العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

هم مسلمون ولكن (2)

بعد‭ ‬أن‭ ‬ربطت‭ ‬وسائل‭ ‬المواصلات‭ ‬والاتصال‭ ‬الحديثة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬رقاع‭ ‬العالم،‭ ‬صرنا‭ ‬نعرف‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬مسلمين‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬الإسلام،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬مصطلح‭ ‬إسلام‭ ‬أهل‭ ‬الهوامش،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬العبارة‭ ‬استخفاف‭ ‬بهم،‭ ‬بل‭ ‬المقصود‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬أي‭ ‬أطراف‭ ‬كتلة‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬التاريخي،‭ ‬و تحدثت‭ ‬بالأمس‭ ‬عن‭ ‬طقوس‭ ‬تمارس‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬مسلمة‭ ‬من‭ ‬السودان،‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالإسلام‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالإسلام‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التوقيت،‭ ‬وقدمت‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬عاشوراء‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬السودان‭ ‬النوبي‭ ‬مناسبة‭ ‬لإحياء‭ ‬طقس‭ ‬‮«‬الوفاء‭ ‬للنيل‮»‬‭ ‬بوصفه‭ ‬مصدر‭ ‬الخير‭ ‬والرزق،‭ ‬وذلك‭ ‬بأن‭ ‬ترمي‭ ‬كل‭ ‬عائلة‭ ‬ببعض‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬النهر‭ ‬قبل‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬الأكل‭.‬

وبحمد‭ ‬الله‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬اقتصر‭ ‬على‭ ‬رمي‭ ‬الطعام،‭ ‬ففيما‭ ‬مضى‭ ‬كان‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬النوبة‭ ‬السودانية‭ ‬ومصر‭ ‬يلقون‭ ‬بأجمل‭ ‬فتاة‭ ‬في‭ ‬النهر‭ ‬كي‭ ‬‮«‬يرضى‭ ‬عنهم‮»‬،‭ ‬ويفيض‭ ‬بالخير‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشطح‭ ‬ويتسبب‭ ‬في‭ ‬فيضانات‭ ‬تكتسح‭ ‬الأخضر‭ ‬والبنفسجي‭. ‬وما‭ ‬أهاج‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الذكريات‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قرأته‭ ‬عن‭ ‬سيدة‭ ‬مصرية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬السعادة‭ ‬بمناسبة‭ ‬زواج‭ ‬ولدها‭ ‬الوحيد،‭ ‬وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬حفل‭ ‬الزواج‭ ‬وانفضاض‭ ‬المدعوين،‭ ‬منعت‭ ‬الأم‭ ‬العروسين‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬غرفة‭ ‬النوم‭ ‬الخاصة‭ ‬بهما‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬تفرغ‭ ‬من‭ ‬تبخيرها‭ ‬حتى‭ ‬تحصنهما‭ ‬ضد‭ ‬عين‭ ‬الحساد‭.‬

اعترض‭ ‬العريس‭ ‬وقال‭ ‬لها‭ ‬إنه‭ ‬سيدخل‭ ‬الغرفة‭ ‬مستعيذاً‭ ‬من‭ ‬الشيطان‭ ‬وسيقرأ‭ ‬المعوذتين‭ ‬وآية‭ ‬الكرسي،‭ ‬ولكن‭ ‬الأم‭ ‬أخبرته‭ ‬أن‭ ‬البخور‭ ‬الذي‭ ‬ستستخدمه‭ ‬لدرء‭ ‬خطر‭ ‬العين‭ ‬عنهما‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬عراف‭ ‬‮«‬مبروك‮»‬‭ ‬مشهود‭ ‬له‭ ‬بالكفاءة‭ ‬وإعداد‭ ‬الخلطات‭ ‬السحرية‭ ‬‮«‬اللي‭ ‬ما‭ ‬تخرش‭ ‬ميّة‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬يشأ‭ ‬العريس‭ ‬الشاب‭ ‬أن‭ ‬يكسر‭ ‬خاطر‭ ‬أمّه‭ ‬برفض‭ ‬البخور‭ ‬المضادّ‭ ‬لعين‭ ‬الحسود،‭ ‬وقامت‭ ‬الأم‭ ‬بحمل‭ ‬المبخرة‭ ‬وطافت‭ ‬بها‭ ‬أرجاء‭ ‬غرفة‭ ‬نوم‭ ‬الزوجين‭. ‬ثم‭ ‬تركت‭ ‬المبخر‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬حتى‭ ‬تتشبع‭ ‬جميع‭ ‬مساماتها‭ ‬به‭ ‬ويتسلل‭ ‬الدخان‭ ‬إلى‭ ‬العين‭ ‬الحاسدة‭ ‬حتى‭ ‬تدمع‭ ‬وتهرب،‭ ‬وأغلقت‭ ‬باب‭ ‬الغرفة‭ ‬وجلست‭ ‬مع‭ ‬ولدها‭ ‬وعروسه‭ ‬في‭ ‬‮«‬الصالة‮»‬‭ ‬والجميع‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬السعادة‭.‬

ثم‭.. ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تتعالى‭ ‬فيه‭ ‬الزغاريد،‭ ‬واتمخطري‭ ‬يا‭ ‬حلوة‭ ‬يا‭ ‬زينة،‭ ‬تعالى‭ ‬عويل‭: ‬يا‭ ‬لهوي‭ ‬يا‭ ‬لهوتيني‭ ‬يا‭ ‬تلات‭ ‬لهاويني‭.. ‬يا‭ ‬مصيبتي‭.. ‬الحقونا‭.. ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬البخور‭ ‬الذي‭ ‬أعده‭ ‬العراف‭ ‬الحصيف‭ ‬قضى‭ ‬على‭ ‬العين‭ ‬الحاسدة،‭ ‬وأغرته‭ ‬نشوة‭ ‬النصر‭ ‬بالزحف‭ ‬على‭ ‬غرف‭ ‬البيت‭ ‬الأخرى،‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭ ‬باحتراق‭ ‬غرفة‭ ‬الزوجية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬فيها‭ ‬الزوجان‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة،‭ ‬وانتقلت‭ ‬النار‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬أنحاء‭ ‬البيت‭.. ‬ونقول‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬‮«‬اللي‭ ‬جاتك‭ ‬في‭ ‬مالك‭ ‬سامحتك‮»‬،‭ ‬يعني‭ ‬المصاب‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬بمالك‭ ‬صرف‭ ‬عنك‭ ‬مصابا‭ ‬وأذى‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬جسدك‭.‬

وربما‭ ‬يذكر‭ ‬كثيرون‭ ‬منكم‭ ‬حكاية‭ ‬تناقلتها‭ ‬معظم‭ ‬الصحف‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬أقنعه‭ ‬عراف‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬كنزاً‭ ‬من‭ ‬سبائك‭ ‬الذهب‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬يملكها،‭ ‬وأن‭ ‬الكنز‭ ‬يحرسه‭ ‬الجان‭ ‬الذين‭ ‬طالبوا‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار،‭ ‬نظير‭ ‬السماح‭ ‬لصاحب‭ ‬الأرض‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬الكنز‭ (‬لحسن‭ ‬الحظ‭ ‬كان‭ ‬الجان‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬قنوعاً‭ ‬وغير‭ ‬جشع‭ ‬ولم‭ ‬يطالب‭ ‬بستمائة‭ ‬ألف‭ ‬أو‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭).. ‬ودفع‭ ‬الرجل‭ ‬المبلغ‭ ‬وحفر‭ ‬الأرض‭ ‬ووجد‭ ‬قطعاً‭ ‬من‭ ‬معدن‭ ‬أصفر‭ (‬نحاس‭) ‬لا‭ ‬تساوي‭ ‬ستة‭ ‬ريالات‭.. ‬زين‭.. ‬والعراف‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬سر‭ ‬الكنز‭ ‬وكان‭ ‬يحمل‭ ‬توكيلاً‭ ‬من‭ ‬الجان‭ ‬بالسماح‭ ‬لصاحبنا‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬الكنز‭ ‬مقابل‭ ‬مبلغ‭ ‬رمزي؟‭.. ‬فص‭ ‬ملح‭ ‬وداب‭.. ‬اختفى‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬له‭ ‬الرجل‭ ‬أثراً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتُشِف‭ ‬أمر‭ ‬الخدعة‭.‬

يمكننا‭ ‬ان‭ ‬نتفهم‭ ‬ضعف‭ ‬الوعي‭ ‬الديني‭ ‬لدى‭ ‬مسلمي‭ ‬الأطراف‭ ‬والهوامش‭ (‬بعض‭ ‬مسلمي‭ ‬الهند‭ ‬يجاري‭ ‬الهندوس‭ ‬ويجعل‭ ‬الفتاة‭ ‬تتكفل‭ ‬بالمهر‭ ‬ونفقات‭ ‬الزواج،‭ ‬وعند‭ ‬بعض‭ ‬قبائل‭ ‬باكستان‭ ‬المسلمة‭ ‬يعاقب‭ ‬من‭ ‬يغتصب‭ ‬فتاة،‭ ‬بأن‭ ‬يؤتي‭ ‬بأخته‭ -‬مثلا‭- ‬ليغتصبها‭ ‬بعض‭ ‬أقرباء‭ ‬الفتاة‭ ‬المجني‭ ‬عليها،‭ ‬ويعاقبون‭ ‬من‭ ‬يقترن‭ ‬بفتاة‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬كبيرة‭ ‬دون‭ ‬رضاء‭ ‬أهلها‭ ‬بعقوبة‭ ‬مماثلة‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬يوصفون‭ ‬بأنهم‭ ‬متشددون‭ ‬دينيا،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الدعاة‭ ‬لا‭ ‬يزورونهم‭ ‬ليعلموهم‭ ‬أمور‭ ‬دينهم‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الصحيح‭).‬

وإذا‭ ‬وجدنا‭ ‬العذر‭ ‬لهؤلاء‭ ‬فماذا‭ ‬نقول‭ ‬عمن‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬ديار‭ ‬الاسلام‭ ‬ويعتقدون‭ ‬ان‭ ‬المنجمين‭ ‬والمشعوذين‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬الأذى‭ ‬وجلب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬طيب‭ ‬ومشتهى؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا