العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لك القرار بنسبة 90% (1)

كل‭ ‬من‭ ‬دخل‭ ‬المدارس‭ ‬ونال‭ ‬حظا‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أنه‭ ‬يذكر‭ ‬أستاذ‭ ‬فلان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحمل‭ ‬شهادات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تخصصه،‭ ‬ولكن‭ ‬طريقته‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬كانت‭ ‬تسبب‭ ‬النوم‭ ‬الوبائي‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬الدراسة،‭ ‬بينما‭ ‬أستاذ‭ ‬علان‭ ‬‮«‬كان‭ ‬فنانا‮»‬،‭ ‬يشد‭ ‬الانتباه‭ ‬بطريقة‭ ‬حلوة،‭ ‬ويجبرك‭ ‬على‭ ‬الانصات‭ ‬اليه،‭ ‬فهناك‭ ‬أناس‭ ‬حباهم‭ ‬الله‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬توصيل‭ ‬الأفكار‭ ‬والمقترحات،‭ ‬وإقناع‭ ‬الآخرين‭ ‬بوجاهتها‭ ‬أو‭ ‬خطلها‭ ‬وخطئها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنك‭ ‬تجد‭ ‬شخصا‭ ‬يحمل‭ ‬درجة‭ ‬علمية‭ ‬متواضعة‭ ‬يحظى‭ -‬كمدرس‭ ‬أو‭ ‬واعظ‭ ‬أو‭ ‬مرشد‭ ‬اجتماعي‭-‬بقبول‭ ‬لدى‭ ‬جمهوره،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬زملائه‭ ‬حاملي‭ ‬الدرجات‭ ‬الرفيعة،‭ ‬وقد‭ ‬تجد‭ ‬طبيبا‭ ‬ممارسا‭ ‬عاما‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬تشخيص‭ ‬الأمراض‭ ‬وعلاجها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اختصاصيين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬نابه‭ ‬وشاطر،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬مستمع‭ ‬جيد،‭ ‬ويصغي‭ ‬لشكاوى‭ ‬مرضاه،‭ ‬بعكس‭ ‬الطبيب‭ ‬أبو‭ ‬العريف‭ ‬الذي‭ ‬يشرع‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الوصفة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكمل‭ ‬المريض‭ ‬توضيح‭ ‬أعراض‭ ‬مرضه‭.‬

ومعظم‭ ‬الرياضيين‭ ‬الناجحين‭ ‬لم‭ ‬يتخرجوا‭ ‬في‭ ‬معاهد‭ ‬للتربية‭ ‬الرياضية،‭ ‬وعمرو‭ ‬خالد‭ ‬صار‭ ‬مالئ‭ ‬الدنيا‭ ‬وشغل‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬لحين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬رغم‭ ‬انه‭ ‬يحمل‭ ‬بكالوريوس‭ ‬محاسبة،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬يعيد‭ ‬تدوير‭ ‬ما‭ ‬ظل‭ ‬يقوله‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أعوام‭ (‬أين‭ ‬هو‭ ‬الآن؟‭ ‬هل‭ ‬تم‭ ‬إسكاته‭ ‬أم‭ ‬نضب‭ ‬معينه؟‭).‬

قبل‭ ‬أيام‭ ‬قرأت‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬موقع‭ ‬على‭ ‬الانترنت‭ ‬كلاما‭ ‬لشخص‭ ‬‮«‬نكرة‮»‬،‭ ‬استوقفني‭ ‬طويلا،‭ ‬وخلاصته‭ ‬أن‭ ‬10‭% ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الانسان‭ ‬رهن‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬له،‭ ‬بينما‭ ‬التسعون‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬رهن‭ ‬بردود‭ ‬أفعاله‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬سيطرة‭ ‬لك‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬مجريات‭ ‬الأمور‭ ‬من‭ ‬حولك‭ ‬فأنت‭ -‬مثلا‭- ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تمنع‭ ‬سيارتك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تصاب‭ ‬بعطل،‭ ‬وعند‭ ‬السفر‭ ‬تتأخر‭ ‬الطائرة‭ ‬ويرتبك‭ ‬برنامجك‭ ‬بأكمله،‭ ‬وأثناء‭ ‬قيادتك‭ ‬سيارتك‭ ‬بحذر‭ ‬قد‭ ‬تقطع‭ ‬عليك‭ ‬الطريق‭ ‬سيارة‭ ‬أخرى‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تصطدم‭ ‬بسيارتك،‭ ‬وتلحق‭ ‬بك‭ ‬إصابات‭.‬

يعني‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتحكم‭ ‬بأي‭ ‬درجة‭ ‬في‭ ‬10‭% ‬من‭ ‬مجريات‭ ‬الأحداث‭ ‬حولك،‭ ‬بينما‭ ‬تستطيع‭ ‬بردود‭ ‬أفعالك‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬90‭% ‬منها‭ (‬وكل‭ ‬ذي‭ ‬عقل‭ ‬يدرك‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬الإنسان‭ ‬مسير‭ ‬ومخير‭). ‬كيف؟‭ ‬هل‭ ‬بمقدورك‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬المرور‭ ‬الحمراء؟‭ ‬لا،‭ ‬لكنك‭ ‬تستطيع‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬رد‭ ‬فعلك‭ ‬تجاهها‭: ‬هل‭ ‬تكسر‭ ‬الإشارة؟‭ ‬أم‭ ‬تتوقف‭ ‬وأنت‭ ‬تتأفف‭ ‬وتسب‭ ‬وتشتم‭ ‬اليوم‭ ‬الأغبر‭ ‬الذي‭ ‬اخترعوا‭ ‬فيه‭ ‬تلك‭ ‬الإشارات؟‭ ‬أم‭ ‬تتوقف‭ ‬بأعصاب‭ ‬هادئة‭ ‬لأنك‭ ‬تعرف‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المسلك‭ ‬الصحيح‭ ‬لضمان‭ ‬سلامتك‭ ‬وسلامة‭ ‬الآخرين؟‭ (‬شخصيا‭ ‬هناك‭ ‬ثأر‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬إشارات‭ ‬مرورية‭ ‬معينة،‭ ‬أحس‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬تستقصدني‮»‬‭ ‬أي‭ ‬تتعمد‭ ‬إبراز‭ ‬البطاقة‭ ‬الحمراء‭ ‬كلما‭ ‬اقتربت‭ ‬منها،‭ ‬فلا‭ ‬يحدث‭ ‬سوى‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬أن‭ ‬أقترب‭ ‬منها‭ ‬وأجدها‭ ‬خضراء‭ ‬ترحب‭ ‬بعبوري‭).‬

لننظر‭ ‬إلى‭ ‬مثال‭ ‬آخر‭: ‬جلست‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬أناقتك‭ ‬الى‭ ‬مائدة‭ ‬الطعام‭ ‬لتناول‭ ‬وجبة‭ ‬الغداء‭ ‬مع‭ ‬العائلة،‭ ‬لأنك‭ ‬ستذهب‭ ‬الى‭ ‬مكان‭ ‬العمل‭ ‬للقاء‭ ‬رؤسائك‭ ‬والتباحث‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬مهم،‭ ‬وفجأة‭ ‬يصطدم‭ ‬كوع‭ ‬ابنتك‭ ‬بطبق‭ ‬الملوخية،‭ ‬فتنسكب‭ ‬على‭ ‬ملابسك‭ ‬الكشخة‭ (‬وكل‭ ‬من‭ ‬تعاطى‭ ‬الملوخية‭ ‬يعرف‭ ‬أنها‭ ‬تتحرش‭ ‬بالملابس‭ ‬حتى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬اليد‭ ‬إليها‭). ‬المهم‭: ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬رهن‭ ‬برد‭ ‬فعلك‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬قد‭ ‬تسب‭ ‬وتلعن‭ ‬وتسخط‭: ‬عميانة‭ ‬أنتِ؟‭ ‬غبية‭.. ‬بلهاء‭.. ‬تتصرفين‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬مثل‭ ‬الأطفال‭ (‬وكأنما‭ ‬الكبار‭ ‬لا‭ ‬يسكبون‭ ‬الماء‭ ‬والعصير‭ ‬والطبيخ‭ ‬على‭ ‬ملابسهم‭ ‬وملابس‭ ‬غيرهم‭ ‬سهوا‭). ‬وتبكي‭ ‬المسكينة‭ ‬وتترك‭ ‬المائدة‭ ‬فتلتفت‭ ‬الى‭ ‬زوجتك‭: ‬لماذا‭ ‬تضعين‭ ‬طبق‭ ‬الملوخية‭ ‬على‭ ‬طرف‭ ‬المائدة؟‭ ‬بل‭ ‬أصلا‭ ‬لماذا‭ ‬تطبخين‭ ‬هذا‭ ‬الزفت‭ (‬يقصد‭ ‬الملوخية‭)‬؟‭ ‬

ويحدث‭ ‬تلاسن‭ ‬بينكما،‭ ‬فتغادر‭ ‬المائدة،‭ ‬وتذهب‭ ‬الى‭ ‬غرفتك‭ ‬وتبدل‭ ‬ملابسك‭ ‬وتتوجه‭ ‬نحو‭ ‬سيارتك‭ ‬لتذهب‭ ‬الى‭ ‬مكان‭ ‬العمل،‭ ‬ولكنك‭ ‬لا‭ ‬تعثر‭ ‬على‭ ‬مفتاح‭ ‬السيارة،‭ ‬وتتذكر‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬جيوب‭ ‬الملابس‭ ‬الملوثة‭ ‬بالملوخية،‭ ‬فتزداد‭ ‬غضبا‭ ‬من‭ ‬بنتك‭ ‬وزوجتك‭ ‬والملوخية،‭ ‬وتعود‭ ‬الى‭ ‬حيث‭ ‬تركت‭ ‬ملابسك‭ ‬فلا‭ ‬تجدها‭ ‬فتصرخ‭: ‬اين‭ ‬الزفت‭ ‬الذي‭ ‬خلعته‭ ‬قبل‭ ‬دقائق؟‭ ‬ترد‭ ‬عليك‭ ‬زوجتك‭ ‬بأن‭ ‬الملابس‭ ‬‮«‬المُزفتة‮»‬‭ ‬توضع‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المخصص‭ ‬لها‭. ‬المهم‭ ‬أنك‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬المفتاح‭ ‬وتنطلق‭ ‬نحو‭ ‬السيارة‭ ‬ثم‭ ‬تنطلق‭ ‬بها‭ ‬بسرعة‭ ‬عالية‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬الغضب‭ ‬والعجلة‭.‬

ونشوف‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬وصلت‭ ‬بالسلامة‭ ‬غدا‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا