زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
اعترف بالخطأ ولكنني ضحية (2)
اعترفت بالأمس بأنني صرت أكثر قابلية للنرفزة والغضب والهيجان، وعزوت ذلك لأن هناك موجة غضب وبائية تجتاح مجتمعاتنا، ولا يكاد يمر يوم دون أن ينفجر شخص في وجهك، أو تجد نفسك طرفا في فاصل ردح وشتائم مع شخص لا تعرفه. قد يكون ذلك الشخص بائعاً في محل بيرغر أعطاك سندويتش دجاج بدلا من اللحم، وهذا خطأ بسيط وكلنا نخطئ، وحدث في أرقى البلدان استئصال كِلية شخص بدلاً من قدمه المصابة بالغرغرينا
كتبت من قبل عن تجربة سخيفة مررت بها وكنت أعاني ورماً صديدا في أسفل البطن (دُمَّل) وعرضت نفسي على جراح أعرفه في مجمع طبي به أطباء من كل التخصصات تقريباً، وتمت إزالة الورم وصرت مطالباً بالعودة إلى العيادة مجدداً لتنظيف الجرح، وعندما جلست أمام الجراح فتح ملفي وانفجر ضاحكا، وانتقلت عدوى الضحك إليّ وضحكت، ولكن الجراح ظل يشير إليّ بإصبعه وقد انقلب ضحكه إلى هستيريا، وخلال ثوان معدودة كان ضحكي انقلب إلى غضب مزمجر ومدمر: كيف يضحك طبيب على مريضه؟ وما المضحك في أن يصاب شخص ما بورم أو خراج أو دمل في أي جزء من جسمه؟ ولماذا لم يضحك الرجل في المرة الفائتة عندما قام بفتح الورم وتنظيفه؟
نهضت منفعلا وغادرت غرفة الطبيب ولكنه طاردني في الممر وهو لا يزال يضحك ويحاول عبثا قول شيء ما: هئ، هئ معليش.. يأيأيأ.. هاهاهاها.. مع مع مع مع معليش يا جع جعفر. لحسن حظه لم يكن هناك مقص أو مشرط أو طوب أو عصا في ممر العيادة، فقد كنت في حالة من الغيظ والاستفزاز كانت كفيلة بجعلي أعتدي عليه، خاصة أن أسرة التمريض سعدت بضحكة الجراح الهستيرية وشاركته فيه.
وقفت إلى جانب سيارتي في الشارع وأنا أفكر في الكيفية التي ينبغي أن أعاقب بها طبيبا ضحك عليّ – بغض النظر عن نوع المرض الذي أعاني منه، لأنه ليس هناك مرض يجعل المصاب به «مَضْحكة»، وفوجئت بالجراح يخرج من العيادة ويتجه نحوي في موقف السيارات وهو يحاول أن يكتم ضحكاته: سوري.. متأسف.. لو عرفت السبب لعذرتني! قلت له أعذرك على ماذا؟ ما الاكتشاف الخطير الذي وجدته في ملفي حتى تجعل مني أضحوكة؟ هل وجدت كاريكاتيرا في موقع الجرح أم وجدت ديدانا تحولت إلى قرود وأتت بحركات مضحكة؟ سحبني الجراح من يدي وقال: تعال اقرأ ما كتبته الممرضة في ملفك وستجد لي العذر، أستحلفك بالله العظيم أن ترجع إلى العيادة وأنا أضمن لك أنك ستخرج منها وأنت ضاحك، وفوق هذا سأرد لك رسوم الكشف والجراحة.. بس تعال، «لا تكون زول راسه ناشف»، ثم واصل الضحك.
قررت العودة معه إلى العيادة (ولو اكتشفت أنه فعلاً ضحك من أمر يتعلق بي وبمرضي فسأضربه بأي شيء ثقيل الوزن أو حاد في مكتبه واللي بدو يصير يصير).، ودخلت المكتب ومد لي الطبيب ملفي وأشار عليّ أن أقرأ ما كتبته الممرضة عن حالتي، وكان باللغة الإنجليزية وقرأت كلامها ولكنني لم أفهم بعض المصطلحات الطبية، فضحك الرجل مجدداً حتى شرق بالدمع وقال: كتبت إن عندك حالة حمل خارج الرحم.. صحت: التار ولا العار.. الشرف يا ولداه.. وظللت أضحك دون أن أحس بأن الغرفة امتلأت بالناس.. وكانت هناك الممرضة التي طعنت في شرفي وكانت ترتجف من الخوف.. ولم أطلب منها تفسيراً بل قلت لها: يحصل في أرقى العائلات، فكل ما حصل هو أنك وضعت أوراق امرأة جنينها خارج الرحم في الملف الخاص بي. ويا بنت الناس في الولايات المتحدة هناك رجل خائب حمل بالأنابيب مرتين وأنجب، وكان ذلك على يد طبيب بيطري، فما تشيلي هم طالما أنا لا أحمل في بطني إلا بيبيات (جمع بيبي) مايكروبات وطفيلات.
فارس بني عبس ضحك عندما شككوا في رجولته، وأنت تقلب الدنيا لأن الرجل أعطاك سندويتش شاورما دجاج بينما كنت تريده بلحم الضأن؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك