زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الاستعباط في مواقع العمل (1)
تعلل الموظفين بمختلف الأعذار المفبركة لتبرير عدم الانضباط في العمل أو التقيد بالمواعيد المحددة للعمل، موجود في جميع المجتمعات، وكتبت هنا قبل نحو شهر وربما أكثر عن تطبيق طورته شركة رومانية يساعد الموظفين على استعباط رؤسائهم عندما يتصلون بهم هاتفيا للسؤال عن عدم حضورهم الى مواقع العمل، فيصدر هاتف الموظف المستهبل مثلا صافرات سيارة إسعاف أو شرطة بما يعطي الانطباع بأن الموظف في حال حرج (يصلح التطبيق أيضا لتضليل الزوجات).
ولا سبيل لإنكار أن بيئات العمل في كل مكان ترغم كثيرين على الاستهبال، بحيث يبدون كموظفين وعمال مخلصين ونشطين ومنضبطين، ولكن وكما يعرف الكثيرون فإن الموظف سيء الحظ، يعرف بالتجربة ان المدير يأتي مبكرا في اليوم الذي يأتي هو فيه متأخرا، فيقرر البكور في اليوم التالي ليراه المدير في مكتبه جالسا قبل بدء الدوام، ولكن المدير يأتي في ذلك اليوم متأخرا. هو مدير، حر يجي بكيفه ويروح بكيفه، وعلى كل حال فكلما كان رئيس العمل فظاً، تفنن الموظفون في التهرب من أعبائهم نكاية به، أي لـ«تفشيله».
وأعترف بأنني ألجأ عند إصابتي بالملل إلى مواقع يوتيوب وتيك توك الحافلين بالصور واللقطات الطريفة، وألوذ كثيراً بموقع أكبر موسوعة عرفتها البشرية وهي ويكيبيديا التي لديها معلومات حول كل ما يخطر على بالك. حتى شعبان عبدالرحيم تجد عنه معلومات في تلك الموسوعة، ولا أفعل ذلك تهرباً من العمل ونكاية برؤسائي، بل لأنني أعتبر الإنترنت أهم عنصر في حياتي واستقي منه المعلومات التي كانت من قبل تتطلب مني شراء الكتب أو زيارة المكتبات أو الاتصال بمعارفي.
وبصدق، فلست ممن يستخدمون غرف الدردشة (الشات) ولا استخدم البريد الإلكتروني إلا للرد على رسائل الأصدقاء والقراء ويكون ذلك في وقتي الخاص، ولكن الكمبيوتر أداة مهمة في الاستهبال في موقع العمل، وحتى لو ضبطك رئيسك المباشر وأنت تستخدم غرفة دردشة، تستطيع أن تقول له إنك «تجمع معلومات عن كومبرادور جديد يجعل سعة الرام 80 ألف سيغابايت بحيث لا يستغرق استخدام نظام أدوبي فوتوشوب أكثر من عشرين بيكسل في السي دي روم من دون الحاجة إلى سوفتوير جديد لنظام السايبر مما سيوفر على الشركة آلافاً مؤلفة»، طبعاً العبارات السالفة «كلام فارغ» وغير مترابط، ولكن المهم أن فيه مصطلحات تبدو تكنولوجية، وعلى مسؤوليتي فإن رئيسك المباشر سيصدق أنك شخص بارع في استخدامات الكمبيوتر.
يعني «الكلام الكبير» دائماً مردوده إيجابي، حتى لو كان في مجال غير الكمبيوتر، وقد تشارك في اجتماع ممل وتعرف سلفاً أنه لن يخرج باي قرار ذي جدوى، ولكنك تقول كلاماً من شاكلة: لو عززنا الكفاية الإنتاجية، واتبعنا طريقة تسويق برو آكتيف، بالتأكيد سنكون ماركت ليدرز بشرط أن نكون أقريسيف دون خوف من الكومبيتيشن. هذا أيضاً كلام فارغ يردده الاستشاريون الذين ندفع لهم مئات الملايين سنوياً ولا نخرج منهم سوى بمفردات لا تقدم بل تؤخر، ويرددها من استقدموا الاستشاريين ليتقاسموا معهم غنيمة الاستشارة، ولكن ذلك الكلام الفارغ قد يجعل منك موظفاً محترماً، فالفهلوة والاستهبال الوظيفي يتطلبان – في العالم العربي – معرفة مفردات إنجليزية عيار 24 قيراط لأن لها مفعول السحر، وليس من الضروري أن تعرف استخدام تلك المفردات على الوجه الصحيح، بل المهم أن ترددها بين الحين والآخر، ويستحسن أن تضيف إليها مفردات جديدة ولو من خارج القاموس.
في ذات عام أوفدت وزارة الإعلام السودانية موظفاً لينهض بالحركة المسرحية والثقافية في أحد الأقاليم، وقوبل صاحبنا بالاستخفاف والتجاهل من كبار المسؤولين في ذلك الإقليم، ووجد نفسه «مزنوقاً» فالمهمة لا بد أن تنجز وإلا فإن الوزارة ستبهدله، وصار صاحبنا كلما أشرف على نشاط ثقافي يصيح بعصبية «داتش مارين فورس» وفوجئ بأن للعبارة مفعولاً عجيباً، حيث صار الجميع يتهيب سماعها باعتباره أنها «خطيرة» وسارت أموره على الوجه الذي كان ينشده، ولم يكن من حوله من يعرف أن تلك العبارة تعني «مشاة البحرية الهولندية»، علماً بأنه ليس لهولندا مشاة بحرية!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك