زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الاستعباط في مواقع العمل (3)
نحن قوم نجيد لي أعناق الأشياء والحقائق، ونسمي الرشوة إكرامية، والحرامي قد يفوز بلقب «شاطر»، وعندنا كذب ابيض وآخر أسود، ولو حاقت الهزيمة بفريق كرة نشجعه بالعتب على الحكم الفاسد ضعيف النظر، وفي بيئات العمل هناك مستهبلون محترفون (والمستهبل شخص يفترض البله والهبل والخبل في الآخرين ومن ثم يفترض أنه الأكثر ذكاء)، والموظفون المستهبلون قد لا يردون على المكالمات الهاتفية رغم أنهم قد يكونون وقت ورودها يحلون الكلمات المتقاطعة، أو يفسبكون أو يوتسبون، أو يتتوبيويون (يشاهدون أشياء في موقع يوتيوب)، ولما جاء عصر الهواتف التي تكشف الأرقام، صاروا يتصلون بمن تجاهلوهم لاحقا: معليش كنت مشغولاً في إعداد الميزانية ولم أنتبه لمكالمتك.
وأحياناً يتجاهل المستهبلون المحترفون مكالمات رؤسائهم، ثم يحرصون على الالتقاء بهم (مصادفة!!) خلال استراحة الغداء، أو عند موعد الانصراف ويخاطبونهم: سوري.. انتبهت قبل شوي إلى أنك اتصلت فيني... أففف تدري البريزنتيشن حق يوم الثلاثاء أخذ كل وقتي.. طبعاً لن يكون المدير أو الرئيس المباشر لحظتها في مزاج يسمح له بطرح الموضوع الذي كان يريد عرضه عليك عبر الهاتف، وبذلك يكون الموظف المستهبل قد «عمل اللي عليه»، وهناك الموظف الذي يحرص على صلاة الجماعة في مكان العمل لأن «المدير» مواظب على الصلاة، ويعفون أنفسهم من الصلوات خارج الدوام!!
وكما قلت في مقالي بالأمس، فإن المديرين يحبون «الكلام الكبير»، ويعطون اهتماما خاصاً للموظفين الذين يستخدمون مصطلحات افرنجية.. وهناك قائمة «قل ولا تقل» في الحياة العملية: قل عندي أساينمنت، ولا تقل عندي مهمة أو تكليف.. قل «نو واي» ولا تقل «غير ممكن».. قل ان الكمبيوتر تعرض لـ«كراش» ولا تقل «عطل».. قل إن النفقات «أوفر بدجيت» ولا تقل كلاماً بلدياً مثل «تجاوزت المخصصات».. تحدث عن ضرورة «برين ستورمنق» ولا تتحدث عن ضرورة المناقشة الجماعية (هناك من يستخدمون عبارة «عصف فكري» بدلاً من برين ستورمنق brain storming وهي عبارة شبه افرنجية وتفي بالغرض ألا وهو إعطاء الانطباع بأنك تستخدم مصطلحات علمية دقيقة).
ومن مهارات الموظفين المستهبلين أنهم يحرصون على أن يكونوا آخر من يغادر المكتب بعد نهاية ساعات العمل، فخلال الساعات المكتبية يقرأون الصحف والمجلات ويجرون اتصالات هاتفية مجانية لترتيب برنامج المساء والسهرة، فالمهم أن يمر الوقت.. ويحدث ذلك غالباً عندما يكون المدير نفسه «متأخرا» في الخروج من مكتبه، وتشاء «الصدف» دائماً أن يلتقي الموظف المستهبل بالمدير عند الخروج من المكتب، بعد عدة ساعات من نهاية الدوام!!
ومن تلك المهارات أيضاً إعطاء الانطباع بالتوتر وفلتان الأعصاب بسبب «ضغط العمل»، تسأله عن صحة ولده الذي ترك العمل بسببها أمس بعد أن بلغه «إصابته بمرض طارئ»، ولأن المسألة كلها مفبركة فإنه ينفجر في وجهك: أف مو فاضي لك.. عندي تقرير لمجلس الإدارة مو مثلك خالي شغل، وبالي رايق!! وإذا أضفت إلى ذلك «السرحان» أي شرود الذهن تكون قد تركت انطباعا بأنه لا شيء يشغلك سوى العمل. ويكون ذلك بأن يكون هناك زميل يتحدث معك في شأن ما، فتتركه يبرطم لعدة دقائق ثم تقول له: عفواً ما كنت مركّز وياك.. وش كنت تقول؟
ومن طرق جعل المدير يدرك أن العمل هو شغلك الشاغل (من الناحية المظهرية الخادعة) أن تكون في إجازة رسمية وتتصل بالمدير لتسأل عن مشروع أو تقرير أو برنامج ما وسيأتيك الرد من المدير الحنون: لا تشيل هم.. استمتع بإجازتك وانت ما قصرت جزاك الله خيرا.. وفي عصر الإنترنت بإمكان الموظف المستهبل أن يواظب على بث رسائل الكترونية إلى رؤسائه في العمل أثناء إجازاته، ويكون مضمونها فقط «سير وشؤون العمل»، وهكذا وعند انتهاء الإجازة، يستطيع أن يطلب تمديداً لأسبوع بالخصم من رصيد الإجازات أو الراتب فيأتيه الرد: «خليهم 10 أيام» وراتبك محفوظ.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك