والمزاج‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬سودان‭ ‬اليوم‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬وحشية‭ ‬مقاتلين‭ ‬دمويين‭ ‬ذوي‭ ‬بشرة‭ ‬سمراء‭ ‬يحملون‭ ‬اسم‭ ‬الجنجويد،‭ ‬ففي‭ ‬الأراضي‭ ‬الأمريكية‭ ‬جنجويد‭ ‬بيض‭ ‬يعود‭ ‬تاريخهم‭ ‬إلى‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬البيض‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬استورد‭ ‬السود‭ ‬بقوة‭ ‬المال‭ ‬والسلاح،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬النهضة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬مطالع‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬كانت‭ ‬بعرق‭ ‬ودماء‭ ‬أولئك‭ ‬السود،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جزاء‭ ‬إحسانهم‭ ‬كان‭ ‬تعريضهم‭ ‬للإذلال‭ ‬وقتلهم‭ ‬بدم‭ ‬بارد،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬‮«‬المتعة‮»‬‭ ‬أحيانا‭.‬

الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ذات‭ ‬مزاج‭ ‬دموي‭ ‬وما‭ ‬ولغت‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬إلا‭ ‬أهلكت‭ ‬فيها‭ ‬الزرع‭ ‬والضرع‭ ‬وقضت‭ ‬على‭ ‬الحرث‭ ‬والنسل‭ ‬ودمرت‭ ‬الشجر‭ ‬والحجر‭ ‬والبشر،‭ ‬وإسرائيل‭ ‬هي‭ ‬وكيل‭ ‬أعمالها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ولهذا‭ ‬يبلغ‭ ‬السقوط‭ ‬الأخلاقي‭ ‬بالرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬قصفت‭ ‬المستشفى‭ ‬المعمداني‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬مما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسمائة‭ ‬شخص،‭ ‬ثم‭ ‬يرتب‭ ‬لجسر‭ ‬جوي‭ ‬يأتي‭ ‬بالسلاح‭ ‬والعتاد‭ ‬لإسرائيل‭ ‬كي‭ ‬تواصل‭ ‬عمليات‭ ‬السحل‭ ‬والقتل‭ ‬بالجملة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬إبراء‭ ‬الذمة‭ ‬يناشد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بكل‭ ‬أدب‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬بإيصال‭ ‬مواد‭ ‬الإغاثة‭ ‬إلى‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭.‬

كيف‭ ‬يرجو‭ ‬أحد‭ ‬خيرا‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومازالت‭ ‬شعوب‭ ‬فيتنام‭ ‬وكمبوديا‭ ‬ولاوس‭ ‬وأمريكا‭ ‬الجنوبية‭ ‬والوسطى‭ ‬والبلقان‭ ‬والعراق‭ ‬وغرينادا‭ ‬ونيكاراغوا‭ ‬وأفغانستان‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الجراح‭ ‬التي‭ ‬سببتها‭ ‬لهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬أغارت‭ ‬على‭ ‬أراضيهم‭ ‬وأهلكت‭ ‬الملايين‭ ‬ودمرت‭ ‬البيئة،‭ ‬وداست‭ ‬سنابك‭ ‬دباباتها‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ترفض‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحروب‭ ‬و«إبادة‭ ‬البشر‮»‬،‭ ‬وكاد‭ ‬المريب‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬خذوني‭.‬

والشاهد‭: ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مكيال‭ ‬واحد،‭ ‬تكيل‭ ‬به‭ ‬بسخاء‭ ‬لنفسها‭ ‬وصنائعها‭ ‬وربائبها،‭ ‬وتطفف‭ ‬الميزان‭ ‬عندما‭ ‬يخص‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فمن‭ ‬يتغطى‭ ‬بالأمريكان‭ ‬عريان‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا