زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لك القرار بنسبة 90% (2)
قلنا بالأمس إن حياة الانسان تتألف من أفعال وردود أفعال، وأن العاقل هو من ينفعل ويتفاعل بحساب معلوم وبتأنٍ، وكانت زبدة الكلام أن ردود فعل الإنسان على ما يحدث له يشكل نحو 90% من مجريات الأمور في حياته، وأن تلك النسبة تشكل بالتالي الفترة الأطول في الحياة بصفة عامة، بينما لا سبيل أمامه البتة للتحكم في 10% مما يحدث له (مثل انقطاع التيار الكهربائي مما يحرمه مثلا من كتابة تقرير مهم على الكمبيوتر، أو اصطدام سيارة يقودها مستهتر بسيارتك)، وضربت مثلا على أهمية رد الفعل الصحيح/الخطأ، بشخص (أنت) سكبت ابنته الملوخية على ملابسه غير عامدة، فشتمها ثم دخل في ملاسنة مع زوجته، واضطر الى تغيير ملابسه ومغادرة البيت منفعلا.
ولأنك تأخرت عن مواعيد العمل ربع ساعة، فقد قدت سيارتك بسرعة عالية. والنتيجة: مخالفة مرورية وغرامة مالية. وتصل إلى المكتب، وتكتشف أنك نسيت حقيبة أوراقك في البيت، فتزداد نرفزة لأنك لا تستطيع ان تعرض ما هو مطلوب منك على رؤسائك، وتقضي عدة ساعات مبتئسا، لأنك قلت كلاما مرتجلا وغير مترابط في موضوع اجتهدت في استكمال عناصره، وتعود الى البيت ووجهك يلعن قفاك، لتجد ابنتك وزوجتك يستقبلانك بتكشيرة.
باختصار كان يوما «مهببا وسيئا»، ولكن لماذا؟ هل السبب هو الملوخية؟ أم بنتك؟ أم شرطي المرور؟ لا هذي ولا تلك، فالسبب «أنت»، فلم يكن بوسعك منع انسكاب الملوخية على ملابسك، ولكن رد فعلك على «الحادث»، أي هيجانك وانفعالك وغضبك هو الذي جر عليك بقية المنغصات التي جعلت يومك بائسا (مع التأكيد مجددا على عدم جواز تعليق كل شيء على شماعة «كون الإنسان مسيَّرا»).
تخيل لو كان رد فعلك مغايرا: ارتطم طبق الملوخية بيد ابنتك، فانسكبت على ملابسك، فتناولت فوطة ومسحت بها الملوخية وقلت للبنت: «ولا يهمك، يحصل في أرقى العائلات»، ثم نهضت وبدلت ملابسك وحملت حقيبة يدك، وتوجهت الى العمل ووصلت متأخرا خمس دقائق، وألقيت التحية على زملائك هاشا باشا، وقدمت لرؤسائك تقريرا وافيا حول الأمر الذي كلفوك بتقصي عناصره، مؤيدا بمستندات مكتوبة، قدمت لكل منهم نسخة منه، وقضيت بقية ساعات العمل وأنت تسمع عبارات الاستحسان، ثم عدت الى البيت لتجد الجميع سعداء بعودتك منشرح الأسارير.
هذان سيناريوان مختلفان بنفس البداية ولكن بنهاية مختلفة. وهناك أمثلة لا حصر لها في هذا الصدد، ولكن إذا أردت تطبيق مبدأ 10/90% على نحو سليم فعَوِّد نفسك على عدم الانفعال بملاحظة سلبية نحوك صدرت من شخص آخر، ولا تكن اسفنجة تختزن الأشياء حتى تختمر ويصيبها العفن، بل سطحا زجاجيا ناعما تنزلق فوقه الأشياء، فيبقى محافظا على نعومته ورونقه.
ولا تجعل الملاحظة السلبية تؤثر عليك، ولن تترتب على ذلك عواقب تعكنن مزاجك، ولكن رد الفعل الخاطئ قد يجعلك تخسر صديقا او حتى وظيفتك، وفي كل يوم سيقوم آخرون بقطع الطريق على سيارتك بسياراتهم، فماذا تكسب من التحرش بهم وشتمهم ومضايقتهم؟ ارتفاع ضغط الدم؟ تحول الملاسنة الى مشاجرة بالأيدي؟ هل ستقوم القيامة لأن شخصا ما تسبب في وصولك الى وجهتك متأخرا عشر ثوانٍ؟ وهب أن الطائرة تأخرت عن موعد الوصول والإقلاع، ولخبطت وخربطت برنامجك، ولكن ما ذنب المضيف او المضيفة حتى تفش غلك فيه/ فيها؟ ما جدوى النرفزة في هذا الموقف؟ ليس بإمكانك فعل شيء لجعل طائرة تأخرت في الإقلاع او الوصول، تقلع او تصل في موعدها. الولد لم يحرز نتيجة مدرسية طيبة: هل هيجانك وغضبك وضربك إياه سيغير من واقع الأمر شيئا؟ لماذا تنغص حياته وتدخله وتدخل معه في دوامة الغضب والإحباط، بدلا من ان تقول لنفسك: المستقبل يبدأ الآن و«يا ولدي ما فات شيء وعليك تحسين أدائك الأكاديمي اعتبارا من الفترة الدراسية المقبلة؟».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك