العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لك القرار بنسبة 90% (2)

قلنا‭ ‬بالأمس‭ ‬إن‭ ‬حياة‭ ‬الانسان‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬أفعال‭ ‬وردود‭ ‬أفعال،‭ ‬وأن‭ ‬العاقل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬ينفعل‭ ‬ويتفاعل‭ ‬بحساب‭ ‬معلوم‭ ‬وبتأنٍ،‭ ‬وكانت‭ ‬زبدة‭ ‬الكلام‭ ‬أن‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬له‭ ‬يشكل‭ ‬نحو‭ ‬90‭%‬‭ ‬من‭ ‬مجريات‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬وأن‭ ‬تلك‭ ‬النسبة‭ ‬تشكل‭ ‬بالتالي‭ ‬الفترة‭ ‬الأطول‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬أمامه‭ ‬البتة‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬10‭% ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬له‭ (‬مثل‭ ‬انقطاع‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬مما‭ ‬يحرمه‭ ‬مثلا‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬تقرير‭ ‬مهم‭ ‬على‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬أو‭ ‬اصطدام‭ ‬سيارة‭ ‬يقودها‭ ‬مستهتر‭ ‬بسيارتك‭)‬،‭ ‬وضربت‭ ‬مثلا‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الصحيح‭/‬الخطأ،‭ ‬بشخص‭ (‬أنت‭) ‬سكبت‭ ‬ابنته‭ ‬الملوخية‭ ‬على‭ ‬ملابسه‭ ‬غير‭ ‬عامدة،‭ ‬فشتمها‭ ‬ثم‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬ملاسنة‭ ‬مع‭ ‬زوجته،‭ ‬واضطر‭ ‬الى‭ ‬تغيير‭ ‬ملابسه‭ ‬ومغادرة‭ ‬البيت‭ ‬منفعلا‭.‬

ولأنك‭ ‬تأخرت‭ ‬عن‭ ‬مواعيد‭ ‬العمل‭ ‬ربع‭ ‬ساعة،‭ ‬فقد‭ ‬قدت‭ ‬سيارتك‭ ‬بسرعة‭ ‬عالية‭. ‬والنتيجة‭: ‬مخالفة‭ ‬مرورية‭ ‬وغرامة‭ ‬مالية‭. ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬المكتب،‭ ‬وتكتشف‭ ‬أنك‭ ‬نسيت‭ ‬حقيبة‭ ‬أوراقك‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬فتزداد‭ ‬نرفزة‭ ‬لأنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تعرض‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬منك‭ ‬على‭ ‬رؤسائك،‭ ‬وتقضي‭ ‬عدة‭ ‬ساعات‭ ‬مبتئسا،‭ ‬لأنك‭ ‬قلت‭ ‬كلاما‭ ‬مرتجلا‭ ‬وغير‭ ‬مترابط‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬اجتهدت‭ ‬في‭ ‬استكمال‭ ‬عناصره،‭ ‬وتعود‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬ووجهك‭ ‬يلعن‭ ‬قفاك،‭ ‬لتجد‭ ‬ابنتك‭ ‬وزوجتك‭ ‬يستقبلانك‭ ‬بتكشيرة‭.‬

باختصار‭ ‬كان‭ ‬يوما‭ ‬‮«‬مهببا‭ ‬وسيئا‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬لماذا؟‭ ‬هل‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬الملوخية؟‭ ‬أم‭ ‬بنتك؟‭ ‬أم‭ ‬شرطي‭ ‬المرور؟‭ ‬لا‭ ‬هذي‭ ‬ولا‭ ‬تلك،‭ ‬فالسبب‭ ‬‮«‬أنت‮»‬،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬بوسعك‭ ‬منع‭ ‬انسكاب‭ ‬الملوخية‭ ‬على‭ ‬ملابسك،‭ ‬ولكن‭ ‬رد‭ ‬فعلك‭ ‬على‭ ‬‮«‬الحادث‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬هيجانك‭ ‬وانفعالك‭ ‬وغضبك‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جر‭ ‬عليك‭ ‬بقية‭ ‬المنغصات‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬يومك‭ ‬بائسا‭ (‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬مجددا‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬جواز‭ ‬تعليق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬شماعة‭ ‬‮«‬كون‭ ‬الإنسان‭ ‬مسيَّرا‮»‬‭).‬

تخيل‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬رد‭ ‬فعلك‭ ‬مغايرا‭: ‬ارتطم‭ ‬طبق‭ ‬الملوخية‭ ‬بيد‭ ‬ابنتك،‭ ‬فانسكبت‭ ‬على‭ ‬ملابسك،‭ ‬فتناولت‭ ‬فوطة‭ ‬ومسحت‭ ‬بها‭ ‬الملوخية‭ ‬وقلت‭ ‬للبنت‭: ‬‮«‬ولا‭ ‬يهمك،‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬أرقى‭ ‬العائلات‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬نهضت‭ ‬وبدلت‭ ‬ملابسك‭ ‬وحملت‭ ‬حقيبة‭ ‬يدك،‭ ‬وتوجهت‭ ‬الى‭ ‬العمل‭ ‬ووصلت‭ ‬متأخرا‭ ‬خمس‭ ‬دقائق،‭ ‬وألقيت‭ ‬التحية‭ ‬على‭ ‬زملائك‭ ‬هاشا‭ ‬باشا،‭ ‬وقدمت‭ ‬لرؤسائك‭ ‬تقريرا‭ ‬وافيا‭ ‬حول‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬كلفوك‭ ‬بتقصي‭ ‬عناصره،‭ ‬مؤيدا‭ ‬بمستندات‭ ‬مكتوبة،‭ ‬قدمت‭ ‬لكل‭ ‬منهم‭ ‬نسخة‭ ‬منه،‭ ‬وقضيت‭ ‬بقية‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭ ‬وأنت‭ ‬تسمع‭ ‬عبارات‭ ‬الاستحسان،‭ ‬ثم‭ ‬عدت‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬لتجد‭ ‬الجميع‭ ‬سعداء‭ ‬بعودتك‭ ‬منشرح‭ ‬الأسارير‭.‬

هذان‭ ‬سيناريوان‭ ‬مختلفان‭ ‬بنفس‭ ‬البداية‭ ‬ولكن‭ ‬بنهاية‭ ‬مختلفة‭. ‬وهناك‭ ‬أمثلة‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬تطبيق‭ ‬مبدأ‭ ‬10‭/‬90‭% ‬على‭ ‬نحو‭ ‬سليم‭ ‬فعَوِّد‭ ‬نفسك‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الانفعال‭ ‬بملاحظة‭ ‬سلبية‭ ‬نحوك‭ ‬صدرت‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬آخر،‭ ‬ولا‭ ‬تكن‭ ‬اسفنجة‭ ‬تختزن‭ ‬الأشياء‭ ‬حتى‭ ‬تختمر‭ ‬ويصيبها‭ ‬العفن،‭ ‬بل‭ ‬سطحا‭ ‬زجاجيا‭ ‬ناعما‭ ‬تنزلق‭ ‬فوقه‭ ‬الأشياء،‭ ‬فيبقى‭ ‬محافظا‭ ‬على‭ ‬نعومته‭ ‬ورونقه‭.‬

ولا‭ ‬تجعل‭ ‬الملاحظة‭ ‬السلبية‭ ‬تؤثر‭ ‬عليك،‭ ‬ولن‭ ‬تترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬عواقب‭ ‬تعكنن‭ ‬مزاجك،‭ ‬ولكن‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الخاطئ‭ ‬قد‭ ‬يجعلك‭ ‬تخسر‭ ‬صديقا‭ ‬او‭ ‬حتى‭ ‬وظيفتك،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬سيقوم‭ ‬آخرون‭ ‬بقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬سيارتك‭ ‬بسياراتهم،‭ ‬فماذا‭ ‬تكسب‭ ‬من‭ ‬التحرش‭ ‬بهم‭ ‬وشتمهم‭ ‬ومضايقتهم؟‭ ‬ارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم؟‭ ‬تحول‭ ‬الملاسنة‭ ‬الى‭ ‬مشاجرة‭ ‬بالأيدي؟‭ ‬هل‭ ‬ستقوم‭ ‬القيامة‭ ‬لأن‭ ‬شخصا‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬وصولك‭ ‬الى‭ ‬وجهتك‭ ‬متأخرا‭ ‬عشر‭ ‬ثوانٍ؟‭ ‬وهب‭ ‬أن‭ ‬الطائرة‭ ‬تأخرت‭ ‬عن‭ ‬موعد‭ ‬الوصول‭ ‬والإقلاع،‭ ‬ولخبطت‭ ‬وخربطت‭ ‬برنامجك،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬ذنب‭ ‬المضيف‭ ‬او‭ ‬المضيفة‭ ‬حتى‭ ‬تفش‭ ‬غلك‭ ‬فيه‭/ ‬فيها؟‭ ‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬النرفزة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقف؟‭ ‬ليس‭ ‬بإمكانك‭ ‬فعل‭ ‬شيء‭ ‬لجعل‭ ‬طائرة‭ ‬تأخرت‭ ‬في‭ ‬الإقلاع‭ ‬او‭ ‬الوصول،‭ ‬تقلع‭ ‬او‭ ‬تصل‭ ‬في‭ ‬موعدها‭. ‬الولد‭ ‬لم‭ ‬يحرز‭ ‬نتيجة‭ ‬مدرسية‭ ‬طيبة‭: ‬هل‭ ‬هيجانك‭ ‬وغضبك‭ ‬وضربك‭ ‬إياه‭ ‬سيغير‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬شيئا؟‭ ‬لماذا‭ ‬تنغص‭ ‬حياته‭ ‬وتدخله‭ ‬وتدخل‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬الغضب‭ ‬والإحباط،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬تقول‭ ‬لنفسك‭: ‬المستقبل‭ ‬يبدأ‭ ‬الآن‭ ‬و‮«‬يا‭ ‬ولدي‭ ‬ما‭ ‬فات‭ ‬شيء‭ ‬وعليك‭ ‬تحسين‭ ‬أدائك‭ ‬الأكاديمي‭ ‬اعتبارا‭ ‬من‭ ‬الفترة‭ ‬الدراسية‭ ‬المقبلة؟‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا