زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هم مسلمون ولكن (2)
بعد أن ربطت وسائل المواصلات والاتصال الحديثة بين مختلف رقاع العالم، صرنا نعرف الكثير عن مسلمين لا يعرفون الكثير عن الإسلام، ومن هنا جاء مصطلح إسلام أهل الهوامش، وليس في العبارة استخفاف بهم، بل المقصود بها من يعيشون على هامش أي أطراف كتلة البلدان التي تشكل العالم الإسلامي التاريخي، و تحدثت بالأمس عن طقوس تمارس في أجزاء مسلمة من السودان، لا علاقة لها بالإسلام حتى لو ارتبطت بالإسلام من حيث التوقيت، وقدمت دليلاً على ذلك أن عاشوراء كان في شمال السودان النوبي مناسبة لإحياء طقس «الوفاء للنيل» بوصفه مصدر الخير والرزق، وذلك بأن ترمي كل عائلة ببعض الطعام في النهر قبل الشروع في الأكل.
وبحمد الله فإن الأمر اقتصر على رمي الطعام، ففيما مضى كان أهلنا في النوبة السودانية ومصر يلقون بأجمل فتاة في النهر كي «يرضى عنهم»، ويفيض بالخير من دون أن يشطح ويتسبب في فيضانات تكتسح الأخضر والبنفسجي. وما أهاج كل تلك الذكريات هو ما قرأته عن سيدة مصرية كانت في قمة السعادة بمناسبة زواج ولدها الوحيد، وبعد انتهاء حفل الزواج وانفضاض المدعوين، منعت الأم العروسين من دخول غرفة النوم الخاصة بهما إلى حين تفرغ من تبخيرها حتى تحصنهما ضد عين الحساد.
اعترض العريس وقال لها إنه سيدخل الغرفة مستعيذاً من الشيطان وسيقرأ المعوذتين وآية الكرسي، ولكن الأم أخبرته أن البخور الذي ستستخدمه لدرء خطر العين عنهما من إعداد عراف «مبروك» مشهود له بالكفاءة وإعداد الخلطات السحرية «اللي ما تخرش ميّة»، ولم يشأ العريس الشاب أن يكسر خاطر أمّه برفض البخور المضادّ لعين الحسود، وقامت الأم بحمل المبخرة وطافت بها أرجاء غرفة نوم الزوجين. ثم تركت المبخر في الغرفة حتى تتشبع جميع مساماتها به ويتسلل الدخان إلى العين الحاسدة حتى تدمع وتهرب، وأغلقت باب الغرفة وجلست مع ولدها وعروسه في «الصالة» والجميع في قمة السعادة.
ثم.. وفي نفس البيت الذي كانت تتعالى فيه الزغاريد، واتمخطري يا حلوة يا زينة، تعالى عويل: يا لهوي يا لهوتيني يا تلات لهاويني.. يا مصيبتي.. الحقونا.. وما حدث هو أن البخور الذي أعده العراف الحصيف قضى على العين الحاسدة، وأغرته نشوة النصر بالزحف على غرف البيت الأخرى، وانتهى الأمر باحتراق غرفة الزوجية قبل أن يقضي فيها الزوجان دقيقة واحدة، وانتقلت النار إلى بقية أنحاء البيت.. ونقول في السودان «اللي جاتك في مالك سامحتك»، يعني المصاب الذي لحق بمالك صرف عنك مصابا وأذى أكبر في جسدك.
وربما يذكر كثيرون منكم حكاية تناقلتها معظم الصحف العربية عن الرجل الذي أقنعه عراف بأن هناك كنزاً من سبائك الذهب في أرض يملكها، وأن الكنز يحرسه الجان الذين طالبوا بما يعادل ثلاثة آلاف دولار، نظير السماح لصاحب الأرض بالحصول على الكنز (لحسن الحظ كان الجان هذه المرة قنوعاً وغير جشع ولم يطالب بستمائة ألف أو ستة ملايين).. ودفع الرجل المبلغ وحفر الأرض ووجد قطعاً من معدن أصفر (نحاس) لا تساوي ستة ريالات.. زين.. والعراف الذي كان لديه سر الكنز وكان يحمل توكيلاً من الجان بالسماح لصاحبنا بالحصول على الكنز مقابل مبلغ رمزي؟.. فص ملح وداب.. اختفى ولم يعرف له الرجل أثراً بعد أن اكتُشِف أمر الخدعة.
يمكننا ان نتفهم ضعف الوعي الديني لدى مسلمي الأطراف والهوامش (بعض مسلمي الهند يجاري الهندوس ويجعل الفتاة تتكفل بالمهر ونفقات الزواج، وعند بعض قبائل باكستان المسلمة يعاقب من يغتصب فتاة، بأن يؤتي بأخته -مثلا- ليغتصبها بعض أقرباء الفتاة المجني عليها، ويعاقبون من يقترن بفتاة من عائلة كبيرة دون رضاء أهلها بعقوبة مماثلة. ومع هذا يوصفون بأنهم متشددون دينيا، مع أن كل ما في الأمر هو أن الدعاة لا يزورونهم ليعلموهم أمور دينهم على النحو الصحيح).
وإذا وجدنا العذر لهؤلاء فماذا نقول عمن يعيشون في قلب ديار الاسلام ويعتقدون ان المنجمين والمشعوذين قادرون على دفع الأذى وجلب كل ما هو طيب ومشتهى؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك