عالم يتغير
فوزية رشيد
منذ النكبة والخصم هو الحكم!
{ لعل أهم سؤال تثيره حرب الكيان الصهيوني والغرب على «غزة»، هو ما يدور بين شعوب العالم اليوم: لماذا تم إعطاء فلسطين للصهاينة؟! ولماذا بعد ذلك رغم قرارات الأمم المتحدة لم تجد هذه القضية الحلّ العادل منذ 75 عاماً، رغم الاعتراف العربي بدولة الكيان، التي جاءت من خلال «الانتداب البريطاني» على فلسطين، الذي جاء بدوره «بوعد بلفور» تم تأسيس الكيان في المنطقة عام 1948؟!
الآن يبدو أن «الوعي العالمي» وكأنه يستيقظ على مأساة الشعب الفلسطيني! فبدأ يبحث عن جذور المشكلة، وعن تعقيداتها! وعن سلوكيات «المحتل الصهيوني» الذي تجلى بكامل وحشيته وهمجيته، في الحرب القائمة اليوم على إبادة غزة وأهلها، وترك الخيار لهم بين (التهجير أو الموت) في ظل استمرار المذابح والمجازر على مدار الساعة، حتى أصبحت مشاهد قتل الأطفال (أيقونة) في العالم كله!
{ للإجابة عن السؤال أعلاه، وفي ظل اختلال موازين القوى العالمية، التي جعلت (النظام العالمي) يقع في يد الغرب، ومع تراجع «الاستعمار البريطاني» عن العالم، انتقلت القيادة إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فإن العرب الذين دخلوا حرب 48 ولم يتمكنوا من صد (عملية اختطاف فلسطين) توالت الحروب بينهم وبين الكيان الصهيوني في 1956، ثم 1976، ثم 1973، لتبدأ اتفاقيات «كامب ديفيد»، وبعدها «وادي عربة»، ثم «أوسلو» لتنتهي بتطبيع بعض الدول العربية، ولتصبح (اتفاقيات أوسلو) ملغاة، لأن «الكيان الصهيوني» لا يريد الاعتراف بأي حق للفلسطينيين رغم أنها كقضية هي جذر كل المشاكل في المنطقة، ولتأخذ المماطلة مجرياتها المعقدة منذ التسعينيات حتى اليوم! وحتى تصل الأمور إلى محاولة (تهجير الفلسطينيين) من أرضهم تماماً! وتتحول دولة الكيان المغتصب إلى وطن خالص لليهود بعدها باسم (الدولة اليهودية!) وليستمر معها حلم «إسرائيل الكبرى» والعمل على تحقيقه على الجغرافيا العربية!
{ وطوال وقت المفاوضات عبر العقود الماضية، كانت (أمريكا) هي (الراعي الرسمي) للبحث عن السلام! فيما الكل يعرف أن زرع الكيان في المنطقة، هو لجعلها (حربة متقدمة على الأرض العربية للاستعمار الأمريكي والغربي نفسه)! وبذلك فإن الغرب بقيادة الولايات المتحدة كان هو الخصم طوال الوقت، والذي توهم العرب أن يكون عادلا في حكمه ليعم السلام المنطقة! ولكن حين يكون (الخصم هو الحكم) فإن ذلك هو بالتحديد ما يجعل الأرض ساحة مفتوحة (لكل أشكال المماطلات والمكر الاستعماري، والمطبات، وبيع الكلام المعسول والوعود) فيما أرض الواقع تزخر بالصراعات والأزمات والحروب والفتن، التي يرعاها ويفتعلها (الخصم الحكم) نفسه! لأن مصالحه ليس في إشاعة السلام حتى بعد قبول العرب بوجود الكيان بسبب الضعف العربي أو ربما بسبب إضعاف العرب لأنفسهم أمام التهديدات والمخاطر الوجودية! وتدرجهم في النزول من سلم التحديات، ليصبح هدف (الخصم الحكم) هو استمرار الصراعات وإدارة الأزمات وليس حلها! وهذا كان الواقع طوال العقود الماضية، مع استمرار الممارسات الإجرامية للكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني! لتعود اليوم القضية كما بدأت في 1948 (النكبة الأولى) ولكن بمحاولة الكيان ودعم الغرب له لتحقيق (النكبة الثانية)، وتصفية القضية الفلسطينية!
{ إن القضايا الجوهرية والأساسية في المنطقة العربية التي لم ولا يتم التعامل معها برؤية استراتيجية وعربية موحدة، وبإرادة سياسية واعية لخطورة ما يحدث وما حدث من تمزق للدول العربية، طوال العقود الماضية (سرعان ما ترتد على المنطقة، وهي تحمل في جوفها كل المخاطر وجذور المشكلة التي لم يتم حلها، وإنما تم تمييعها عبر سنوات طويلة)! وبعد ذلك حتى لو استفاق العرب أو بعضهم لعوامل القوة، فإن المنطقة العربية بسبب التعامل معها كقطعة واحدة من الأعداء، رغم تعدد دولها واختلاف التوجهات فيها، ووقوع بعضها في فخ الولاءات الخارجية بسبب إيران وأذرعها والإخوان وأجندتهم، فإن التحرك العربي حينها سيكون متأخراً جداً! وواقعا في (بؤرة تضارب المصالح والرؤى)! فيما «الخصم الحكم»، مستمر في مخططاته ورعايته للكيان الذي زرعه في المنطقة إلى حد التماهي!
{ اليوم يعود الغرب الى استكمال مخططاته في المنطقة، وحيث الأمر ليس مقتصراً على «غزة أو حماس»، ليجعل من نقطة (7 أكتوبر) بداية لاستهداف جديد للشرق الأوسط أو المنطقة العربية! وهو يصارع لبقاء نظامه (أحادي القطب) عالمياً، وإشعال المزيد من شرارات التنافس بينه وبين «الصين» ثم «روسيا» وكل من ينادي بتعدد الأقطاب! ولكأن الغرب يريد! إيقاف الزمن والتغيرات العالمية عند محطته فقط في إدارة النظام العالمي!
{ هكذا تتداخل كل آفاق الصراعات المحتدمة، وما الحرب القائمة في «غزة» وإبادة شعبها إلا مقدمة لما هو أكثر خطورة، في حال اندلاع حرب شاملة في المنطقة تختلط فيها الأوراق سواء من جانب الولايات المتحدة والغرب والكيان الصهيوني، أو من جانب الأعداء (الأدوات) مثل إيران وأذرعها! فالجميع طامع في الجغرافيا العربية، ولا أحد يصدق أن كل الترسانة العسكرية وبوارج أمريكا هي من أجل «غزة» أو من أجل صد «حزب اللات» أو أذرع إيران الأخرى!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك