العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

موقفك من العدوان على غزة «أخلاقي»

أنت‭ ‬لست‭ ‬مطالبا‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬مسلما‭ ‬أو‭ ‬مسيحيا‭ ‬أو‭ ‬بوذيا،‭ ‬كي‭ ‬تتعاطف‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬فلسطين،‭ ‬وتغضب‭ ‬وتحزن‭ ‬للمجازر‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬طوال‭ ‬شهر‭ ‬كامل،‭ ‬فالمسألة‭ ‬‮«‬أخلاقية‮»‬‭: ‬هل‭ ‬تؤيد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني؟‭ ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬من‭ ‬يحتل‭ ‬أرض‭ ‬الغير‭ ‬بقتل‭ ‬وتشريد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الغير؟‭ ‬ومن‭ ‬يقوم‭ ‬بالقتل‭ ‬بالجملة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ويعلن‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬رجمها‭ ‬بالصواريخ‭ ‬والقذائف‭ ‬حتى‭ ‬يجلو‭ ‬عنها‭ ‬معظم‭ ‬سكانها،‭ ‬يزعم‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬اصطفاه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خلقه‭ ‬أجمعين،‭ ‬وأوحى‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬أرض‭ ‬الميعاد،‭ ‬وهي‭ ‬الأرض‭ ‬المختارة،‭ ‬وصهيون‭ ‬التي‭ ‬يسكنها‭ ‬الرب،‭ ‬والأرض‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬في‭ ‬قدسيتها‭ ‬أيَّ‭ ‬أرض‭ ‬أخرى،‭ ‬لارتباطها‭ ‬بالشعب‭ ‬المختار،‭ ‬وهي‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬وعد‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬نبيه‭ ‬يعقوب‭  (‬إسرائيل‭)‬،‭ ‬وتمتد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النيل‭ ‬والفرات،‭ ‬فهل‭ ‬انطلت‭ ‬عليك‭ ‬الحيلة‭ ‬التي‭ ‬استخدموها‭ ‬لاغتصاب‭ ‬فلسطين؟‭ ‬هل‭ ‬تسكت‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬إسرائيل‭ ‬لأنك‭ ‬تصدق‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬الرب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تخص‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬اصطفاه‭ ‬الرب؟‭ ‬ما‭ ‬قولك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬وبعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وعندما‭ ‬أحس‭ ‬الأوروبيون‭ ‬بالذنب‭ ‬بسبب‭ ‬معاناة‭ ‬يهود‭ ‬بلدانهم‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬مواطنيهم‭ ‬المسيحيين،‭ ‬وبدأ‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬تخصيص‭ ‬أرض‭ ‬تكون‭ ‬وطنا‭ ‬لليهود،‭ ‬إن‭ ‬البلد‭ ‬الأول‭ ‬ليكون‭ ‬الوطن‭ ‬اليهودي‭ ‬كان‭ ‬الأرجنتين،‭ ‬وتليه‭ ‬يوغندا،‭ ‬وإن‭ ‬بريطانيا‭ -‬وليس‭ ‬الصهيونيان‭ ‬هيرتزل‭ ‬او‭ ‬بن‭ ‬غوريون‭- ‬هي‭ ‬من‭ ‬رجحت‭ ‬كفة‭ ‬فلسطين‭ ‬كوطن‭ ‬لليهود،‭ ‬بإصدار‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطاني‭ ‬آرثر‭ ‬بلفور‭ ‬ما‭ ‬صار‭ ‬معروفا‭ ‬بإعلان‭ / ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬اللورد‭ ‬روتشيلد‭: ‬تنظر‭ ‬حكومة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬بعين‭ ‬العطف‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬وطن‭ ‬قوميّ‭ ‬للشعب‭ ‬اليهوديّ‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وستبذل‭ ‬غاية‭ ‬جهدها‭ ‬لتسهيل‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الغاية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬جلياً‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يأتي‭ ‬بعمل‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬ينتقص‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والدينية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬الطوائف‭ ‬غير‭ ‬اليهودية‭ ‬المقيمة‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬ولا‭ ‬الحقوق‭ ‬أو‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭.‬

وانتهك‭ ‬الصهاينة‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وحيازة‭ ‬الأرض‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شكلوا‭ ‬عصابات‭ ‬تفننت‭ ‬في‭ ‬التقتيل‭ ‬والتهجير‭ ‬القسري‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬ولم‭ ‬تحرك‭ ‬بريطانيا‭ ‬ساكنا‭.‬

عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬حطمت‭ ‬مقولة‭ ‬إن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لا‭ ‬يقهر،‭ ‬فقد‭ ‬اخترق‭ ‬مقاتلون‭ ‬أشاوس‭ ‬الطوق‭ ‬العسكري‭ ‬المضروب‭ ‬حول‭ ‬غزة،‭ ‬وضربوا‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬وأسروا‭ ‬ضباطا‭ ‬إسرائيليين‭ ‬ذوي‭ ‬رتب‭ ‬عالية‭ ‬ليقايضوهم‭ ‬بمئات‭ ‬الأسرى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬يقبعون‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ومحزن‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬عربيا‭ ‬يشمت‭ ‬في‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬والصهاينة‭ ‬يمطرون‭ ‬الموت‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم‭ ‬ويقول‭: ‬تستأهلوا‭!! ‬هل‭ ‬كنتم‭ ‬تحسبونها‭ ‬نزهة؟‭ ‬صدر‭ ‬جنس‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬‮«‬يرفضون‮»‬‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬وفكرها،‭ ‬ولكن‭ ‬الحرب‭ ‬الحالية‭ ‬ليست‭ ‬حرب‭ ‬حماس،‭ ‬وكبريات‭ ‬المدن‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكندا‭ ‬وغيرها‭ ‬تشهد‭ ‬مواكب‭ ‬حاشدة‭ ‬قوامها‭ ‬أشخاص‭ ‬ليسوا‭ ‬بعرب‭ ‬أو‭ ‬مسلمين،‭ ‬يستنكرون‭ ‬البغي‭ ‬والعدوان‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬مسألة‭ ‬‮«‬أخلاقية‮»‬،‭ ‬تتعلق‭ ‬بالضمير‭ ‬الإنساني‭: ‬هل‭ ‬تصفق‭ ‬للقتل‭ ‬والقتلة‭ ‬أم‭ ‬تستنكر‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭.‬

وقف‭ ‬العرب‭ ‬وغير‭ ‬العرب‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬معركتها‭ ‬الشرسة‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الفرنسي،‭ ‬ووقفت‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الأمريكان‭ ‬ضد‭ ‬المجازر‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬ولاوس‭ ‬وكمبوديا،‭ ‬وناصر‭ ‬ذوو‭ ‬الضمائر‭ ‬الحية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الملل‭ ‬والنحل‭ ‬والسحن‭ ‬نضال‭ ‬شعب‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ضد‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬وحكم‭ ‬الأقلية‭ ‬البيضاء،‭ ‬ورفض‭ ‬العدوان‭ ‬الجاري‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بمناصرة‭ ‬حماس،‭ ‬بل‭ ‬بمناصرة‭ ‬حق‭ ‬شعب‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬أرضه،‭ ‬وحق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬الأمان‭ ‬وسلامة‭ ‬البدن‭ ‬والمال‭ ‬والعرض،‭ ‬ولهذا‭ ‬ناصرت‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬مسلمي‭ ‬الروهينغا‭ ‬في‭ ‬ميانمار‭ ‬والويغور‭ ‬في‭ ‬الصين

نحن‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬ظالم،‭ ‬تريد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬الآمرة‭ ‬الناهية،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمصالحها‭ ‬ومصالح‭ ‬وكلائها،‭ ‬وانظر‭ ‬يا‭ ‬رعاك‭ ‬الله‭ ‬كيف‭ ‬يلطم‭ ‬حكام‭ ‬أمريكا‭ ‬الخدود‭ ‬ويشقون‭ ‬الجيوب‭ ‬لما‭ ‬يحيق‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬من‭ ‬عدوان‭ ‬روسي،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬من‭ ‬سقطوا‭ ‬صرعى‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أسابيع،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬استنفر‭ ‬نخوة‭ ‬الأمريكان‭ ‬وجعلهم‭ ‬يصبون‭ ‬المال‭ ‬والسلاح‭ ‬والدواء‭ ‬والغذاء‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ليس‭ ‬حبا‭ ‬في‭ ‬شعبها‭ ‬ولكن‭ ‬لكسر‭ ‬شوكة‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬انفراد‭ ‬واشنطن‭ ‬بالمشهد‭ ‬الدولي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا