العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أُميَّة معيبة يعاني منها كثيرون

تجارب‭ ‬الحياة‭ ‬علمتني‭ ‬أن‭ ‬البكالوريوس‭ ‬الذي‭ ‬يا‭ ‬ما‭ ‬تباهيت‭ ‬به‭ ‬فاشوش،‭ ‬ومن‭ ‬فصيلة‭ ‬‮«‬جمل‭ ‬الطين‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬جميلا‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يضاهي‭ ‬جمال‭ ‬الجَمل‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وهكذا‭ ‬صرت‭ ‬أكنُّ‭ ‬احتراما‭ ‬شديدا‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يستخدم‭ ‬يديه‭ ‬لكسب‭ ‬القوت،‭ ‬وأعني‭ ‬باليدين‭ ‬العضلات،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬يؤدون‭ ‬وظائف‭ ‬تتطلب‭ ‬الاستخدام‭ ‬المتكرر‭ ‬لأدوات‭ ‬مثل‭ ‬المطرقة‭ ‬والمفك،‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مثل‭ ‬السباكة‭ ‬والنجارة‭ ‬والكهرباء‭ ‬والميكانيكا‭.‬

وكتبت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬معرباً‭ ‬عن‭ ‬حزني‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أتمتع‭ ‬بمهارات‭ ‬يدوية،‭ ‬ولا‭ ‬قدمية‭ (‬من‭ ‬القدم‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬نهاية‭ ‬الساق‭/ ‬الرِّجل‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬إصلاح‭ ‬أي‭ ‬عطل‭ ‬يلحق‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ضرب‭ ‬مسمار‭ ‬طوله‭ ‬سنتيمتران‭ ‬على‭ ‬لوح‭ ‬خشبي‭ ‬بمطرقة،‭ ‬يكلفني‭ ‬بضعة‭ ‬مسامير‭ ‬وإصابات‭ ‬في‭ ‬أصابعي؛‭ ‬وقد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭: ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬معظم‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬وصيانة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬على‭ ‬أيام‭ ‬صباك‭ ‬وطفولتك‭! ‬هذا‭ ‬صحيح‭ ‬فعندما‭ ‬كنا‭ ‬صغارا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬أنابيب‭ ‬ماء‭ ‬وحنفيات‭ ‬وصنابير،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬بالوعات،‭ ‬وكنا‭ ‬نستحم‭ ‬في‭ ‬‮«‬الطشت‭/ ‬الطست‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬نسكب‭ ‬الماء‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الاستحمام‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬ركن‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬الشارع،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬أدوات‭ ‬كهربائية،‭ ‬دعك‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬والله‭ ‬لم‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬البطانية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬المدرسة‭ ‬المتوسطة،‭ ‬وقبلها‭ ‬كانت‭ ‬أغطية‭ ‬البرد‭ ‬في‭ ‬بيتنا‭ ‬وكل‭ ‬البيوت‭ ‬حولنا‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬جلود‭ ‬الماعز‭ ‬بعد‭ ‬دبغها‭ (‬وتسمى‭ ‬الفروة‭) ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المألوف‭ ‬أن‭ ‬يستيقظ‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬وفمه‭ ‬مليء‭ ‬بشعر‭ ‬الغنم‭ ‬المتساقط‭ ‬من‭ ‬الفروة،‭ ‬وفي‭ ‬المدرسة‭ ‬المتوسطة‭ ‬وفرت‭ ‬لنا‭ ‬الحكومة‭ ‬السكن‭ ‬الداخلي‭ ‬وأعطتنا‭ ‬بطانيات‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬طفرة‭ ‬حضارية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬حياتي‭.‬

أعرف‭ ‬أن‭ ‬ملايين‭ ‬العرب‭ ‬مثلي‭ ‬يحملون‭ ‬شهادات‭ ‬ذات‭ ‬أسماء‭ ‬طنانة‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يحسنون‭ ‬استبدال‭ ‬أسطوانة‭ ‬الغاز‭ ‬الفارغة‭ ‬بأخرى‭ ‬ممتلئة،‭ ‬لأن‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬لم‭ ‬يمنحنا‭ ‬أي‭ ‬مهارات‭ ‬يدوية،‭ ‬وبكل‭ ‬خجل‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬صحوت‭ ‬ذات‭ ‬صباح‭ ‬ووجدت‭ ‬أحد‭ ‬إطارات‭ ‬سيارتي‭ ‬مسطحاً‭ ‬أي‭ ‬فارغاً‭ ‬من‭ ‬الهواء،‭ ‬أي‭ ‬مبنشرا‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬بالعربيزية‭ ‬لأن‭ ‬أصل‭ ‬الكلمة‭ ‬الإنجليزي‭ (‬بنكْشر‭ ‬وليس‭ ‬بنشر‭)‬،‭ ‬وأخرجت‭ ‬المعدات‭ ‬اللازمة‭ ‬لفك‭ ‬الإطار‭ ‬المعطوب‭ ‬ورفع‭ ‬السيارة‭ ‬بالجيك‭ (‬والصحيح‭ ‬في‭ ‬أصلها‭ ‬الإنجليزي‭ ‬‮«‬جاك‮»‬‭)‬،‭ ‬واكتشفت‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬ربط‭ ‬مكونات‭ ‬الرافعة‭/ ‬الجاك‭ ‬بطريقة‭ ‬معينة‭ ‬قبل‭ ‬استخدامها،‭ ‬وأمضيت‭ ‬قرابة‭ ‬الساعة‭ ‬وأنا‭ ‬أجرب‭ ‬مختلف‭ ‬الطرق‭ ‬لتجميع‭ ‬أجزاء‭ ‬الرافعة،‭ ‬وفشلت‭ ‬كل‭ ‬‮«‬التجارب‮»‬‭ ‬فلجأت‭ ‬إلى‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬واتصلت‭ ‬بأحد‭ ‬أصدقائي‭ ‬على‭ ‬هاتفه‭ ‬الجوال‭ ‬وقلت‭ ‬له‭ ‬بكل‭ ‬بجاحة‭: ‬عايزك‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬ضروري‭ ‬وعاجل‭. ‬انزعج‭ ‬الصديق‭ ‬وانطلق‭ ‬بسيارته‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬بيتي‭ ‬خلال‭ ‬دقائق‭ ‬معدودة،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬رآني‭ ‬حتى‭ ‬صاح‭: ‬خير‭.. ‬شنو‭ ‬الحكاية؟‭ ‬وتعجب‭ ‬عندما‭ ‬وجدني‭ ‬ابتسم‭.. ‬قلت‭ ‬له‭ ‬بصوت‭ ‬يحنن‭ ‬قلب‭ ‬نتنياهو،‭ ‬إنني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬أستبدل‭ ‬إطار‭ ‬السيارة‭ ‬الفارغ‭ ‬بواحد‭ ‬ممتلئ‭ ‬بالهواء،‭ ‬وحسب‭ ‬صاحبي‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬أهزر‮»‬‭ ‬وأتغشمر‭ ‬ولكنه‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬السيارة‭ ‬وأدرك‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬جاد‮»‬‭ ‬فاستشاط‭ ‬غضباً‭: ‬أسيب‭ ‬شغلي‭ ‬عشان‭ ‬واحد‭ ‬زيّك‭ ‬فاشل‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬يفك‭ ‬ويركب‭ ‬إطار‭ ‬السيارة؟‭ ‬والله‭.. ‬ولكنني‭ ‬لم‭ ‬أتركه‭ ‬يكمل،‭ ‬لأنني‭ ‬أعرف‭ ‬وبحكم‭ ‬أنني‭ ‬سوداني‭ ‬ماذا‭ ‬ستكون‭ ‬الحلفان‭/‬القسم،‭ ‬وتوسلت‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬يفك‭ ‬ويركب‭ ‬الإطار‭ ‬لأنني‭ ‬فعلاً‭ ‬‮«‬فاشل‮»‬‭.‬

هدأ‭ ‬صديقي‭ ‬قليلا‭ ‬وقدم‭ ‬لي‭ ‬عرضا‭ ‬لم‭ ‬استطع‭ ‬أن‭ ‬أرفضه،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬يشرح‭ ‬لي‭ ‬طريقة‭ ‬تجميع‭ ‬الرافعة‭ ‬والفك‭ ‬والربط‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أتولى‭ ‬باقي‭ ‬المهمة‭ ‬بنفسي،‭ ‬وتركني‭ ‬وذهب،‭ ‬وقمت‭ ‬بفك‭ ‬الإطار‭ ‬الفارغ‭ ‬وربط‭ ‬الإطار‭ ‬الاحتياطي‭ ‬مكانه،‭ ‬ثم‭ ‬توجهت‭ ‬إلى‭ ‬محل‭ ‬‮«‬بنشر‮»‬‭ ‬لتعبئة‭ ‬الإطار‭ ‬الفارغ‭ ‬بالهواء،‭ ‬ولحسن‭ ‬حظي‭ ‬انتبه‭ ‬العامل‭ ‬في‭ ‬المحل‭ ‬إلى‭ ‬الإطار‭ ‬الذي‭ ‬توليت‭ ‬تركيبه‭ ‬بنفسي‭ ‬وقال‭: ‬منو‭ ‬حمار‭ ‬هادا‭ ‬يسوي‭ ‬تاير‭ (‬إطار‭) ‬هادا‭ ‬شكل‭.. ‬سيارة‭ ‬يروح‭ ‬تلاتة‭ ‬أربعة‭ ‬كيلو‭ ‬تاير‭ ‬يروح‭ ‬صوب‭ ‬وسيارة‭ ‬يروح‭ ‬صوب‭ ‬وأنت‭ ‬يصير‭ ‬في‭ ‬موت‭!! ‬كان‭ ‬الإطار‭ ‬مثبتاً‭ ‬بالمقلوب،‭ ‬الجزء‭ ‬الخارجي‭ ‬منه‭ ‬‮«‬إلى‭ ‬الداخل‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬فرط‭ ‬خجلي‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬إنها‭ ‬سيارة‭ ‬زوجتي،‭ ‬وأنها‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬حتى‭ ‬قيادة‭ ‬سيارة‭ ‬لعبة‭ ‬بالريموت‭ ‬كونترول‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا