زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الغباء وحلم الثراء
عندما كنت أعمل في شركة الاتصالات القطرية شهدت أحداثا عجيبة أبطالها أشخاص أجروا مكالمات من هواتف أرضية بآلاف مؤلفة ثم أتوا الى الشركة يرجون «الرأفة»، ولم أتعاطف إلا مع رجل كانت فاتورته بـ16 الف ريال قال ان ابنه راكمها خلال يومين، وجاء يطلب قطع الخط الهاتفي وتقسيط السداد.
ومن أعجب حكاية السفه الهاتفي مناشدة من سيدة تواجه مأزقاً مالياً، نجم عن إجرائها مكالمات هاتفية بأكثر من نحو تسعة آلاف دولار في شهر واحد، تدعو فيها ذوي القلوب الرحيمة إخراجها من تلك الورطة، التي قد تعرضها للجرجرة أمام المحاكم، وجاء في مناشدتها تلك أنها كانت تحاول المشاركة في برنامج تلفزيوني طرحته شبكة تستقبل المكالمات الهاتفية، لمن يرغب في أن يشارك في سحب على نحو 250 ألف دولار!! ومعلوم أن رسوم تلك المكالمات تكون باهظة بالاتفاق بين القناة المعنية وشركات الاتصالات.
وكنت اعتزم في حال استجاب القراء للمناشدة أن أطوف في الأسواق في أول الصيف المقبل، ماداً يدي: لله يا محسنين.. العيال يريدون قضاء الإجازة في الريفيرا الإيطالية وتنقصني من ميزانية الرحلة فقط أربعون ألف دولار!! وقد يتشجع غيري فيطلب صدقة لإرسال ابنه للحصول على الماجستير من الأرجنتين في وسائل تدريس العلوم الشرعية في المرحلة الابتدائية، أو إرسال زوجته إلى الكوافير في باريس للاستعداد لزواج أختها.
أنا لا أتهكم على تلك المرأة، لأنني مثلها أحلم بالثراء، فعلى الرغم من أنني أعرف إنه لا سبيل قط أمامي لتكوين ثروة بالحلال أو الحرام، فإنني لا أحرم نفسي من حق الحلم، نعم، لا يمكن أن أصبح غنياً بالحلال لأنني موظف أتقاضى أجراً معلوماً، وإذا مات جميع أقاربي في لحظة واحدة وأوصوا بأموالهم لي فإن ذلك لن يجعلني غنياً.. ولن أصبح غنياً بالحرام لأنني لست حرامياً ولن أكون.. طيب، قد يقول قائل: وماذا عن اختلاس المال العام الذي يعتبر في شرعة العرب، أمراً مباحاً يتدثر أحياناً بالعمولات، وأحياناً أخرى بالهدايا؟ هذا أيضاً غير وارد لأنني لم أعمل قط في وظيفة تتطلب التعامل مع الإنفاق أو المناقصات: مدرس ثم مخرج تلفزيوني ثم مترجم ثم صحفي.
هذه وظائف كل واحدة منها أتعس من الأخرى! وكثيرون يحسدون من يعملون في مجال الإعلام ويحسبون الإعلاميين نجوماً!! فهل يمكن أن يكون أبو الجعافر نجماً؟ هل هناك نجم أسود؟ وإذا كان هناك نجم أسود ألا يعد ذلك فألاً سيئاً؟ وهب أن العمل الصحفي يصنع من الصحفي نجما، فماذا أفعل وجريدة «أخبار الخليج» تستعر من شكلي وتضع قرين مقالاتي صورة معدلة جينيا/ وراثيا، ولم يحدث أن زرت البحرين وأرضى أحدهم غروري بالتعرف عليّ وإلقاء التحية علي، ولكن وبالمقابل حدث كثيرا أن موظف جوازات في مطار المنامة قرأ اسمي على جواز السفر، ثم تساءل: أنت أبو الجعافر صاحب الزاوية الغائمة، فأقول «نعم»، وأنا مسرور، فتأتي الصفعة: إما جوازك هذا مزور أو الجريدة تنشر صورة شخص آخر شاب مع مقالاتك.
وكتبت على مدى أكثر من خمس سنوات مقالات في صحيفة الوطن السعودية، وكانت لا تنشر صور من يكتبون فيها تفادياً –كما استنتجت -لنشر صورتي، من باب أنه خير للقراء أن يقرأوا لأبي الجعافر من أن يروه، طيب ماذا أفعل؟ هل أدور في الأسواق وأقول لكل من يلاقيني: أنا جعفر بن عباس بن شداد العبسي صاحب الزاوية الغائمة والمنفرجة والحادة والمعكوسة؟ يعني حتى لو افترضنا أن بضعة آلاف من القراء يعرفون اسمي فليس وارداً أن أستثمر تلك المعرفة للحصول على سندويتش طالما أنه ما من أحد سيتعرف على «خلقتي»!!
والشاهد في كل ما سلف هو أن عدوى الإنفاق التفاخري انتقلت من حكوماتنا إلينا فبتنا لا نميز الخبيث من الطيب، في سبيل تحقيق غايات سخيفة، وقد اعترفت بأنني أحلم بالثراء ولكنني أعترف أيضاً بأنني ما كنت أحلم قبل سنوات قليلة بأن أكون قادراً على أكل الدجاج ثلاثة أيام متتاليةـ أو أن تكون عندي سيارة تسير دون حاجة إلى مساعدة خارجية بشرية، أو أن أتعرَّف على عشر نكهات للآيسكريم! أو أن يكون عندي تلفزيون ملون أبصق عليه ليل نهار!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك