زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
موقفك من العدوان على غزة «أخلاقي»
أنت لست مطالبا بأن تكون مسلما أو مسيحيا أو بوذيا، كي تتعاطف مع أهل فلسطين، وتغضب وتحزن للمجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة طوال شهر كامل، فالمسألة «أخلاقية»: هل تؤيد الاستعمار الاستيطاني؟ هل ترى أنه لا بأس في أن يقوم من يحتل أرض الغير بقتل وتشريد هؤلاء الغير؟ ومن يقوم بالقتل بالجملة في غزة، ويعلن أنه لن يتوقف عن رجمها بالصواريخ والقذائف حتى يجلو عنها معظم سكانها، يزعم أن الله اصطفاه من دون خلقه أجمعين، وأوحى إليه أن فلسطين هي أرض الميعاد، وهي الأرض المختارة، وصهيون التي يسكنها الرب، والأرض التي تفوق في قدسيتها أيَّ أرض أخرى، لارتباطها بالشعب المختار، وهي الأرض التي وعد الله بها نبيه يعقوب (إسرائيل)، وتمتد ما بين النيل والفرات، فهل انطلت عليك الحيلة التي استخدموها لاغتصاب فلسطين؟ هل تسكت على جرائم إسرائيل لأنك تصدق أنها «أرض الرب» التي تخص الشعب الذي اصطفاه الرب؟ ما قولك في أنه وبعد الحرب العالمية الثانية وعندما أحس الأوروبيون بالذنب بسبب معاناة يهود بلدانهم على أيدي مواطنيهم المسيحيين، وبدأ التفكير في تخصيص أرض تكون وطنا لليهود، إن البلد الأول ليكون الوطن اليهودي كان الأرجنتين، وتليه يوغندا، وإن بريطانيا -وليس الصهيونيان هيرتزل او بن غوريون- هي من رجحت كفة فلسطين كوطن لليهود، بإصدار وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور ما صار معروفا بإعلان / وعد بلفور في رسالة إلى اللورد روتشيلد: تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يأتي بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.
وانتهك الصهاينة حق الفلسطينيين في الحياة وحيازة الأرض بعد أن شكلوا عصابات تفننت في التقتيل والتهجير القسري للفلسطينيين، ولم تحرك بريطانيا ساكنا.
عملية طوفان الأقصى حطمت مقولة إن الجيش الإسرائيلي لا يقهر، فقد اخترق مقاتلون أشاوس الطوق العسكري المضروب حول غزة، وضربوا إسرائيل في العمق، وأسروا ضباطا إسرائيليين ذوي رتب عالية ليقايضوهم بمئات الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في سجون إسرائيل، ومحزن أن تسمع عربيا يشمت في أهل غزة والصهاينة يمطرون الموت على رؤوسهم ويقول: تستأهلوا!! هل كنتم تحسبونها نزهة؟ صدر جنس هذا الكلام من الذين «يرفضون» حركة حماس، وفكرها، ولكن الحرب الحالية ليست حرب حماس، وكبريات المدن في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وغيرها تشهد مواكب حاشدة قوامها أشخاص ليسوا بعرب أو مسلمين، يستنكرون البغي والعدوان على غزة، لأن هذه مسألة «أخلاقية»، تتعلق بالضمير الإنساني: هل تصفق للقتل والقتلة أم تستنكر جرائم الحرب والإبادة.
وقف العرب وغير العرب مع الجزائر في معركتها الشرسة ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، ووقفت شعوب العالم ومن بينها الأمريكان ضد المجازر الأمريكية في فيتنام ولاوس وكمبوديا، وناصر ذوو الضمائر الحية من كل الملل والنحل والسحن نضال شعب جنوب إفريقيا ضد الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء، ورفض العدوان الجاري على غزة لا يتعلق بمناصرة حماس، بل بمناصرة حق شعب في الحياة على أرضه، وحق الإنسان في كل مكان في الأمان وسلامة البدن والمال والعرض، ولهذا ناصرت شعوب الأرض مسلمي الروهينغا في ميانمار والويغور في الصين
نحن نعيش في كنف نظام عالمي ظالم، تريد الولايات المتحدة أن تكون فيه الآمرة الناهية، في كل ما يتعلق بمصالحها ومصالح وكلائها، وانظر يا رعاك الله كيف يلطم حكام أمريكا الخدود ويشقون الجيوب لما يحيق بأوكرانيا من عدوان روسي، ورغم أن عدد القتلى المدنيين في أوكرانيا أقل من نصف من سقطوا صرعى في غزة في أقل من أربعة أسابيع، إلا أن ذلك استنفر نخوة الأمريكان وجعلهم يصبون المال والسلاح والدواء والغذاء على أوكرانيا، ليس حبا في شعبها ولكن لكسر شوكة روسيا التي تهدد انفراد واشنطن بالمشهد الدولي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك