زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لك القرار بنسبة 90% (1)
كل من دخل المدارس ونال حظا من التعليم لا بد أنه يذكر أستاذ فلان الذي كان يحمل شهادات كبيرة في مجال تخصصه، ولكن طريقته في التدريس كانت تسبب النوم الوبائي في غرفة الدراسة، بينما أستاذ علان «كان فنانا»، يشد الانتباه بطريقة حلوة، ويجبرك على الانصات اليه، فهناك أناس حباهم الله بالقدرة على توصيل الأفكار والمقترحات، وإقناع الآخرين بوجاهتها أو خطلها وخطئها، ومن ثم فإنك تجد شخصا يحمل درجة علمية متواضعة يحظى -كمدرس أو واعظ أو مرشد اجتماعي-بقبول لدى جمهوره، أكثر من زملائه حاملي الدرجات الرفيعة، وقد تجد طبيبا ممارسا عاما ينجح في تشخيص الأمراض وعلاجها أكثر من اختصاصيين في هذا المجال أو ذاك، ليس فقط لأنه نابه وشاطر، ولكن لأنه مستمع جيد، ويصغي لشكاوى مرضاه، بعكس الطبيب أبو العريف الذي يشرع في كتابة الوصفة قبل أن يكمل المريض توضيح أعراض مرضه.
ومعظم الرياضيين الناجحين لم يتخرجوا في معاهد للتربية الرياضية، وعمرو خالد صار مالئ الدنيا وشغل الناس في مجال الدعوة الإسلامية، لحين من الدهر رغم انه يحمل بكالوريوس محاسبة، ورغم أنه يعيد تدوير ما ظل يقوله على مدى أعوام (أين هو الآن؟ هل تم إسكاته أم نضب معينه؟).
قبل أيام قرأت في ذات موقع على الانترنت كلاما لشخص «نكرة»، استوقفني طويلا، وخلاصته أن 10% من حياة الانسان رهن بما يحدث له، بينما التسعون في المائة الأخرى من حياته رهن بردود أفعاله. بعبارة أخرى لا سيطرة لك على معظم مجريات الأمور من حولك فأنت -مثلا- لا تستطيع ان تمنع سيارتك من أن تصاب بعطل، وعند السفر تتأخر الطائرة ويرتبك برنامجك بأكمله، وأثناء قيادتك سيارتك بحذر قد تقطع عليك الطريق سيارة أخرى بل قد تصطدم بسيارتك، وتلحق بك إصابات.
يعني لا تستطيع أن تتحكم بأي درجة في 10% من مجريات الأحداث حولك، بينما تستطيع بردود أفعالك التأثير على 90% منها (وكل ذي عقل يدرك إلى أي مدى الإنسان مسير ومخير). كيف؟ هل بمقدورك التحكم في إشارة المرور الحمراء؟ لا، لكنك تستطيع التحكم في رد فعلك تجاهها: هل تكسر الإشارة؟ أم تتوقف وأنت تتأفف وتسب وتشتم اليوم الأغبر الذي اخترعوا فيه تلك الإشارات؟ أم تتوقف بأعصاب هادئة لأنك تعرف ان هذا هو المسلك الصحيح لضمان سلامتك وسلامة الآخرين؟ (شخصيا هناك ثأر بيني وبين إشارات مرورية معينة، أحس بأنها «تستقصدني» أي تتعمد إبراز البطاقة الحمراء كلما اقتربت منها، فلا يحدث سوى مرة في السنة أن أقترب منها وأجدها خضراء ترحب بعبوري).
لننظر إلى مثال آخر: جلست في كامل أناقتك الى مائدة الطعام لتناول وجبة الغداء مع العائلة، لأنك ستذهب الى مكان العمل للقاء رؤسائك والتباحث في أمر مهم، وفجأة يصطدم كوع ابنتك بطبق الملوخية، فتنسكب على ملابسك الكشخة (وكل من تعاطى الملوخية يعرف أنها تتحرش بالملابس حتى دون أن تمتد اليد إليها). المهم: كل ما يحدث بعد ذلك رهن برد فعلك على ما حدث، قد تسب وتلعن وتسخط: عميانة أنتِ؟ غبية.. بلهاء.. تتصرفين على المائدة مثل الأطفال (وكأنما الكبار لا يسكبون الماء والعصير والطبيخ على ملابسهم وملابس غيرهم سهوا). وتبكي المسكينة وتترك المائدة فتلتفت الى زوجتك: لماذا تضعين طبق الملوخية على طرف المائدة؟ بل أصلا لماذا تطبخين هذا الزفت (يقصد الملوخية)؟
ويحدث تلاسن بينكما، فتغادر المائدة، وتذهب الى غرفتك وتبدل ملابسك وتتوجه نحو سيارتك لتذهب الى مكان العمل، ولكنك لا تعثر على مفتاح السيارة، وتتذكر انه في أحد جيوب الملابس الملوثة بالملوخية، فتزداد غضبا من بنتك وزوجتك والملوخية، وتعود الى حيث تركت ملابسك فلا تجدها فتصرخ: اين الزفت الذي خلعته قبل دقائق؟ ترد عليك زوجتك بأن الملابس «المُزفتة» توضع عادة في المكان المخصص لها. المهم أنك تحصل على المفتاح وتنطلق نحو السيارة ثم تنطلق بها بسرعة عالية تعبيرا عن الغضب والعجلة.
ونشوف ما إذا وصلت بالسلامة غدا إن شاء الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك